أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطٰنٍ مُّبِينٍ
اَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٌ يَّسۡتَمِعُوۡنَ فِيۡهِ ۚ فَلۡيَاۡتِ مُسۡتَمِعُهُمۡ بِسُلۡطٰنٍ مُّبِيۡنٍؕ
تفسير ميسر:
أم لهم مصعد إلى السماء يستمعون فيه الوحي بأن الذي هم عليه حق؟ فليأت مَن يزعم أنه استمع ذلك بحجة بينة تصدِّق دعواه.
"أم لهم سلم يستمعون فيه" أي مرقاة إلى الملإ الأعلى "فليأت مستمعهم بسلطان مبين" أي فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال أي وليس لهم سبيل إلى ذلك فليسوا على شيء ولا لهم دليل.
قوله تعالى ; أم لهم سلم أي ; أيدعون أن لهم مرتقى إلى السماء ومصعدا وسببا يستمعون فيه أي عليه الأخبار ويصلون به إلى علم الغيب ، كما يصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي .فليأت مستمعهم بسلطان مبين أي بحجة بينة أن هذا الذي هم عليه حق . [ ص; 70 ] والسلم واحد السلالم التي يرتقى عليها . وربما سمي الغرز بذلك ; قال أبو الربيس الثعلبي يصف ناقته ;مطارة قلب إن ثنى الرجل ربها بسلم غرز في مناخ يعاجلهوقال زهير ;ومن هاب أسباب المنايا ينلنها وإن يرق أسباب السماء بسلموقال آخر ;تجنيت لي ذنبا وما إن جنيته لتتخذي عذرا إلى الهجر سلماوقال ابن مقبل في الجمع ;لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا يبنى له في السماوات السلاليمالأحجاء النواحي مثل الأرجاء واحدها حجا ورجا مقصور . ويروى ; أعناء البلاد ، والأعناء أيضا الجوانب والنواحي واحدها عنو بالكسر . وقال ابن الأعرابي ; واحدها عنا مقصور . وجاءنا أعناء من الناس واحدهم عنو بالكسر ، وهم قوم من قبائل شتى . يستمعون فيه أي عليه ; كقوله تعالى ; في جذوع النخل أي عليها ; قاله الأخفش . وقال أبو عبيدة ; يستمعون به . وقال الزجاج ; أي ; ألهم كجبريل الذي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي .
وقوله; ( أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ) يقول; أم لهم سلم يرتقون فيه إلى السماء يستمعون عليه الوحي, فيدعون أنهم سمعوا هنالك من الله أن الذي هم عليه حقّ, فهم بذلك متمسكون بما هم عليه.وقوله; ( فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) يقول; فإن كانوا يدّعون ذلك فليأت من يزعم أنه استمع ذلك, فسمعه بسلطان مبين, يعني بحجة تبين أنها حقّ, كما أتى محمد صلى الله عليه وسلم بها على حقيقة قوله, وصدقه فيما جاءهم به من عند الله. والسُّلَّم في كلام العرب; السبب والمرقاة; ومنه قول ابن مقبل;لا تُحـرزِ المَـرْءَ أَحْجـاءُ الْبِـلاد وَلاتُبْنَـى لَـهُ فـي السَّـمَاواتِ السَّـلاليمُ (1)ومنه قوله; جعلت فلانا سلما لحاجتي; إذا جعلته سببا لها._____________________الهوامش;(1) هذا البيت لتميم بن أبي مقبل ، نسبه إليه أبو عبيد في مجاز القرآن ( الورقة 230 - 1 ) وأحجاء البلاد . نواحيها وأطرافها . قاله في ( اللسان ; حجا ) ونسب البيت لابن مقبل وقد شرحنا البيت وبينا الشاهد فيه ، عند قوله تعالى ( أو سلما في السماء ) في سورة الأنعام ( 7 ; 184 ) من هذه الطبعة ، فراجعه ثمة . وقال أبو عبيدة والسلم ; السبب والمراقاة ، قال ابن مقبل ; " لا تحرز المرء ... البيت " قال ; أنت تتخذني سلمًا لحاجتك ; أي سببا .
{ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي: ألهم اطلاع على الغيب، واستماع له بين الملأ الأعلى، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟{ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ } المدعي لذلك { بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } وأنى له ذلك؟والله تعالى عالم الغيب والشهادة، فلا يظهر على غيبه [أحدا] إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه.وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأعلمهم وإمامهم، وهو المخبر بما أخبر به، من توحيد الله، ووعده، ووعيده، وغير ذلك من أخباره الصادقة، والمكذبون هم أهل الجهل والضلال والغي والعناد، فأي المخبرين أحق بقبول خبره؟ خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام من الأدلة والبراهين على ما أخبر به، ما يوجب أن يكون خبره عين اليقين وأكمل الصدق، وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة، فضلا عن إقامة حجة.
(أم لهم سلّم) مثل أم عندهم خزائن ،
(فيه) متعلّق بـ (يستمعون) ، ومفعول الفعل محذوف أي: يستمعون كلام الملائكة فيه ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(اللام) لام الأمر
(بسلطان) متعلّق بحال من الفاعل جملة: «لهم سلّم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يستمعون ... » في محلّ رفع نعت لسلّموجملة: «يأت مستمعهم» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن ادّعى المستمع بذلك فليأت ...