الرسم العثمانيوَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشٰىهُ ۖ فَلَمَّا قَضٰى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذۡ تَقُوۡلُ لِلَّذِىۡۤ اَنۡعَمَ اللّٰهُ عَلَيۡهِ وَاَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ اَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَاتَّقِ اللّٰهَ وَتُخۡفِىۡ فِىۡ نَفۡسِكَ مَا اللّٰهُ مُبۡدِيۡهِ وَتَخۡشَى النَّاسَ ۚ وَاللّٰهُ اَحَقُّ اَنۡ تَخۡشٰٮهُ ؕ فَلَمَّا قَضٰى زَيۡدٌ مِّنۡهَا وَطَرًا زَوَّجۡنٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُوۡنَ عَلَى الۡمُؤۡمِنِيۡنَ حَرَجٌ فِىۡۤ اَزۡوَاجِ اَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ اِذَا قَضَوۡا مِنۡهُنَّ وَطَرًا ؕ وَكَانَ اَمۡرُ اللّٰهِ مَفۡعُوۡلًا
تفسير ميسر:
وإذ تقول -أيها النبي- للذي أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعمت عليه بالعتق; أَبْقِ زوجك زينب بنت جحش ولا تطلقها، واتق الله يا زيد، وتخفي -يا محمد- في نفسك ما أوحى الله به إليك من طلاق زيد لزوجه وزواجك منها، والله تعالى مظهر ما أخفيت، وتخاف المنافقين أن يقولوا; تزوج محمد مطلقة متبناه، والله تعالى أحق أن تخافه، فلما قضى زيد منها حاجته، وطلقها، وانقضت عدتها، زوجناكها؛ لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها، ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنَّوْنهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم. وكان أمر الله مفعولا لا عائق له ولا مانع. وكانت عادة التبني في الجاهلية، ثم أُبطلت بقوله تعالى; {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ (33;5)}.
يقول تعالى مخبرا عن نبيه قال لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو الذي أنعم الله عليه أي بالإسلام ومتابعة الرسول "وأنعمت عليه "أي بالعتق من الرق وكان سيدا كبير الشأن جليل القدر حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الحب ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب قالت عائشة رضي الله عنها ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم ولو عاش بعده لاستخلفه رواه الإمام أحمد عن سعيد بن محمد الوراق ومحمد بن عبيد عن وائل بن داود عن عبد الله البهي عنها وقال البزار حدثنا خالد بن يوسف حدثنا أبو عوانه ح وحدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو داود حدثنا أبو عوانه أخبرني عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال حدثني أسامه بن زيد رضي الله عنهما قال; كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقالا يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيت رسول الله فأخبرته فقلت علي والعباس يستأذنان فقال صلى الله عليه وسلم أتدري ما حاجتهما؟ قلت لا يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم لكني أدري قال فأذن لهما قالا يا رسول الله جئناك لتخبرنا أي أهلك أحب إليك؟ قال صلى الله عليه وسلم أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد قالا يا رسول الله ما نسألك عن فاطمة قال صلى الله عليه وسلم فأسامة بن زيد بن حارثه الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وخمسين مدا من طعام وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ثم وقع بينهما فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له أمسك عليك زوجك واتق الله قال الله تعالى "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه "ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها وقد روى الإمام أحمد ههنا أيضا حديث من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضا وقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال; حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا يعلى بن منصور عن حماد بن زيد حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن هذه الآية "وتخفي في نفسك ما الله مبديه "نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثه رضي الله عنهما وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن حاتم بن مرزوق حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال سألني علي بن الحسين رضي الله عنهما ما يقول الحسن في قوله تعالى "وتخفي في نفسك ما الله مبديه "فذكرت له فقال لا ولكن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال اتق الله وأمسك عليك زوجك فقال قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك وقال ابن جرير حدثني إسحاق بن شاهين حدثني خالد عن داود عن عامر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت; لو كتم محمد شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه "وقوله تعالى "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها "الوطر هو الحاجة والأرب أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله عز وجل بمعنى أنه أوحى أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر قال الإمام أحمد حدثنا هاشم يعني ابن القاسم أخبرنا النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها وأقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت يا زينب أبشري أرسلني رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله فدخل عليها بغير إذن ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمنا عليها الخبز واللحم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقي الستر بيني وبينه ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به "لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم "الآية كلها ورواه مسلم والنسائي من طرق عن سليمان ابن المغيرة به وقد روى البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات وقد قدمنا في سورة النور عن محمد بن عبد الله بن جحش قال تفاخرت زينب وعائشة رضي الله عنهما فقالت زينب رضي الله عنها أنا التي نزل تزويجي من السماء وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أنا التي نزل عزري من السماء فاعترفت لها زينب رضي الله عنها وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي قال; كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدلي عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلي بهن; إن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله عز وجل من السماء وإن السفير جبريل عليه السلام وقوله تعالى "لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا "أي إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضي الله عنه فكان يقال زيد بن محمد فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى "وما جعل أدعياءكم أبناءكم "إلى قوله تعالى "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله "ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه ولهذا قال تعالى في آية التحريم "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "ليحترز من الابن الدعي فإن ذلك كان كثيرا فيهم وقوله تعالى "وكان أمر الله مفعولا "أي وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى ; وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا .فيه تسع مسائل ;الأولى ; روى الترمذي قال ; حدثنا علي بن حجر قال حدثنا داود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ; لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية ; وإذ تقول للذي أنعم الله عليه يعني بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق فأعتقته . أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه - إلى قوله - وكان أمر الله مفعولا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا ; تزوج حليلة ابنه ، فأنزل الله تعالى ; [ ص; 171 ] ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير ، فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد ، فأنزل الله تبارك وتعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فلان مولى فلان ، وفلان أخو فلان ، هو أقسط عند الله يعني أعدل . قال أبو عيسى ; هذا حديث غريب قد روي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها . قالت ; لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه هذا الحرف لم يرو بطوله .قلت ; هذا القدر هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه ، وهو الذي صححه الترمذي في جامعه . وفي البخاري عن أنس بن مالك أن هذه الآية وتخفي في نفسك ما الله مبديه نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة . وقال عمرو بن مسعود وعائشة والحسن ; ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية . وقال الحسن وعائشة ; لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه . وروي في الخبر أنه ; أمسى زيد فأوى إلى فراشه ، قالت زينب ; ولم يستطعني زيد ، وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني ، فلا يقدر علي . هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم ، رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك . وفي بعض الروايات ; أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها ، فهذا قريب من ذلك . وجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ; إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل ! وإني أريد أن أطلقها ، فقال له ; أمسك عليك زوجك واتق الله الآية . فطلقها زيد فنزلت ; وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه الآية .واختلف الناس في تأويل هذه الآية ، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين ، منهم الطبري وغيره - إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش ، وهي في عصمة [ ص; 172 ] زيد ، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ; ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر ، وأذى باللسان وتعظما بالشرف ، قال له ; اتق الله - أي فيما تقول عنها - وأمسك عليك زوجك وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها . وهذا الذي كان يخفي في نفسه ، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف . وقال مقاتل ; زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا ، ثم إنه عليه السلام أتى زيدا يوما يطلبه ، فأبصر زينب قائمة ، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش ، فهويها وقال ; سبحان الله مقلب القلوب ! فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال ; يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبرا ، تعظم علي وتؤذيني بلسانها ، فقال عليه السلام ; أمسك عليك زوجك واتق الله . وقيل ; إن الله بعث ريحا فرفعت الستر وزينب متفضلة في منزلها ، فرأى زينب فوقعت في نفسه ، ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما جاء يطلب زيدا ، فجاء زيد فأخبرته بذلك ، فوقع في نفس زيد أن يطلقها . وقال ابن عباس ; وتخفي في نفسك الحب لها . وتخشى الناس أي تستحييهم .