الرسم العثمانيوَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرٰثُ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقٰتَلَ ۚ أُولٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنۢ بَعْدُ وَقٰتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنٰى ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
الـرسـم الإمـلائـيوَ مَا لَـكُمۡ اَلَّا تُنۡفِقُوۡا فِىۡ سَبِيۡلِ اللّٰهِ وَلِلّٰهِ مِيۡـرَاثُ السَّمٰوٰتِ وَ الۡاَرۡضِؕ لَا يَسۡتَوِىۡ مِنۡكُمۡ مَّنۡ اَنۡفَقَ مِنۡ قَبۡلِ الۡفَتۡحِ وَقَاتَلَ ؕ اُولٰٓٮِٕكَ اَعۡظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِيۡنَ اَنۡفَقُوۡا مِنۡۢ بَعۡدُ وَقَاتَلُوۡا ؕ وَكُلًّا وَّعَدَ اللّٰهُ الۡحُسۡنٰىؕ وَاللّٰهُ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ خَبِيۡرٌ
تفسير ميسر:
وأيُّ شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ ولله ميراث السموات والأرض يرث كلَّ ما فيهما، ولا يبقى أحد مالكًا لشيء فيهما. لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح "مكة" وقاتل الكفار، أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا الكفار، وكلا من الفريقين وعد الله الجنة، والله بأعمالكم خبير لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.
فقال "ومالكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض" أي أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا فإن الذي انفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض وبيده مقاليدهما وعنده خزائنهما وهو مالك العرش بما حوى وهو القائل "وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" وقال "ما عندكم ينفذ وما عند الله باق" فمن توكل على الله أنفق ولم يخش من ذي العرش إقلالا وعلم أن الله سيخلفه عليه وقوله تعالى "لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل" أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين الله أفواجا ولهذا قال تعالى "أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى" والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح ههنا صلح الحديبية وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبدالرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم" ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم فخالفه عبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن عمر وغيرهما فاختصم خالد وعبدالرحمن بسبب ذلك والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" فقلنا من هم يا رسول الله أقريش؟ قال "لا ولكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا" فقلنا أهم خير منا يا رسول الله؟ قال "لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه إلا أن هذا فضل ما بيننا وبين الناس "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعلمون خبير" وهذا الحديث غريب بهذا السياق. والذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ذكر الخوارج "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" الحديث ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر فقال; حدثنى ابن البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن أبي سعيد التمار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم قلنا من هم يا رسول الله قريش؟ قال لا ولكن أهل اليمن لأنهم أرق أفئدة وألين قلوبا" وأشار بيده إلى اليمن فقال "هم أهل اليمن ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية" فقلنا يا رسول الله هم خير منا؟ قال; "والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصيفه" ثم جمع أصابعه ومد خنصره وقال ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير" فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده كما في قوله تعالى في سورة المزمل وهي مكية من أوائل ما نزل "وآخرون يقاتلون فى سبيل الله" الآية فهي بشارة بما يستقبل وهكذا هذه والله أعلم. وقوله تعالى "وكلا وعد الله الحسنى" يعني المنفقين قبل الفتح وبعده كلهم لهم ثواب على ما عملوا وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال تعالى "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما" وهكذا الحديث الذي في الصحيح "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر فيتوهم متوهم ذمه فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه لهذا قال تعالى "والله بما تعملون خبير" أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق وفي الحديث "سبق درهم مائه ألف" ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها. وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا عبدالله بن حامد بن محمد أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب أخبرنا محمد بن يونس حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني حدثنا أبو إسحاق الفزاري حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟ فقال "أنفق ماله علي قبل الفتح" قال فإن الله يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني فى فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه أسخط على ربي عز وجل؟ إنى عن ربي راض" هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه والله أعلم.
