الرسم العثمانيالزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْءَاخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
الـرسـم الإمـلائـياَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِىۡ فَاجۡلِدُوۡا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنۡهُمَا مِائَةَ جَلۡدَةٍ ۖ وَّلَا تَاۡخُذۡكُمۡ بِهِمَا رَاۡفَةٌ فِىۡ دِيۡنِ اللّٰهِ اِنۡ كُنۡتُمۡ تُؤۡمِنُوۡنَ بِاللّٰهِ وَالۡيَوۡمِ الۡاٰخِرِۚ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآٮِٕفَةٌ مِّنَ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط، وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين؛ تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا.
ثم قال تعالى; "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" يعنى هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد وللعلماء فيه تفصيل ونزاع فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا وهو الذي لم يتزوج أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائه جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله - فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما; يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأه هذا; الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام. واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فغدا عليها فاعترفت فرجمها. وفى هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم كما قال الإمام مالك حدثنى ابن شهاب أخبرنا عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال; أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشي أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله فالرجم في كتاب الله حق على من زني إذا أحصن من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا وهذه قطعة منه فيها مقصودنا ههنا. وروى الإمام أحمد عن هشيم عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس حدثني عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول; ألا وإن ناسا يقولون ما الرجم في كتاب الله وإنما فيه الجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به. وأخرجه النسائي من حديث عبيدالله بن عبدالله به وقد روى الإمام أحمد أيضا عن هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال; "إنا لا نجد من الرجم بدا فإنه حد من حدود الله تعالى ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده ولولا أن يقول قائلون إن عمر زاد في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت في ناحية من المصحف وشهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده ألا إنه سيكون قوم من بعدكم يكذبون بالرجم وبالشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا. وروى أحمد أيضا عن يحيي الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم" الحديث رواه الترمذي من حديث سعيد عن عمر وقال صحيح وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا أبو عون عن محمد هو ابن سيرين قال ابن عمر; نبئت عن كثير بن الصلت قال كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت كنا نقرأ; الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة قال مروان ألا كتبتها في المصحف؟ قال ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب فقال أنا أشفيكم من ذلك قال قلنا فكيف؟ قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر كذا وكذا وذكر الرجم فقال يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال "لا أستطيع الآن" هذا أو نحو ذلك. وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثني عن غندر عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت به وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به والله أعلم. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم وإنما وردت الأحاديث الصحيحة المتعاضدة المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " أنه لما أتي بسراجة وكانت قد زنت وهي محصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقال; جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة ومسلم من حديث قتادة عن الحسن عن حطان بن عبدالله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". وقوله تعالى "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" أي في حكم الله أي لا ترأفوا بهما في شرع الله وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك قال مجاهد; "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" قال; إقامة الحدود إذا رفعت إلي السلطان فتقام ولا تعطل وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقد جاء في الحديث; "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" وفي الحديث الآخر; "لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا" وقيل المراد " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله "فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم وليس المراد الضرب المبرح. قال عامر الشعبي "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" قال; رحمة في شدة الضرب وقال عطاء; ضرب ليس بالمبرح وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن أبي سليمان; يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه ثم تلا "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" فقلت; هذا في الحكم قال; هذا في الحكم والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمرو بن عبدالله الأودي حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها قال نافع; أراه قال ظهرها قال قلت "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" قال; يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها وقد أوجعت حين ضربتها. وقوله تعالى "إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زني وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحا ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال; يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها فقال "ولك في ذلك أجر". وقوله تعالى "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا. قال الحسن البصري في قوله "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" يعني علانية ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" الطائفة الرجل فما فوقه وقال مجاهد; الطائفة الرجل الواحد إلى الألف وكذا قال عكرمة ولهذا قال أحمد; إن الطائفة تصدق على واحد وقال عطاء بن أبي رباح; اثنان وبه قال إسحاق بن راهوية وكذا قال سعيد بن جبير "طائفة من المؤمنين" قال; يعني رجل فصاعدا وقال الزهري; ثلاث نفر فصاعدا وقال عبد الرزاق حدثني ابن وهب عن الإمام مالك في قوله "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" قال; الطائفة أربعة نفر فصاعدا لأنه لا يكفي شهادة في الزنا إلا أربعة شهداء فصاعدا وبه قال الشافعي وقال ربيعة; خمسة وقال الحسن البصري; عشرة وقال قتادة; أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيي بن عثمان حدثنا بقية قال سمعت نصر بن علقمة يقول في قوله تعالى "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" قال; ليس ذلك للفضيحة إنما ذلك ليدعى الله تعالي لهما بالتوبة والرحمة.