وقيل ; تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت طلقها ، ويقولون أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها . والله أحق أن تخشاه في كل الأحوال . وقيل والله أحق أن تستحي منه ، ولا تأمر زيدا بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك ، فعاتبه الله على جميع هذا . وروي عن علي بن الحسين ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية ; اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج [ ص; 173 ] زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال ; أمسك مع علمه بأنه يطلق . وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي في كل حال . قال علماؤنا رحمة الله عليهم ; وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر ابن العربي وغيرهم . والمراد بقوله تعالى ; وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد - وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق - فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، وأسند إلى علي بن الحسين قوله ; فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ، ودرا من الدرر ، أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك ، فكيف قال بعد ذلك لزيد ; أمسك عليك زوجك وأخذتك خشية الناس أن يقولوا ; تزوج امرأة ابنه ، والله أحق أن تخشاه . وقال النحاس ; قال بعض العلماء ; ليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة ، ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه . وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه ، وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس .الثانية ; قال ابن العربي ; فإن قيل لأي معنى قال له ; أمسك عليك زوجك وقد أخبره الله أنها زوجه . قلنا ; أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله من رغبته فيها أو رغبته عنها ، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها . فإن قيل ; كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه ؟ وهذا تناقض . قلنا ; بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة ، لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة ، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن ، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما . وهذا من [ ص; 174 ] نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه . وقوله ; ( واتق الله ) أي في طلاقها ، فلا تطلقها . وأراد نهي تنزيه لا نهي تحريم ؛ لأن الأولى ألا يطلق . وقيل ; اتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج . ( وتخفي في نفسك ) قيل ; تعلق قلبه . وقيل ; مفارقة زيد إياها . وقيل ; علمه بأن زيدا سيطلقها ؛ لأن الله قد أعلمه بذلك .الثالثة ; روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لزيد ; ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب علي . قال ; فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وخطبتها ففرحت وقالت ; ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن ، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها .قلت ; معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح . وترجم له النسائي ( صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها ) روى الأئمة - واللفظ لمسلم - عن أنس قال ; لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ; فاذكرها علي قال ; فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها . قال ; فلما رأيتها عظمت في صدري ، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ، ونكصت على عقبي ، فقلت ; يا زينب ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ، قالت ، ; ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن . وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن . قال ; فقال ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار . . الحديث . في رواية ( حتى تركوه ) . وفي رواية عن أنس أيضا قال ; ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، فإنه ذبح شاة . قال علماؤنا ; فقوله عليه السلام لزيد ; فاذكرها علي أي اخطبها ، كما بينه الحديث الأول . وهذا امتحان لزيد واختبار له ، حتى يظهر صبره وانقياده وطوعه .قلت ; وقد يستنبط من هذا أن يقول الإنسان لصاحبه ; اخطب علي فلانة ، لزوجه المطلقة منه ، ولا حرج في ذلك . والله أعلم .[ ص; 175 ] الرابعة ; لما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تولى الله إنكاحها ، ولذلك قال ; فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها . وروى الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وطرا زوجتكها ) . ولما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ، ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ، ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا . وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين . ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول ; زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى . أخرجه النسائي عن أنس بن مالك قال ; كانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول . إن الله عز وجل أنكحني من السماء . وفيها نزلت آية الحجاب ، وسيأتي .الخامسة ; المنعم عليه في هذه الآية هو زيد بن حارثة ، كما بيناه ، وقد تقدم خبره في أول السورة . وروي أن عمه لقيه يوما وكان قد ورد مكة في شغل له ، فقال ; ما اسمك يا غلام ؟ قال ; زيد ، قال ; ابن من ؟ قال ; ابن حارثة . قال ابن من ؟ قال ; ابن شراحيل الكلبي . قال ; فما اسم أمك ؟ قال ; سعدى ، وكنت في أخوالي طي ، فضمه إلى صدره . وأرسل إلى أخيه وقومه فحضروا ، وأرادوا منه أن يقيم معهم ، فقالوا ; لمن أنت ؟ قال ; لمحمد بن عبد الله ، فأتوه وقالوا ; هذا ابننا فرده علينا . فقال ; اعرض عليه ، فإن اختاركم فخذوا بيده فبعث إلى زيد وقال ; هل تعرف هؤلاء ؟ قال ; نعم هذا أبي ، وهذا أخي ، وهذا عمي . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ; فأي صاحب كنت لك ؟ فبكى وقال ; لم سألتني عن ذلك ؟ قال ; أخيرك ، فإن أحببت أن تلحق بهم فالحق وإن أردت أن تقيم فأنا من قد عرفت فقال ; ما أختار عليك أحدا . فجذبه عمه وقال ; يا زيد ، اخترت العبودية على أبيك وعمك ! فقال ; أي والله العبودية عند محمد أحب إلي من أن أكون عندكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; اشهدوا أني وارث وموروث . فلم يزل يقال ; زيد بن محمد إلى أن نزل قوله تعالى ; ادعوهم لآبائهم ونزل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم .السادسة ; قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي رضي الله عنه ; كان يقال زيد بن محمد حتى نزل ادعوهم لآبائهم فقال ; أنا زيد بن حارثة . وحرم عليه أن يقول ; أنا زيد بن محمد . فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر ، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه سماه في القرآن ، فقال تعالى ; فلما قضى زيد منها وطرا يعني من زينب . ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى صار [ ص; 176 ] اسمه قرآنا يتلى في المحاريب ، نوه به غاية التنويه ، فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له . ألا ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم ; إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا فبكى وقال ; أوذكرت هنالك ؟ وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر أن الله تعالى ذكره ، فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلدا لا يبيد ، يتلوه أهل الدنيا إذا قرءوا القرآن ، وأهل الجنة كذلك أبدا ، لا يزال على ألسنة المؤمنين ، كما لم يزل مذكورا على الخصوص عند رب العالمين ، إذ القرآن كلام الله القديم ، وهو باق لا يبيد ، فاسم زيد هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة ، تذكره في التلاوة السفرة الكرام البررة . وليس ذلك لاسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء ، ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى له مما نزع عنه . وزاد في الآية أن قال ; وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أي بالإيمان ، فدل على أنه من أهل الجنة ، علم ذلك قبل أن يموت ، وهذه فضيلة أخرى .السابعة ; قوله تعالى ; ( وطرا ) الوطر كل حاجة للمرء له فيها همة ، والجمع الأوطار . قال ابن عباس ; أي بلغ ما أراد من حاجته ، يعني الجماع . وفيه إضمار ، أي لما قضى وطره منها وطلقها زوجناكها . وقراءة أهل البيت ( زوجتكها ) . وقيل ; الوطر عبارة عن الطلاق ، قاله قتادة .الثامنة ; ذهب بعض الناس من هذه الآية ، ومن قول شعيب ; ( إني أريد أن أنكحك ) إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون ; ( أنكحه إياها ) فتقدم ضمير الزوج كما في الآيتين . وكذلك قوله عليه السلام لصاحب الرداء اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن . قال ابن عطية ; وهذا غير لازم ؛ لأن الزوج في الآية مخاطب فحسن تقديمه ، وفي المهور الزوجان سواء ، فقدم من شئت ، ولم يبق ترجيح إلا بدرجة الرجال ، وأنهم القوامون .التاسعة ; قوله تعالى ; زوجناكها دليل على ثبوت الولي في النكاح ، وقد ; تقدم الخلاف في ذلك . روي أن عائشة وزينب تفاخرتا ، فقالت عائشة ; أنا التي جاء بي الملك إلى [ ص; 177 ] النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة من حرير فيقول ; هذه امرأتك خرجه الصحيح . وقالت زينب ; أنا التي زوجني الله من فوق سبع سماوات . وقال الشعبي ; كانت زينب تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدل بهن ; إن جدي وجدك واحد ، وإن الله أنكحك إياي من السماء ، وإن السفير في ذلك جبريل . وروي عن زينب أنها قالت ; لما وقعت في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستطعني زيد ، وما أمتنع منه غير ما يمنعه الله تعالى مني فلا يقدر علي .