الرسم العثمانيوَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
الـرسـم الإمـلائـيوَّاٰخَرِيۡنَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُوۡا بِهِمۡؕ وَهُوَ الۡعَزِيۡزُ الۡحَكِيۡمُ
تفسير ميسر:
الله سبحانه هو الذي أرسل في العرب الذين لا يقرؤون، ولا كتاب عندهم ولا أثر رسالة لديهم، رسولا منهم إلى الناس جميعًا، يقرأ عليهم القرآن، ويطهرهم من العقائد الفاسدة والأخلاق السيئة، ويعلِّمهم القرآن والسنة، إنهم كانوا من قبل بعثته لفي انحراف واضح عن الحق. وأرسله سبحانه إلى قوم آخرين لم يجيئوا بعدُ، وسيجيئون من العرب ومن غيرهم. والله تعالى- وحده- هو العزيز الغالب على كل شيء، الحكيم في أقواله وأفعاله.
وقوله تعالى "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم" قال الإمام أبو عبدالله البخاري رحمه الله تعالى حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثنا سليمان بن بلال عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال; كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" قالوا من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي ثم قال "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء" ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير من طرق عن ثور بن يزيد الديلي عن سالم أبي الغيث عن أبي هريرة به ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية وعلى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس لأنه فسر قوله تعالى "وآخرين منهم" بفارس. ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم يدعوهم إلى الله عز وجل وإلى اتباع ما جاء به ولهذا قال مجاهد وغير واحد فى قوله تعالى "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" قال هم الأعاجم وكل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم من غير العرب وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب" ثم قرأ "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" يعني بقيه من بقي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى "وهو العزيز الحكيم" أي ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره.
قوله تعالى ; وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيمقوله تعالى ; " وآخرين منهم " هو عطف على الأميين ؛ أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم . ويجوز أن يكون منصوبا بالعطف على الهاء والميم في يعلمهم ويزكيهم ; أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين ; لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مسندا إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه ." لما يلحقوا بهم " أي لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم . قال ابن عمر وسعيد بن جبير ; هم العجم . وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال ; كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة " الجمعة " فلما قرأ ; وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال رجل ; من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه [ ص; 84 ] النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا . قال ; وفينا سلمان الفارسي . قال ; فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال ; " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " . في رواية ; " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال - من أبناء فارس حتى يتناوله " لفظ مسلم . وقال عكرمة ; هم التابعون . مجاهد ; هم الناس كلهم ; يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم . وقاله ابن زيد ومقاتل بن حيان . قالا ; هم من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة . وروى سهل بن سعد الساعدي ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب " ثم تلا ; وآخرين منهم لما يلحقوا بهم . والقول الأول أثبت . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " رأيتني أسقي غنما سودا ثم أتبعتها غنما عفرا ، أولها يا أبا بكر " . فقال ; يا رسول الله ، أما السود فالعرب ، وأما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; " كذا أولها الملك " يعني جبريل عليه السلام . رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
يقول تعالى ذكره; وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم، فآخرون في موضع خفض عطفًا على الأميين.وقد اختلف في الذين عُنوا بقوله; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ) ، فقال بعضهم; عُنِي بذلك العجم.* ذكر من قال ذلك ;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثني ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; هم الأعاجم.حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال; ثنا فضيل بن طلحة، عن ليث، عن مجاهد، في قوله; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; هم الأعاجم.حدثنا أبو السائب، قال; ثنا ابن إدريس ، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; الأعاجم.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عاصم، قال; ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; الأعاجم.حدثني يونس قال; أخبرنا ابن وهب، قال; سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; العجم.حدثني محمد بن إسحاق، قال; ثنا يحيى بن معين، قال ; ثنا هشام بن يوسف، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص ، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عمر، أنه قال له; أما إن سورة الجمعة أنـزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب، ثم قرأ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ... حتى بلغ ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; فأنتم هم.حدثنا ابن حُمَيْد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; الأعاجم.حدثني محمد بن معمر، قال; ثنا أبو عامر، قال; ثنا عبد العزيز؛ وحدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب قال; أخبرني سليمان بن بلال، جميعًا عن ثور بن زيد، عن أَبي الغيث، عن أَبي هريرة، قال; " كنا جلوسًا عند النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فنـزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال رجل; من هؤلاء يا رسول الله ؟ قال; فلم يراجعه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى سأله مرّة أو مرتين أو ثلاثًا، قال; وفينا سلمان الفارسيّ، فوضع النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يده على سلمان فقال; " لَوْ كاَنَ الإيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاءِ".حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال; ثنا عمي، قال; ثنا سليمان بن بلال المدنيّ، عن ثور بن زيد، عن سالم أََبي الغيث، عن أَبي هريرة، قال; وكنا جلوسًا عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فذكر نحوه.وقال آخرون; إنما عُنِي بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كائنًا من كان إلى يوم القيامة.* ذكر من قال ذلك ;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; من ردف الإسلام من الناس كلهم.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قال; هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى يوم القيامة، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم.وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال; عُنِي بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في إسلامهم من أيّ الأجناس؛ لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله; ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) كلَّ لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعًا دون نوع، فكلّ لاحق بهم فهو من الآخرين الذين لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتلو عليهم آيات اللهوقوله; ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يقول; لم يجيئوا بعد وسيجيئون.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك ;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يقول; لم يأتوا بعد.وقوله; ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول; والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم، الحكيم في تدبيره خلقه.وقوله; ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول تعالى ذكره; هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب، وفي آخرين رسولا منهم يتلو عليهم آياته، ويفعل سائر ما وصف، فضل الله، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم، يؤتيه من يشاء، يقول; يؤتي فضلَه ذلك من يشاء من خلقه، لا يستحقّ الذمّ ممن حرمه الله إياه، لأنه لم يمنعه حقًا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره، ولكنه على مَنْ هُو له أهل، فأودعه إياه، وجعله عنده.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } أي: وامتن على آخرين من غيرهم أي: من غير الأميين، ممن يأتي بعدهم، ومن أهل الكتاب، لما يلحقوا بهم، أي: فيمن باشر دعوة الرسول، ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل، ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان، وعلى كل، فكلا المعنيين صحيح.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الجمعة٦٢ :٣
Al-Jumu'ah62:3