قوله تعالى ; الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنينفيه اثنان وعشرون مسألة ;الأولى ; قوله تعالى ; الزانية والزاني كان الزنى في اللغة معروفا قبل الشرع مثل اسم السرقة والقتل . وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح بمطاوعتها . وإن شئت قلت ; هو إدخال فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا ؛ فإذا كان ذلك وجب الحد . وقد مضى الكلام في حد الزنى وحقيقته وما للعلماء في ذلك . وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة ( النساء ) باتفاق .الثانية ; قوله تعالى ; مائة جلدة هذا حد الزاني الحر البالغ البكر ، وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة . وثبت بالسنة تغريب عام ؛ على الخلاف في ذلك . وأما المملوكات فالواجب خمسون جلدة ؛ لقوله تعالى ; فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا في الأمة ، ثم العبد في معناها . وأما المحصن من الأحرار فعليه الرجم [ ص; 148 ] دون الجلد . ومن العلماء من يقول ; يجلد مائة ثم يرجم . وقد مضى هذا كله ممهدا في ( النساء ) فأغنى عن إعادته ، والحمد لله .الثالثة ; قرأ الجمهور الزانية والزاني بالرفع . وقرأ عيسى بن عمر الثقفي ( الزانية ) بالنصب ، وهو أوجه عند سيبويه ؛ لأنه عنده كقولك ; زيدا اضرب . ووجه الرفع عنده ; خبر ابتداء ، وتقديره ; فيما يتلى عليكم الزانية والزاني . وأجمع الناس على الرفع وإن كان القياس عند سيبويه النصب . وأما الفراء ، والمبرد ، والزجاج فإن الرفع عندهم هو الأوجه ، والخبر في قوله فاجلدوا لأن المعنى ; الزانية والزاني مجلودان بحكم الله وهو قول جيد ، وهو قول أكثر النحاة . وإن شئت قدرت الخبر ; ينبغي أن يجلدا . وقرأ ابن مسعود ( والزان ) بغير ياء .الرابعة ; ذكر الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى ، والزاني كان يكفي منهما ؛ فقيل ; ذكرهما للتأكيد كما قال تعالى ; والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما . ويحتمل أن يكون ذكرهما هنا لئلا يظن ظان أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها حد فذكرها رفعا لهذا الإشكال الذي أوقع جماعة من العلماء منهم الشافعي . فقالوا ; لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان ؛ لأنه قال جامعت أهلي في نهار رمضان ؛ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر . فأمره بالكفارة ، والمرأة ليست بمجامعة ولا واطئة .الخامسة ; قدمت الزانية في هذه الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنا النساء فاش ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات ، وكن مجاهرات بذلك . وقيل ; لأن الزنا في النساء أعر وهو لأجل الحبل أضر . وقيل ; لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب ، فصدرها تغليظا لتردع شهوتها ، وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله . وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجب والصيانة ، فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما .السادسة ; الألف واللام في قوله الزانية والزاني للجنس ، وذلك يعطي أنها عامة [ ص; 149 ] في جميع الزناة . ومن قال بالجلد مع الرجم قال ; السنة جاءت بزيادة حكم فيقام مع الجلد . وهو قول إسحاق بن راهويه ، والحسن بن أبي الحسن ، وفعله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بشراحة وقد مضى في ( النساء ) بيانه . وقال الجمهور ; هي خاصة في البكرين ، واستدلوا على أنها غير عامة بخروج العبيد والإماء منها .السابعة ; نص الله سبحانه وتعالى ما يجب على الزانيين إذا شهد بذلك عليهما ؛ على ما يأتي ، وأجمع العلماء على القول به . واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد فقال إسحاق بن راهويه ; يضرب كل واحد منهما مائة جلدة . وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وليس يثبت ذلك عنهما . وقال عطاء ، وسفيان الثوري ; يؤدبان . وبه قال مالك ، وأحمد ؛ على قدر مذاهبهم في الأدب . قال ابن المنذر ; والأكثر ممن رأيناه يرى على من وجد على هذه الحال الأدب . وقد مضى في ( هود ) اختيار ما في هذه المسألة ، والحمد لله وحده .