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37)يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عتابا من الله له (و) اذكر يا محمد (إذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالهداية (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقِي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيد، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها(وَاتَّقِ اللَّهَ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) يقول; وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره; وتخاف أن يقول الناس; أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أعتقه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) قال; وكان يخفي في نفسه ودَّ أنه طلقها. قال الحسن; ما أنـزلت عليه آية كانت أشد عليه منها؛ قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ولو كان نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كاتما شيئا من الوحي لكتمها( وَتَخْشَى &; 20-274 &; النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) قال; خشِي نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مقالة الناس.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد; كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال; يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال; ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال; لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.حدثني محمد بن موسى الجرشي، قال; ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أَبي حمزة قال; نـزلت هذه الآية ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) في زينب بنت جحش.حدثنا خلاد بن أسلم، قال; ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن حسين قال; كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال; اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال الله; ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) .حدثني إسحاق بن شاهين، قال; ثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت; لو كتم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .وقوله; ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) يقول تعالى ذكره; فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر، ومنه قول الشاعر;وَدَّعَنـــي قَبْـــلَ أن أُوَدِّعَـــهُلمَّــا قَضَــى مِـنْ شَـبابِنا وَطَـرَا (1)(زَوَّجْنَاكَهَا) يقول; زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه؛( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) يعني; في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبِنَّ منهم ( إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول; إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم، وفارقوهن وحللن لغيرهم، ولم يكن ذلك نـزولا منهم لهم عنهن ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ) يقول; وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي; كائنا كان لا محالة. وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان ماضيا مفعولا كائنا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول; إذا طلقوهن، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تبنى زيد بن حارثة.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ....) إلى قوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) إذا كان ذلك منه غير نازل لك، فذلك قول الله وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال; ثنا جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش. قال; تفاخرت عائشة وزينب، قال; فقالت زينب; أنا الذي نـزل تزويجي .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال; كانت زينب زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن؛ إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام.------------------------الهوامش;(1) في (اللسان; وطر). قال الزجاج; الوطر والأرب; بمعنى واحد. ثم قال; قال الخليل; الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة فإذا بلغها البالغ قيل; قضى وطره وأربه. ولا يبني منه فعل. ومحل الشاهد في البيت; لفظة الوطر بمعنى الحاجة.
وكان سبب نزول هذه الآيات، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم، لا جناح على من تبناهم، في نكاحهن.وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله، وفعلاً، وإذا أراد اللّه أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى \"زيد بن محمد\" قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ} فقيل له: \"زيد بن حارثة\" .وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان قد وقع في قلب الرسول، لو طلقها زيد، لتزوَّجها، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها.قال اللّه: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ْ} أي: بالإسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ْ} بالعتق حين جاءك مشاورًا في فراقها: فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته مع وقوعها في قلبك: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ْ} أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها، { وَاتَّقِ اللَّهَ ْ} تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة، فإن التقوى، تحث على الصبر، وتأمر به.{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ْ} والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد، لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم.{ وَتَخْشَى النَّاسَ ْ} في عدم إبداء ما في نفسك { وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ْ} وأن لا تباليهم شيئًا، { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ْ} أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها. { زَوَّجْنَاكَهَا ْ} وإنما فعلنا ذلك، لفائدة عظيمة، وهي: { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ} حيث رأوك تزوجت، زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل، ينتسب إليك.ولما كان قوله: { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ} عامًا في جميع الأحوال، وكان من الأحوال، ما لا يجوز ذلك، وهي قبل انقضاء وطره منها، قيد ذلك بقوله: { إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ} أي: لا بد من فعله، ولا عائق له ولا مانع.وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة، فوائد، منها: الثناء على زيد بن حارثة، وذلك من وجهين:أحدهما: أن اللّه سماه في القرآن، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره.والثاني: أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه، أي: بنعمة الإسلام والإيمان. وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن، ظاهرًا وباطنًا، وإلا، فلا وجه لتخصيصه بالنعمة، لولا أن المراد بها، النعمة الخاصة.ومنها: أن المُعْتَق في نعمة الْمُعْتِق.ومنها: جواز تزوج زوجة الدَّعِيّ، كما صرح به.ومنها: أن التعليم الفعلي، أبلغ من القولي، خصوصا، إذا اقترن بالقول، فإن ذلك، نور على نور.ومنها: أن المحبة التي في قلب العبد، لغير زوجته ومملوكته، ومحارمه، إذا لم يقترن بها محذور، لا يأثم عليها العبد، ولو اقترن بذلك أمنيته، أن لو طلقها زوجها، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما، أو يتسبب بأي سبب كان، لأن اللّه أخبر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، أخفى ذلك في نفسه.ومنها: أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، قد بلغ البلاغ المبين، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه، إلا وبلغه، حتى هذا الأمر، الذي فيه عتابه.وهذا يدل، على أنه رسول اللّه، ولا يقول إلا ما أوحي إليه، ولا يريد تعظيم نفسه.ومنها: أن المستشار مؤتمن، يجب عليه -إذا استشير في أمر من الأمور- أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير ولو كان له حظ نفس، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه.ومنها: أن من الرأي: الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال، فهو أحسن من الفرقة.ومنها: [أنه يتعين] أن يقدم العبد خشية اللّه، على خشية الناس، وأنها أحق منها وأولى.ومنها: فضيلة زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين، حيث تولى اللّه تزويجها، من رسوله صلى اللّه عليه وسلم، من دون خطبة ولا شهود، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتقول زوجكن أهاليكن، وزوجني اللّه من فوق سبع سماوات.ومنها: أن المرأة، إذا كانت ذات زوج، لا يجوز نكاحها، ولا السعي فيه وفي أسبابه، حتى يقضي زوجها وطره منها، ولا يقضي وطره، حتى تنقضي عدتها، لأنها قبل انقضاء عدتها، هي في عصمته، أو في حقه الذي له وطر إليها، ولو من بعض الوجوه.
(الواو) استئنافيّة
(إذ) اسم ظرفي في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر
(للذي) متعلّق بـ (تقول) ،
(عليه) متعلّق بـ (أنعم) ، والثاني متعلّق بـ (أنعت) ،
(عليك) متعلّق بـ (أمسك) ،
(في نفسك) متعلّق بـ (تخفي) ،
(ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به
(والله) الواو الحالـ (أن) حرف مصدريّ ونصب..
والمصدر المؤوّلـ (أن تخشاه) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف متعلّق بـ (أحقّ) ، أي أحقّ بالخشية .
(الفاء) عاطفة
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط متعلّق بـ (زوّجناكها) ، وهو في محلّ نصبـ (منها) متعلّق بـ (قضى) ،
(كي) حرف مصدريّ ونصبـ (لا) نافية
(على المؤمنين) متعلّق بخبر يكون
(حرج) اسم يكون
(في أزواج) متعلّق بنعت لحرج
(منهنّ) متعلّق بـ (قضوا) ،
(الواو) استئنافيّة ...جملة: «
(اذكر) إذ تقول ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تقول ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «أنعم الله ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «أنعمت ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «أمسك ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «اتّق الله ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: «تخفي ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة تقول.
وجملة: «الله مبديه» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «تخشى ... » في محلّ جر معطوفة على جملة تخفي.وجملة: «الله أحقّ ... » في محلّ نصب حال.
وجملة: «تخشاه» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «قضى زيد ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «زوّجناكها ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «لا يكون ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(كي) .
وجملة: «قضوا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه ... وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
وجملة: «كان أمر الله مفعولا» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - الأحزاب٣٣ :٣٧
Al-Ahzab33:37