إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
اِرَمَ ذَاتِ الۡعِمَادِ
تفسير ميسر:
ألم تر -أيها الرسول- كيف فعل ربُّك بقوم عاد، قبيلة إرم، ذات القوة والأبنية المرفوعة على الأعمدة، التي لم يُخلق مثلها في البلاد في عِظَم الأجساد وقوة البأس؟
عطف بيان زيادة تعريف بهم وقوله تعالى"ذات العماد" لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا ولهذا ذكرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها فى طاعة ربهم الذي خلقهم فقال "واذكروا إذا جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين"وقال تعالى "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة".
و إرم قيل هو سام بن نوح قاله ابن إسحاق . وروى عطاء عن ابن عباس - وحكى عن ابن إسحاق أيضا - قال ; عاد بن إرم . فإرم على هذا أبو عاد ، وعاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح . وعلى القول الأول ; هو اسم جد عاد . قال ابن إسحاق ; كان سام بن نوح له أولاد ، إرم بن سام ، وأرفخشذ بن سام . فمن ولد إرم بن سام العمالقة والفراعنة والجبابرة والملوك الطغاة والعصاة . وقال مجاهد ; إرم أمة من الأمم . وعنه أيضا ; أن معنى إرم ; القديمة ، ورواه ابن أبي نجيح . وعن مجاهد أيضا أن معناها القوية . وقال قتادة ; هي قبيلة من عاد . وقيل ; هما عادان . فالأولى هي إرم قال الله - عز وجل - ; وأنه أهلك عادا الأولى . فقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ; عاد كما يقال لبني هاشم ; هاشم . ثم قيل للأولين منهم ; عاد الأولى ، وإرم ; تسمية لهم باسم جدهم . ولمن بعدهم ; عاد الأخيرة . قال ابن الرقيات ;مجدا تليدا بناه أولهم أدرك عادا وقبله إرما[ ص; 41 ] وقال معمر ; إرم ; إليه مجمع عاد وثمود . وكان يقال ; عاد إرم ، وعاد ثمود . وكانت القبائل تنتسب إلى إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد قال ابن عباس في رواية عطاء ; كان الرجل منهم طوله خمسمائة ذراع ، والقصير منهم طوله ثلثمائة ذراع بذراع نفسه . وروي عن ابن عباس أيضا أن طول الرجل منهم كان سبعين ذراعا . ابن العربي ; وهو باطل ; لأن في الصحيح ; إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء ، فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن . وزعم قتادة ; أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا . قال أبو عبيدة ; ذات العماد ذات الطول . يقال ; رجل معمد إذا كان طويلا . ونحوه عن ابن عباس ومجاهد . وعن قتادة أيضا ; كانوا عمادا لقومهم يقال ; فلان عميد القوم وعمودهم ; أي سيدهم . وعنه أيضا ; قيل لهم ذلك ; لأنهم كانوا ينتقلون بأبياتهم للانتجاع ، وكانوا أهل خيام وأعمدة ، ينتجعون الغيوث ، ويطلبون الكلأ ، ثم يرجعون إلى منازلهم . وقيل ; ذات العماد أي ذات الأبنية المرفوعة على العمد . وكانوا ينصبون الأعمدة ، فيبنون عليها القصور . قال ابن زيد ; ذات العماد يعني إحكام البنيان بالعمد . وفي الصحاح ; والعماد ; الأبنية الرفيعة ، تذكر وتؤنث . قال عمرو بن كلثوم ;ونحن إذا عماد الحي خرت على الأحفاض نمنع من يليناوالواحدة عمادة . وفلان طويل العماد ; إذا كان منزله معلما لزائره . والأحفاض ; جمع حفض ( بالتحريك ) وهو متاع البيت إذا هيئ ليحمل أي خرت على المتاع . ويروى ( عن الأحفاض ) أي خرت عن الإبل التي تحمل خرثي البيت . وقال الضحاك ; ذات العماد ذات القوة والشدة ، مأخوذ من قوة الأعمدة دليله قوله تعالى ; وقالوا من أشد منا قوة . وروى عوف عن خالد الربعي إرم ذات العماد قال ; هي دمشق . وهو قول عكرمة وسعيد المقبري . رواه ابن وهب وأشهب عن مالك . وقال محمد بن كعب القرظي ; هي الإسكندرية .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله; ( إرَمَ ) فقال بعضهم; هي اسم بلدة، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك، فقال بعضهم; عُنِيت به الإسكندرية.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ، عن أبي صخر، عن القُرَظي، أنه سمعه يقول; ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ) الإسكندرية.قال أبو جعفر، وقال آخرون; هي دِمَشق.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عبد الله الهلالي من أهل البصرة، قال; ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال; ثنا ابن أبي ذئب، عن المقْبري ( بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال; دمشق.وقال آخرون; عُنِي بقوله; ( إرَمَ ) ; أمة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمارة، قال; ثنا عبيد الله بن موسى، قال; أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله; ( إرَمَ ) قال; أمة.