الثامنة ; ( فاجلدوا ) دخلت الفاء لأنه موضع أمر والأمر مضارع للشرط . وقال المبرد ; فيه معنى الجزاء ، أي إن زنى زان فافعلوا به كذا ، ولهذا دخلت الفاء ؛ وهكذا السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .التاسعة ; لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه . وزاد مالك ، والشافعي ; السادة في العبيد . قال الشافعي ; في كل جلد وقطع . وقال مالك ; في الجلد دون القطع . وقيل ; الخطاب للمسلمين ؛ لأن إقامة مراسم الدين واجبة على المسلمين ، ثم الإمام ينوب عنهم ؛ إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود .العاشرة ; أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط يجب . والسوط الذي يجب أن يجلد به يكون سوطا بين سوطين . لا شديدا ولا لينا . وروى مالك ، عن زيد بن أسلم أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط ، فأتي بسوط مكسور ، فقال ; فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال ; دون هذا فأتي بسوط قد ركب به ولان . فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد . . . الحديث . قال أبو عمر ; هكذا روى هذا الحديث [ ص; 150 ] مرسلا جميع رواة الموطإ ، ولا أعلمه يستند بهذا اللفظ بوجه من الوجوه ، وقد روى معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء . وقد تقدم في ( المائدة ) ضرب عمر قدامة في الخمر بسوط تام . يريد وسطا .الحادية عشرة ; اختلف العلماء في تجريد المجلود في الزنا ؛ فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهما ; يجرد ، ويترك على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب . وقال الأوزاعي ; الإمام مخير إن شاء جرد وإن شاء ترك . وقال الشعبي ، والنخعي ; لا يجرد ، ولكن يترك عليه قميص . قال ابن مسعود ; لا يحل في الأمة تجريد ولا مد ؛ وبه قال الثوري .الثانية عشرة ; اختلف العلماء في كيفية ضرب الرجال والنساء ؛ فقال مالك ; الرجل والمرأة في الحدود كلها سواء ، لا يقام واحد منهما ؛ ولا يجزي عنده إلا في الظهر . وأصحاب الرأي ، والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف ، وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . وقال الليث ، وأبو حنيفة ، والشافعي ; الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود ؛ إلا حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه . وحكاه المهدوي في التحصيل عن مالك . وينزع عنه الحشو والفرو . وقال الشافعي ; إن كان مده صلاحا مد .الثالثة عشرة ; واختلفوا في المواضع التي تضرب من الإنسان في الحدود ؛ فقال مالك ; الحدود كلها لا تضرب إلا في الظهر ، وكذلك التعزير . وقال الشافعي وأصحابه ; يتقى الوجه ، والفرج ، وتضرب سائر الأعضاء ؛ وروي عن علي . وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنا . قال ابن عطية ; والإجماع في تسليم الوجه ، والعورة ، والمقاتل . واختلفوا في ضرب الرأس ؛ فقال الجمهور ; يتقى الرأس . وقالأبو يوسف ; يضرب الرأس . وروي عن عمر ، وابنه فقالا ; يضرب الرأس . وضرب عمر - رضي الله عنه - صبيا في رأسه وكان تعزيرا لا حدا . ومن حجة مالك ما أدرك عليه الناس ، وقوله - عليه السلام - ; البينة وإلا حد في ظهرك وسيأتي .[ ص; 151 ] الرابعة عشرة ; الضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلما لا يجرح ولا يبضع ، ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه . وبه قال الجمهور ، وهو قول علي ، وابن مسعود - رضي الله عنهما - . وأتي عمر - رضي الله عنه - برجل في حد فأتي بسوط بين سوطين وقال للضارب ; اضرب ولا يرى إبطك ؛ وأعط كل عضو حقه . وأتي - رضي الله عنه - بشارب فقال ; لأبعثنك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة ؛ فبعثه إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال ; إذا أصبحت الغد فاضربه الحد ؛ فجاء عمر - رضي الله عنه - وهو يضربه ضربا شديدا فقال ; قتلت الرجل ! كم ضربته ؟ فقال ستين ؛ فقال ; أقص عنه بعشرين . قال أبو عبيدة ; ( أقص عنه بعشرين ) يقول ; اجعل شدة هذا الضرب الذي ضربته قصاصا بالعشرين التي بقيت ولا تضربه العشرين . وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشارب ضرب خفيف . وقد اختلف العلماء في أشد الحدود ضربا وهي ;الخامسة عشرة ; فقال مالك ، وأصحابه ، والليث بن سعد ; الضرب في الحدود كلها سواء ، ضرب غير مبرح ؛ ضرب بين ضربين . هو قول الشافعي - رضي الله عنه - . