فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِالدِّيۡنِ
تفسير ميسر:
أيُّ شيء يحملك -أيها الإنسان- على أن تكذِّب بالبعث والجزاء مع وضوح الأدلة على قدرة الله تعالى على ذلك؟
وقوله تعالى"فما يكذبك"أي يا ابن آدم "بعد بالدين" أي بالجزاء في المعاد ولقد علمت البداءة وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى فأي شئ يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟ قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبدالرحمن عن سفيان عن منصور قال; قلت لمجاهد "فما يكذبك بعد بالدين" عني به النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال; معاذ الله عني به الإنسان وهكذا قال عكرمة وغيره.
قوله تعالى ; فما يكذبك بعد بالدين [ ص; 104 ] قيل ; الخطاب للكافر توبيخا وإلزاما للحجة . أي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم ، وأنه يردك إلى أرذل العمر ، وينقلك من حال إلى حال فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء ، وقد أخبرك محمد - صلى الله عليه وسلم - به ؟ وقيل ; الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي استيقن مع ما جاءك من الله - عز وجل - ، أنه أحكم الحاكمين . روي معناه عن قتادة . وقال قتادة أيضا والفراء ; المعنى فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذا البيان بالدين . واختاره الطبري . كأنه قال ; فمن يقدر على ذلك أي على تكذيبك بالثواب والعقاب ، بعد ما ظهر من قدرتنا على خلق الإنسان والدين والجزاء . قال الشاعر ;دنا تميما كما كانت أوائلنا دانت أوائلهم في سالف الزمن
القول في تأويل قوله تعالى ; فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)اختلف أهل التأويل في تأويل قوله; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ ) فقال بعضهم معناه; فمن يكذّبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني; بطاعة الله، وما بعثك به من الحقّ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا; " ما " في معنى " مَنْ"، لأنه عُنِيَ به ابن آدم، ومن بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم.وقال آخرون; بل معنى ذلك; فما يكذّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن منصور، قال; قلت لمجاهد; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) عني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال; معاذ الله! عُني به الإنسان.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عمن سمع مجاهدا يقول; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) قلت; يعني به; النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال; معاذ الله! إنما يعني به الإنسان.دثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) أعني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال; معاذ الله! إنما عُنِيَ به الإنسان.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبيّ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) ؟ إنما يعني الإنسان، يقول; خلقتك في أحسن تقويم، فما يكذّبك أيها الإنسان بعد بالدين.وقال آخرون; إنما عني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له; استيقن مع ما جاءك من الله من البيان، أن الله أحكم الحاكمين.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) .وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال; معنى " ما " معنى " مَنْ", ووجه تأويل الكلام إلى; فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين؟ يعني; بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم. وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية بمعنى; فما الذي يكذّبك بأن الناس يدانون بأعمالهم؟ وكأنه قال; فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب، بعد ما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا.واختلفوا في معنى قوله; ( بِالدِّينِ ) فقال بعضهم; بالحساب.* ذكر من قال ذلك;حدثنا عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاوي، قال; ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربيّ، عن عكرِمة، في قوله; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) قال; الحساب.وقال آخرون; معناه; بحكم الله.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) يقول; ما يكذّبك بحكم الله.وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال; الدين في هذا الموضع; الجزاء والحساب، وذلك أن أحد معانى الدين في كلام العرب; الجزاء والحساب؛ ومنه قولهم; &; 24-516 &; كما تدين تُدان. ولا أعرف من معاني الدين " الحكم " في كلامهم، إلا أن يكون مرادا بذلك; فما يكذّبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه؟ فيكون ذلك.
{ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ } أي: أي: شيء يكذبك أيها الإنسان بيوم الجزاء على الأعمال، وقد رأيت من آيات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين، ومن نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به.
(الفاء) استئنافيّة
(ما) اسم استفهام للإنكار في محلّ رفع مبتدأ
(بعد) ظرف مبني على الضمّ في محلّ نصب متعلّق بـ (يكذّبك) ،
(بالدين) متعلّق بـ (يكذّبك) .
جملة: «ما يكذّبك ... » لا محلّ لها استئنافيّة.