الرسم العثمانيلِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنٰهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
الـرسـم الإمـلائـي لِيَكۡفُرُوۡا بِمَاۤ اٰتَيۡنٰهُمۡ ۙۚ وَلِيَتَمَتَّعُوۡاۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُوۡنَ
تفسير ميسر:
فإذا ركب الكفار السفن في البحر، وخافوا الغرق، وحَّدوا الله، وأخلصوا له في الدعاء حال شدتهم، فلما نجَّاهم إلى البر، وزالت عنهم الشدة، عادوا إلى شركهم، إنهم بهذا يتناقضون، يوحِّدون الله ساعة الشدة، ويشركون به ساعة الرخاء. وشِرْكهم بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر؛ ليكونَ عاقبته الكفر بما أنعمنا عليهم في أنفسهم وأموالهم، وليكملوا تمتعهم في هذه الدنيا، فسوف يعلمون فساد عملهم، وما أعدَّه الله لهم من عذاب أليم يوم القيامة. وفي ذلك تهديد ووعيد لهم.
وقوله تعالى "ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا" هذه اللام يسميها كثير من أهل العربية والتفسير وعلماء الأصول لام العاقبة لأنهم لا يقصدون ذلك ولا شك أنها كذلك بالنسبة إليهم وأما بالنسبة إلى تقدير الله عليهم ذلك وتقييضه إياهم لذلك فهي لام التعليل وقد قدمنا تقرير ذلك في قوله "ليكون لهم عدوا وحزنا".
قوله تعالى ; ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا قيل ; هما لام كي أي لكي يكفروا ولكي يتمتعوا . وقيل ; إذا هم يشركون ليكون ثمرة شركهم أن يجحدوا نعم الله ويتمتعوا بالدنيا . وقيل ; هما لام أمر معناه التهديد والوعيد أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة والنجاة من البحر وتمتعوا . ودليل هذا قراءة أبي وتمتعوا . ابن الأنباري ; ويقوي هذا قراءة الأعمش ونافع وحمزة ; ( وليتمتعوا ) بجزم اللام . النحاس ; ( وليتمتعوا ) لام كي ، ويجوز أن تكون لام أمر ; لأن أصل لام الأمر الكسر إلا أنه أمر فيه معنى التهديد . ومن قرأ ; ( وليتمتعوا ) بإسكان اللام لم يجعلها لام كي ; لأن ( لام كي ) لا يجوز إسكانها وهي قراءة ابن كثير والمسيبي وقالون عن نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم الباقون بكسر اللام . وقرأ أبو العالية ; ( ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ) تهديد ووعيد .
القول في تأويل قوله تعالى ; لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)يقول تعالى ذكره; فلما نجى الله هؤلاء المشركين مما كانوا فيه في البحر، من الخوف والحذر من الغرق إلى البرّ، إذا هم بعد أن صاروا إلى البرّ يشركون بالله الآلهة والأنداد.(لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْناهُمْ) يقول; ليجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليهم في أنفسهم وأموالهم.(وَلِيَتَمَتَّعُوا) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة; (وَلِيَتَمَتَّعُوا) بكسر اللام، بمعنى; وكي يتمتعوا آتيناهم ذلك. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين; (وَلْيَتَمَتَّعُوا) بسكون اللام على وجه الوعيد والتوبيخ; أي اكفروا فإنكم سوف تعلمون ماذا يَلْقون من عذاب الله بكفرهم به.وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه بسكون اللام، على وجه التهديد والوعيد، وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللام، زعموا أنهم إنما اختاروا كسرها عطفا بها على اللام التي في قوله; (لِيَكْفُرُوا)، وأن قوله; (لِيَكْفُرُوا) لما كان معناه; كي يكفروا، كان الصواب في قوله; (وَلِيَتَمَتَّعُوا) أن يكون; وكي يتمتعوا، إذ كان عطفا على قوله; (لِيَكْفُرُوا) عندهم، وليس الذي ذهبوا من ذلك بمذهب؛ وذلك لأن لام قوله; (لِيَكْفُرُوا) صلُحت أن تكون بمعنى كي؛ لأنها شرط، لقوله; إذا هم يشركون بالله كي يكفروا بما آتيناهم من النعم، وليس ذلك كذلك في قوله; (وَلِيَتَمَتَّعُوا) لأن إشراكهم بالله كان كفرا بنعمته، وليس إشراكهم به تمتعا بالدنيا، وإن كان الإشراك به يسهل لهم سبيل التمتع بها، فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلى معنى الوعيد أولى وأحقّ من توجيهه إلى معنى; وكي يتمتعوا، وبعد فقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبيّ(وَتَمَتَّعُوا) وذلك دليل على صحة من قرأه بسكون اللام بمعنى الوعيد.
ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم، بالنجاة من البحر، ليكون عاقبته كفر ما آتيناهم، ومقابلة النعمة بالإساءة، وليكملوا تمتعهم في الدنيا، الذي هو كتمتع الأنعام، ليس لهم همٌّ إلا بطونهم وفروجهم.{ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، شدة الأسف وأليم العقوبة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - العنكبوت٢٩ :٦٦
Al-'Ankabut29:66