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ; التعزير أشد الضرب ؛ وضرب الزنا أشد من الضرب في الخمر ، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف . وقال الثوري ; ضرب الزنا أشد من ضرب القذف ، وضرب القذف أشد من ضرب الخمر . احتج مالك بورود التوقيف على عدد الجلدات ، ولم يرد في شيء منها تخفيف ولا تثقيل عمن يجب التسليم له . احتج أبو حنيفة بفعل عمر ، فإنه ضرب في التعزير ضربا أشد منه في الزنا . احتج الثوري بأن الزنا لما كان أكثر عددا في الجلدات استحال أن يكون القذف أبلغ في النكاية . وكذلك الخمر ؛ لأنه لم يثبت فيه الحد إلا بالاجتهاد ، وسبيل مسائل الاجتهاد لا يقوى قوة مسائل التوقيف .السادسة عشرة ; الحد الذي أوجب الله في الزنا ، والخمر ، والقذف ، وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام ، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس ، وخيارهم يختارهم الإمام لذلك . وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك ، - رضي الله عنهم - . وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية ، تجب المحافظة على فعلها ، وقدرها ، ومحلها ، وحالها ، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها ، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة ، فيجب مراعاته بكل ما أمكن . روى الصحيح عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال ; شهدت عثمان بن عفان ، وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ، ثم قال ; أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان ، أحدهما حمران أنه شرب الخمر ، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ ؛ فقال عثمان ; إنه لم يتقيأ حتى شربها ؛ فقال ; يا علي ، قم فاجلده ، فقال علي ; قم يا حسن فاجلده . فقال الحسن ; ول حارها من تولى قارها - ( فكأنه [ ص; 152 ] وجد عليه ) - فقال ; يا عبد الله بن جعفر ، قم فاجلده ، فجلده وعلي يعد . . . الحديث . وقد تقدم في المائدة . فانظر قول عثمان للإمام علي ; قم فاجلده .السابعة عشرة ; نص الله تعالى على عدد الجلد في الزنا ، والقذف ، وثبت التوقيف في الخمر على ثمانين من فعل عمر في جميع الصحابة - على ما تقدم في المائدة - فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله . قال ابن العربي ; وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر ، ولا احلولت لهم المعاصي ، حتى يتخذوها ضراوة ، ويعطفون عليها بالهوادة ، فلا يتناهوا عن منكر فعلوه ؛ فحينئذ تتعين الشدة ، ويزاد الحد لأجل زيادة الذنب . وقد أتي عمر بسكران في رمضان فضربه مائة ؛ ثمانين حد الخمر ، وعشرين لهتك حرمة الشهر . فهكذا يجب أن تركب العقوبات على تغليظ الجنايات ، وهتك الحرمات . وقد لعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير مالك حين بلغه ، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات ، والاستهتار بالمعاصي ، والتظاهر بالمناكر ، وبيع الحدود ، واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة ، لمات كمدا ، ولم يجالس أحدا ؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل .قلت ; ولهذا المعنى - والله أعلم - زيد في حد الخمر حتى انتهى إلى ثمانين . وروى الدارقطني ( حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن أزهر قال ; رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد ، فأتي بسكران ، قال ; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن عنده فضربوه بما في أيديهم . وقال ; وحثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه التراب . قال ; ثم أتي أبو بكر - رضي الله عنه - بسكران ، قال ; فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ ؛ فضرب أربعين . قال الزهري ; ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن ، عن ابن وبرة الكلبي قال ; أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر ، قال فأتيته ومعه عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وهم معه متكئون في المسجد فقلت ; إن خالد بن الوليد أرسلني إليك ، وهو يقرأ عليك السلام ، ويقول ; إن الناس قد انهمكوا في الخمر ! وتحاقروا [ ص; 153 ] العقوبة فيه ؛ فقال عمر ; هم هؤلاء عندك فسلهم . فقال علي ; نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون ؛ قال فقال عمر ; أبلغ صاحبك ما قال . قال ; فجلد خالد ثمانين ، وعمر ثمانين . قال ; وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الذلة ضربه أربعين ، قال ; وجلد عثمان أيضا ثمانين وأربعين ) . ومن هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - ; لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا . في رواية لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم . وروى حامد بن يحيى ، عن سفيان ، عن مسعر ، عن عطاء بن أبي مروان أن عليا ضرب النجاشي في الخمر مائة جلدة ؛ ذكره أبو عمرو ولم يذكر سببا .الثامنة عشرة ; قوله تعالى ; ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود ، ولا تخففوا الضرب من غير إيجاع ، وهذا قول جماعة أهل التفسير . وقال الشعبي ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ; لا تأخذكم بهما رأفة قالوا في الضرب والجلد . وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - ; إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة ؛ ثم قرأ هذه الآية . والرأفة أرق الرحمة . وقرئ ( رأفة ) بفتح الألف على وزن فعلة . وقرئ ( رآفة ) على وزن فعالة ؛ ثلاث لغات هي كلها مصادر ، أشهرها الأولى ؛ من رؤف إذا رق ورحم . ويقال ; رأفة ورآفة مثل كأبة وكآبة . وقد رأفت به ورؤفت به . والرءوف من صفات الله تعالى ; العطوف الرحيم .التاسعة عشرة ; قوله تعالى ; في دين الله أي في حكم الله ؛ كما قال تعالى ; ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك أي في حكمه . وقيل ; في دين الله أي في طاعة الله وشرعه فيما أمركم به من إقامة الحدود . ثم قررهم على معنى التثبيت والحض بقوله تعالى ; [ ص; 154 ] إن كنتم تؤمنون بالله . وهذا كما تقول لرجل تحضه ; إن كنت رجلا فافعل كذا ، أي هذه أفعال الرجال .الموفية عشرين ; قوله تعالى ; وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قيل ; لا يشهد التعذيب إلا من لا يستحق التأديب . قال مجاهد ; رجل فما فوقه إلى ألف . وقال ابن زيد ; لا بد من حضور أربعة قياسا على الشهادة على الزنا ، وأن هذا باب منه ؛ وهو قول مالك ، والليث ، والشافعي . وقال عكرمة ، وعطاء ; لا بد من اثنين ؛ وهذا مشهور قول مالك ، فرآها موضع شهادة . وقال الزهري ; ثلاثة ، لأنه أقل الجمع . الحسن ; واحد فصاعدا ، وعنه عشرة . الربيع ; ما زاد على الثلاثة . وحجة مجاهد قوله تعالى ; فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ، وقوله ; وإن طائفتان ، ونزلت في تقاتل رجلين ؛ فكذلك قوله تعالى ; وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . والواحد يسمى طائفة إلى الألف ؛ وقاله ابن عباس ، وإبراهيم . وأمر أبو برزة الأسلمي بجارية له قد زنت وولدت فألقى عليها ثوبا ، وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضربة غير مبرح ، ولا خفيف لكن مؤلم ، ودعا جماعة ، ثم تلا وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين .الحادية والعشرون ; اختلف في المراد بحضور الجماعة . هل المقصود بها الإغلاط على الزناة والتوبيخ بحضرة الناس ؟ وأن ذلك يدع المحدود ومن شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لأجله ، ويشيع حديثه فيعتبر به من بعده ، أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة ؛ قولان للعلماء .الثانية والعشرون ; روي عن حذيفة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; يا معاشر الناس ، اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ثلاثا في الدنيا ، وثلاثا في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فيذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأما اللواتي في الآخرة فيوجب السخط ، وسوء الحساب ، والخلود في النار . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; إن أعمال أمتي تعرض علي في كل [ ص; 155 ] جمعة مرتين فاشتد غضب الله على الزناة . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله على أمتي فغفر لكل مؤمن لا يشرك بالله شيئا إلا خمسة ، ساحرا ، أو كاهنا ، أو عاقا لوالديه ، أو مدمن خمر ، أو مصرا على الزنا .