وقال آخرون; معنى ذلك; القديمة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( إرَمَ ) قال; القديمة.وقال آخرون; تلك قبيلة من عاد.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال; كنا نحدّث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; ( إرَمَ ) قال; قبيلة من عاد كان يقال لهم; إرم، جدّ عاد.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ) يقول الله; بعاد إرم، إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.وقال آخرون; ( إرَمَ ); الهالك.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ) يعني بالإرم; الهالك؛ ألا ترى أنك تقول; أرم بنو فلان؟حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( بِعَادٍ إِرَمَ ) الهلاك؛ ألا ترى أنك تقول أُرِمَ (2) بنو فلان; أي هَلَكوا.والصواب من القول في ذلك أن يُقال; إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردّت على عاد للإتباع لها، ولم يجر من أجل ذلك، وإما اسم قبيلة فلم يُجر أيضا، كما لا يُجْرى أسماء القبائل، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة، وأما اسم عاد فلم يجر، إذ كان اسما أعجميا.فأما ما ذُكر عن مجاهد أنه قال; عُنِيَ بذلك القديمة، فقول لا معنى له، لأن ذلك لو كان معناه لكان محفوظا بالتنوين، وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة.وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي أنها اسم قبيلة من عاد، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها، وترك إجرائها، كما يقال; ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل؟ فيترك إجراء نهشل، وهي قبيلة، فترك إجراؤها لذلك، وهي في موضع خفض بالردّ على تميم، ولو كانت إرم اسم بلدة، أو اسم جدّ لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها، كما يقال; هذا عمروُ زبيدٍ وحاتمُ طيئ، وأعشى هَمْدانَ، ولكنها اسم قبيلة منها فيما أرى، كما قال قتادة، والله أعلم، فلذلك أجمعت القرّاء فيها على ترك الإضافة وترك الإجراء.وقوله; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) في هذا الموضع، فقال بعضهم; معناه; ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل; رجل مُعَمَّد، وقالوا; كانوا طوال الأجسام.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) يعني; طولهم مثل العماد.حدثني محمد بن عمارة، قال; ثنا عبيد الله بن موسى، قال; أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) قال; كان لهم جسم في السماء.وقال بعضهم; بل قيل لهم; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) لأنهم كانوا أهل عَمَد، ينتجِعون الغيوث، وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( الْعِمَادِ ) قال; أهل عَمُود لا يقيمون.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) قال; ذُكر لنا أنهم كانوا أهل عَمُود لا يقيمون، سيارة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) قال; كانوا أهلَ عمود.وقال آخرون; بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم، فشيَّد عَمَده، ورفع بناءه.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ) قال; عاد قوم هود بنَوها وعملوها حين كانوا في الأحقاف، قال; ( لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا ) مثل تلك الأعمال في البلاد، قال; وكذلك في الأحقاف في حضرموت، ثم كانت عاد، قال; وثم أحقاف الرمل، كما قال الله; بالأحقاف من الرمل، رمال أمثال الجبال تكون مظلة مجوّفة.وقال آخرون; قيل ذلك لهم لشدّة أبدانهم وقواهم.* ذكر من قال ذلك;حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) يعني; الشدّة والقوّة.وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل قول من قال; عُنِيَ بذلك أنهم كانوا أهل عمود، سيارة لأن المعروف في كلام العرب من العماد، ما عمل به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح، بل وجه أهل التأويل قوله; ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) إلى أنه عُنِيَ به طول أجسامهم، وبعضهم إلى أنه عُنِيَ به عماد خيامهم، فأما عماد البنيان، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه ما وجد إلى ذلك سبيلا دون الأنكر.------------------------الهوامش;(2) في ( اللسان ; أرم ) الأرم ; القطع ، وأرمتهم السنة أرما ; قطعتهم ، وبناء عليه يكون الفعل الذي عبر به المؤلف هنا مبنيا للمجهول ، أي ; أبادهم الدهر .
{ إِرَمَ } القبيلة المعروفة في اليمن { ذَاتِ الْعِمَادِ } أي: القوة الشديدة، والعتو والتجبر.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة