وَالنَّجْمِ إِذَا هَوٰى
وَالنَّجۡمِ اِذَا هَوٰىۙ
تفسير ميسر:
أقسم الله تعالى بالنجوم إذا غابت، ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه. ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
سورة النجم; قال البخاري حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد - يعني الزبيدي - حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبدالله قال أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم قال فسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف. وقد رواه البخاري أيضا في مواضع ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن أبي إسحاق به وقوله في الممتنع إنه أمية بن خلف في هذه الرواية مشكل فإنه قد جاء من غير هذه الطريق أنه عتبة بن ربيعة. قال الشعبي وغيره; الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا ينبغي له أن يقسم إلا بالخالق رواه ابن أبي حاتم. واختلف المفسرون في معنى قوله "والنجم إذا هوى" فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني بالنجم الثريا إذا سقطت مع الفجر وكذا روي عن ابن عباس وسفيان الثوري واختاره ابن جرير وزعم السدي أنها الزهرة وقال الضحاك "والنجم إذا هوى" إذا رمي به الشياطين وهذا القول له اتجاه. وروى الأعمش عن مجاهد في قوله تعالى "والنجم إذا هوى" يعني القرآن إذا نزل وهذه الآية كقوله تعالى "فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين".
سورة " والنجم " مكية ، وهي إحدى وستون آية .مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة ; إلا آية منها وهي قوله تعالى ; الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الآية . وقيل ; اثنتان وستون آية . وقيل ; إن السورة كلها مدنية . والصحيح أنها مكية لما روى ابن مسعود أنه قال ; هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة . وفي البخاري عن ابن عباس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وعن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد لها ، فما بقي أحد من القوم إلا سجد ; فأخذ رجل من القوم كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال ; يكفيني هذا . قال عبد الله ; فلقد رأيته بعد قتل كافرا ، متفق عليه . الرجل يقال له أمية بن خلف . وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم إذا هوى فلم يسجد . وقد مضى في آخر " الأعراف " القول في هذا والحمد لله .بسم الله الرحمن الرحيموالنجم إذا هوىقوله تعالى ; والنجم إذا هوى قال ابن عباس ومجاهد ; معنى والنجم إذا هوى والثريا إذا سقطت مع الفجر ; والعرب تسمي الثريا نجما وإن كانت في العدد نجوما ; يقال ; إنها سبعة أنجم ، ستة منها ظاهرة وواحد خفي يمتحن الناس به أبصارهم . وفي ( الشفا ) للقاضي عياض ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما . وعن مجاهد أيضا أن المعنى ; والقرآن إذا نزل ; لأنه كان ينزل نجوما . وقاله الفراء . وعنه أيضا ; يعني نجوم السماء كلها حين تغرب . وهو قول الحسن قال ; أقسم الله بالنجوم إذا غابت . وليس يمتنع أن يعبر عنها بلفظ واحد ومعناه جمع ; كقول الراعي ;فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودهاوقال عمر بن أبي ربيعة ;أحسن النجم في السماء الثريا والثريا في الأرض زين النساءوقال الحسن أيضا ; المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة . وقال السدي ; إن النجم هاهنا الزهرة لأن قوما من العرب كانوا يعبدونها . وقيل ; المراد به النجوم التي ترجم بها الشياطين ; وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولا كثر انقضاض الكواكب قبل مولده ، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن كان لهم ضريرا ، كان يخبرهم بالحوادث فسألوه عنها فقال ; انظروا البروج الاثني عشر فإن انقضى منها شيء فهو ذهاب الدنيا ، فإن لم ينقض منها شيء فسيحدث في الدنيا أمر عظيم ، فاستشعروا ذلك ; فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الأمر العظيم الذي استشعروه ، فأنزل الله تعالى ; والنجم إذا هوى أي ذلك النجم الذي هوى هو لهذه النبوة التي حدثت . وقيل ; النجم هنا هو النبت الذي ليس له [ ص; 78 ] ساق ، وهوى أي سقط على الأرض . وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم ; والنجم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إذا هوى إذا نزل من السماء ليلة المعراج . وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أن عتبة بن أبي لهب وكان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الشام فقال ; لآتين محمدا فلأوذينه ، فأتاه فقال ; يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى ، وبالذي دنا فتدلى . ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد عليه ابنته وطلقها ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وكان أبو طالب حاضرا فوجم لها وقال ; ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة ، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره ، ثم خرجوا إلى الشام ، فنزلوا منزلا ، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم ; إن هذه أرض مسبعة . فقال أبو لهب لأصحابه ; أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة ! فإني أخاف على ابني من دعوة محمد ; فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله . وقال حسان ;من يرجع العام إلى أهله فما أكيل السبع بالراجعوأصل النجم الطلوع ; يقال ; نجم السن ونجم فلان ببلاد كذا أي خرج على السلطان . والهوي النزول والسقوط ; يقال ; هوى يهوي هويا مثل مضى يمضي مضيا ; قال زهير ;فشج بها الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاءوقال آخر - أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة - ;بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعا والعيس تهوي هوياخطرت خطرة على القلب من ذكراك وهنا فما استطعت مضياالأصمعي ; هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل . قال ; وكذلك انهوى في السير إذا مضى فيه ، وهوى وانهوى فيه لغتان بمعنى ، وقد جمعهما الشاعر في قوله ;وكم منزل لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهويويقال في الحب ; هوي بالكسر يهوى هوى ; أي أحب .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) فقال بعضهم; عُنِيَ بالنجم; الثُّريا وعُنِي بقوله ( إِذَا هَوَى ) ; إذا سقط, قالوا; تأويل الكلام; والثريا إذا سقطت.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله; ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال; إذا سقطت الثريا مع الفجر.حدثنا ابن حُميد. قال; ثنا مهران, عن سفيان ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال; الثريا، وقال مجاهد; ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال; سقوط الثريا.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال; إذا انصبّ.وقال آخرون; معنى ذلك; والقرآن إذا نـزل.* ذكر من قال ذلك;حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب, قال; ثنا مالك بن &; 22-496 &; سعير, قال; ثنا الأعمش, عن مجاهد, في قوله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال; القرآن إذا نـزل.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) قال; قال عُتبة بن أبي لهب; كفرتُ بربّ النجم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; " أمَا تَخَافُ أنْ يَأكُلَكَ كَلْبُ اللهِ" قال; فخرج في تجارة إلى اليمن, فبينما هم قد عرَّسوا, إذ سمعَ صوتَ الأسد, فقال لأصحابه إني مأكول, فأحدقوا به, وضرب على أصمخّتهم فناموا, فجاء حتى أخذه, فما سمعوا إلا صوته.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا محمد بن ثور, قال; ثنا معمر, عن قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) فقال ابن لأبي لهب حسبته قال; اسمه عُتبة; كفرت بربّ النجم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم; " احْذَرْ لا يأكُلكَ كَلْبُ الله "; قال; فضرب هامته. قال; وقال ابن طاوس عن أبيه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال; " ألا تَخاف أنْ يُسلِّطَ اللهُ عَلَيْك كَلْبَهُ؟" فخرج ابن أبي لهب مع ناس فى سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الأسد. فقال; ما هو إلا يريدني, فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم, حتى إذا ناموا جاء الأسد فأخذه من بينهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول; عنى بقوله; ( وَالنَّجْمِ ) والنجوم. وقال; ذهب إلى لفظ الواحد, وهو في المعنى الجميع, واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الإبل;فَبَـاتَتْ تَعُـدُّ النَّجْـمَ فـي مُسـتَحيرَةٍسَــريعٌ بِــأيْدي الآكـلِينَ جُمُودُهـا (1)والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا الموضع; الثريا, وذلك أن العرب تدعوها النجم, والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله, وإن كان له وجه, فلذلك تركنا القول به.--------------------الهوامش ;(1) البيت لراعي الإبل النميري عبيد بن أيوب ( مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة 230 من المصورة 26059) قال عند قوله تعالى ( والنجم إذا هوى ) ; قسم ، والنجم ; النجوم ، ذهب إلى لفظ الواحد وهو في معنى الجمع ، قال راعي الإبل ; " وباتت تعد النجم ... " البيت . وفي مستحيرة ; في إهالة ، جعلها طافية ، لأنها من شحم . وقال ابن قتيبة في كتاب المعاني الكبير ، طبع الهند .وقال الراعي وذكر امرأة أضافها ; فباتت ... البيت . مستحيرة ; جفنة قد تحير فيها الدسم ، فهي ترى فيها النجوم لصفاء الإهالة ، وأراد بقوله تعد النجم ; الثرياء ، والعرب تسمى الثريا النجم . قال ;طلــــع النجــــم عشــــاءابتغــــى الـــراعي كســـاءوقال التبريزي في شرح حماسة أبي تمام ( 4 ; 39 ) قال أبو العلاء ; كان بعض الناس يجعل " تعد " هنا من العدد ، أي أن هذه المرأة تعد النجم في الجفنة المستحيرة ، أي المملوءة ، لأنها ترى خيال النجوم فيها ، وقد يجوز هذا الوجه ، وقد يحتمل أن يكون " تعد " في معنى تحسب وتظن ، والمراد أن المرأة تحسب النجم في الجفنة ، لما تراه من بياض الشحم أ . هـ .
يقسم تعالى بالنجم عند هويه أي: سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة، ما أوجب أن أقسم به، والصحيح أن النجم، اسم جنس شامل للنجوم كلها، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم.
(والنجم) متعلّق بفعل محذوف تقديره أقسم
(إذا) ظرف للزمن المستقبل مجرّد من الشرط متعلّق بفعل القسم المحذوف ،
(ما) نافية في المواضع الثلاثة
(عن الهوى) متعلّق بـ (ينطق) .. جملة: «
(أقسم) بالنجم ... » لا محلّ لها ابتدائيّة والظرف
(إذا) يدلّ على المستقبل، فثمّة اختلاف بين الزمنين ... ويقدّر الكلام لإزالة الاشكال: أقسم بالنجم وقت هويّه أيّا ما كان هذا الوقت، فالظرف على هذا مستعار للحال ... وجملة: «هوى ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «ما ضلّ صاحبكم ... » لا محلّ لها جواب القسم وجملة: «ما غوى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب القسم وجملة: «ما ينطق ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب القسم