يقول تعالى ذكره; من زنى من الرجال أو زنت من النساء، وهو حرّ بكر غير محصن بزوج، فاجلدوه ضربا مئة جلدة، عقوبة لما صنع وأتى من معصية الله.( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره; لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة، &; 19-91 &; وهي رقة الرحمة في دين الله، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد عليهما على ما ألزمكم به.واختلف أهل التأويل في المنهيّ عنه المؤمنون من أخذ الرأفة بهما، فقال بعضهم; هو ترك إقامة حدّ الله عليهما، فأما إذا أقيم عليهما الحد فلم تأخذهم بهما رأفة في دين الله.*ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو هشام، قال; ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال; جلد ابنُ عمر جاريةً له أحدثت، فجلد رجليها، قال نافع; وحسبت أنه قال; وظهرها، فقلت; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقال; وأخذتني بها رأفة؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية، عن ابن جُرَيج، قال; سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول; ثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر، أن عبد الله بن عمر حدّ جارية له، فقال للجالد، وأشار إلى رجلها، وإلى أسفلها، قلت; فأين قول الله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; أفأقتلها؟ .حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقال; أن تقيم الحدّ.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; لا تضيعوا حدود الله.قال ابن جُرَيج; وقال مجاهد; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) ; لا تضيعوا الحدود في أن تقيموها، وقالها عطاء بن أبي رباح.حدثنا أبو هشام، قال; ثنا عبد الملك وحجاج، عن عطاء ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; يقام حد الله ولا يعطل، وليس بالقتل.حدثنا ابن المثنى، قال; ثني محمد بن فضيل، عن داود، عن سعيد بن جبير، قال; الجلد.حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال; ثنا محمد بن فضيل، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; الضرب.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا المعتمر، قال; سمعت عمران، قال; قلت لأبي مجلز; ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا )... إلى قوله; ( وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدًّا، أو تقطع يده قال; إنما ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم الحدّ.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; لا تقام الحدود.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) فتدعوهما من حدود الله التي أمر بها وافترضها عليهما.قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل سليمان بن يسار، عن قول الله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) أي في الحدود أو في العقوبة؟ قال; ذلك فيهما جميعا.حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال; ثنا يحيى بن زكريا، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; أن يقام حد الله ولا يعطَّل، وليس بالقتل.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر في قوله; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; الضرب الشديد.وقال آخرون; بل معنى ذلك; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ) فتخفِّفوا الضرب عنهما، ولكن أوجعوهما ضربا.*ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا يحيى بن أبي بكر، قال; ثنا أبو جعفر، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) قال; الجلد الشديد.قال; ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن حماد، قال; يحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما. وأما الزاني فتخلع ثيابه. وتلا هذه الآية; ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) فقلت لحماد; أهذا في الحكم؟ قال; في الحكم والجلد.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن الزهري، قال; يجتهد في حدّ الزاني والفرية، ويخفف في حدّ الشرب. وقال قَتادة; يخفف في الشراب، ويجتهد في الزاني.وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال; معنى ذلك; ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حدّ الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما.وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لدلالة قول الله بعده; " في دين الله "، يعني في طاعة الله التي أمركم بها. ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين; إقامة الحد عليهما، على ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة، مع أن الشدّة في الضرب لا حدّ لها يوقف عليه، وكل ضرب أوجع فهو شديد، وليس للذي يوجع في الشدة حدّ لا زيادة فيه فيؤمر به. وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بما لا سبيل للمأمور به إلى معرفته، وإذا كان ذلك كذلك، فالذي للمأمورين إلى معرفته السبيل، هو عدد الجلد على ما أمر به، وذلك هو إقامة الحد على ما قلنا. وللعرب في الرأفة لغتان; الرأفة بتسكين الهمزة، والرآفة بمدها، كالسأمة والسآمة، والكأبة والكآبة. وكأن الرأفة المرّة الواحدة، والرآفة المصدر، كما قيل; ضؤل ضآلة مثل فعل فعالة، وقبح قباحة.وقوله; ( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يقول; إن كنتم تصدّقون بالله ربكم وباليوم الآخر، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة، وللثواب والعقاب، فإن من كان بذلك مصدّقا، فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه؛ خوف عقابه على معاصيه. وقوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره; وليحضر جلد الزانيين البكرين وحدّهما إذا أقيم عليهما طائفة من المؤمنين. والعرب تسمي الواحد فما زاد; طائفة.( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول; من أهل الإيمان بالله ورسوله.وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد الطائفة الذي أمر الله بشهود عذاب الزانيين البكرين، فقال بعضهم; أقله واحد.*ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال; الطائفة; رجل.حدثنا علي بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانيّ وابن القوّاس، قالا ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; الطائفة رجل. قال عليّ; فما فوق ذلك; وقال ابن القواس; فأكثر من ذلك.حدثنا عليّ، قال; ثنا زيد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال; الطائفة; رجل.حدثنا يعقوب، قال; ثنا ابن علية، قال; قال ابن أبي نجيح; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال مجاهد; أقله رجل.حدثني يعقوب، قال; ثنا هشيم، قال; أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، في قوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; الطائفة; الواحد إلى الألف.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد في هذه الآية; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; الطائفة واحد إلى الألف . وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا .حدثنا ابن المثنى، قال; ثني وهب بن جرير، قال; ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال; الطائفة; الرجل الواحد إلى الألف، قال; وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا إنما كانا رجلين.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; سمعت عيسى بن يونس، يقول; ثنا النعمان بن ثابت، عن حماد وإبراهيم قالا الطائفة; رجل.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; الطائفة; رجل واحد فما فوقه.وقال آخرون; أقله في هذا الموضع رجلان.*ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا ابن علية، قال; ثنا ابن أبي نجيح، في قوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; قال عطاء; أقله رجلان.حدثني القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة قال; ليحضر رجلان فصاعدا.وقال آخرون; أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا.*ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثنا عيسى بن يونس، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال; الطائفة; الثلاثة فصاعدا.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة، في قوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; نفر من المسلمين.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.حدثني أبو السائب، قال; ثنا حفص بن غياث، قال; ثنا أشعث، عن أبيه، قال; أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة، وقد أخرج جارية إلى باب الدار، وقد زنت، فدعا رجلا فقال; اضربها خمسين! فدعا جماعة، ثم قرأ; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال; ثنا يحيى، عن أشعث، عن أبيه، أن أبا برزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربا غير مبرح، قال; فألقى عليها ثوبا وعنده قوم، وقرأ; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا )... الآية.وقال آخرون; بل أقلّ ذلك أربعة.*ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال; فقال; الطائفة التي يجب بها الحدّ أربعة.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; أقل ما ينبغي حضور ذلك من عدد المسلمين; الواحد فصاعدًا؛ وذلك أن الله عمّ بقوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ ) والطائفة; قد تقع عند العرب على الواحد فصاعدا.فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن الله تعالى ذكره وضع دلالة على أن مراده من ذلك خاص من العدد، كان معلوما أن حضور ما وقع عليه أدنى اسم الطائفة ذلك المحضر مخرج مقيم الحدّ مما، أمره الله به بقوله; ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) غير أني وإن كان الأمر على ما وصفت، أستحب أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته على الزنا; لأن ذلك إذا كان كذلك، فلا خلاف بين الجمع أنه قد أدّى المقيم الحدّ ما عليه في ذلك، وهم فيما دون ذلك مختلفون.
هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة، وأما الثيب، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة، أن حده الرجم، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [بهما] في دين الله، تمنعنا من إقامة الحد عليهم، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله، فرحمته حقيقة، بإقامة حد الله عليه، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة، أي: جماعة من المؤمنين، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد فعلا، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى بها العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه ولا ينقص، والله أعلم.
(الزانية) مبتدأ مرفوع بحذف مضاف أي حكم الزانية، والخبر تقديره في ما يتلى عليكم
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(منهما) متعلّق بنعت لـ (كلّ) ،
(مائة) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو عدده
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(بهما) متعلّق بحال من(رأفة) فاعلـ (تأخذكم) ،
(في دين) متعلّق بفعل تأخذكم
(كنتم) فعل ماض ناقص- ناسخ- في محلّ جزم فعل الشرط
(بالله) متعلّق بـ (تؤمنون) ،
(الواو) عاطفة
(اللام) لام الأمر
(من المؤمنين) متعلّق بنعت لـ (طائفة) .
جملة: «
(في ما يتلى عليكم، حكم) الزانية» لا محلّ لها استئنافيّة بيانيّة.
وجملة: «اجلدوا ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن كنتم تؤمنون بالله وعاقبتموهما فاجلدوا.. .
وجملة: «لا تأخذكم بهما رأفة ... » في محلّ جزم معطوفة على جملة اجلدوا.وجملة: «كنتم ... » لا محلّ لها تفسير لجملة الشرط المقدّرة .
وجملة: «تؤمنون بالله ... » في محلّ نصب خبر كنتم.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: إن كنتم تؤمنون بالله فعاقبوا الزانية والزاني.
وجملة: «يشهد.. طائفة» في محلّ جزم معطوفة على جملة اجلدوا.
3-
(إلّا) للحصر في الموضعين،
(زان) فاعلـ (ينكحها) مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة فهو اسم منقوص،
(ذلك) نائب الفاعل في محلّ رفع
(على المؤمنين) متعلّق بـ (حرّم) .
وجملة: «الزاني لا ينكح ... » لا محلّ لها استئناف تعليليّ.
وجملة: «لا ينكح ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الزاني) .
وجملة: «الزانية لا ينكحها ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «لا ينكحها إلّا زان ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الزانية) .
وجملة: «حرّم ذلك ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
- القرآن الكريم - النور٢٤ :٢
An-Nur24:2