قوله تعالى ; وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبيرفيه خمس مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله أي ; أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله ، وفيما يقربكم من ربكم وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى [ ص; 217 ] الله تعالى ; فمعنى الكلام ; التوبيخ على عدم الإنفاق .ولله ميراث السماوات والأرض أي ; أنهما راجعتان إليه بانقراض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق له .الثانية ; قوله تعالى ; لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح فتح مكة . وقال الشعبي والزهري ; فتح الحديبية . قال قتادة ; كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك . وفي الكلام حذف ، أي ; لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، فحذف لدلالة الكلام عليه . وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق والأجر على قدر النصب . والله أعلم .الثالثة ; روى أشهب عن مالك قال ; ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم ، وقد قال الله تعالى ; لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل وقال الكلبي ; نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه ؛ لأنه أول من أسلم . وعن ابن مسعود ; أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ولأنه أول من أنفق على نبي الله صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عمر قال ; كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال ; يا نبي الله ! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال ؟ فقال ; قد أنفق علي ماله قبل الفتح قال ; فإن الله يقول لك ; اقرأ على أبي بكر السلام وقل له ; أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; يا أبا بكر ، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول ; أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر ; أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! قال ; فإن الله يقول لك ; قد رضيت عنك كما أنت عني راض ، فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام ; والذي بعثك يا محمد بالحق ، لقد تخللت حملة العرش بالعبي منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة ، ولهذا قدمته الصحابة على أنفسهم ، وأقروا له بالتقدم والسبق . وقال علي بن أبي طالب [ ص; 218 ] رضي الله عنه ; سبق النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى أبو بكر وثلث عمر ، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة ، وطرح الشهادة . فنال المتقدمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم ، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ .الرابعة ; التقدم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين فقد قالت عائشة رضي الله عنها ; أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم . وأعظم المنازل مرتبة الصلاة . وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرضه ; مروا أبا بكر فليصل بالناس الحديث . وقال ; يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقال ; وليؤمكما أكبركما من حديث مالك بن الحويرث وقد تقدم . وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة ، كما قال صلى الله عليه وسلم ; الولاء للكبر ولم يعن كبر السن . وقد قال مالك وغيره ; إن للسن حقا . وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحق بالمراعاة ، لأنه إذا اجتمع العلم والسن في خيرين قدم العلم ، وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين ، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا . وفي الآثار ; ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه . ومن الحديث الثابت في الأفراد ; ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه . وأنشدوا ;يا عائبا للشيوخ من أشر داخله في الصبا ومن بذخ اذكر إذا شئت أن تعيرهمجدك واذكر أباك يا ابن أخ واعلم بأن الشباب منسلخعنك وما وزره بمنسلخ من لا يعز الشيوخ لا بلغتيوما به سنه إلى الشيخ[ ص; 219 ] الخامسة ; قوله تعالى ; وكلا وعد الله الحسنى أي ; المتقدمون المتناهون السابقون ، والمتأخرون اللاحقون ، وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات . وقرأ ابن عامر " وكل " بالرفع ، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام . الباقون " وكلا " بالنصب على ما في مصاحفهم ، فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي ; وعد الله كلا الحسنى . ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل ، والهاء محذوفة من " وعده " .
يقول تعالى ذكره; وما لكم أيها الناس أن لا تنفقوا مما رزقكم الله في سبيل الله، وإلى الله صائرٌ أموالكم إن لم تنفقوها في حياتكم في سبيل الله، لأن له ميراث السموات والأرض، وإنما حثهم جل ثناؤه بذلك على حظهم، فقال لهم; أنفقوا أموالكم في سبيل الله، ليكون ذلكم لكم ذخرًا عند الله من قبل أن تموتوا، فلا تقدروا على ذلك، وتصير الأموال ميراثًا لمن له السموات والأرض.وقوله; (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) .اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم; معناه; لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكه وهاجر.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) قال; آمن فأنفق، يقول; من هاجر ليس كمن لم يهاجر.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) يقول; من آمن.قال; ثنا مهران، عن سفيان، قال; يقول غير ذلك.وقال آخرون; عني بالفتح فتح مكة، وبالنفقة; النفقة في جهاد المشركين.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) قال; كان قتالان، أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح " فتح مكة " أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; (مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) قال; فتح مكة.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرني عبد الله بن عياش، قال، قال زيد بن أسلم في هذه الآية (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) قال; فتح مكة.وقال آخرون; عني بالفتح في هذا الموضع; صلح الحديبية.* ذكر من قال ذلك;حدثني إسحاق بن شاهين، قال; ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، قال; فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، يقول تعالى ذكره (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ... ) الآية.حدثني حُميد بن مسعدة، قال; ثنا بشر بن المفضل، قال; ثنا داود، عن عامر، في هذه الآية، قوله; (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) قال; فتح الحديبية، قال; " فصل ما بين العمرتين فتح الحديبية ".حدثني ابن المثنى، قال; ثنا عبد الوهاب، قال; ثنا داود، عن عامر ،قال; " فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية ". وأُنـزلت (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) .... إلى (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) فقالوا; يا رسول الله فتحٌ هو؟ قال; " نَعَمْ عَظِيمٌ".حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا عبد الأعلى، قال; ثنا داود، عن عامر، قال ; " فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، ثم تلا هنا الآية (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ ) .... الآية."حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، قال، قال لنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عام الحديبية; " يُوشكُ أنْ يأتي قَوْمٌ تَّحْقِرُونَ أعمالَكُمْ مَعَ أعمالِهمْ، قلنا; من هم يا رسول الله، أقريش هم؟ قال; لا وَلَكنْ أهْلُ اليمَن أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبا، فقلنا; هم خير منا يا رسول الله، فقال; لَوْ كانَ لأحَدَهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَب فأنْفَقَهُ ما أدْرَكَ مُدّ أحَدِكُمْ وَلا نَصيفَهُ، ألا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنَا وَبَينَ النَّاس، (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) ... الآية، إلى قوله; (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ".حدثني ابن البرْقيّ، قال; ثنا ابن أبي مريم، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; أخبرني زيد بن أسلم، عن أبي سعيد التمار، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال; " يُوشِكُ أنْ يأتي قوم تَحَقِرُون أعمالَكُمْ مع أعمالِهِمْ، فقلنا; من هم يا رسول الله، أقريش؟ قال; لا هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبا "، وأشار بيده إلى اليمن، فقال; هُم أهْلُ اليَمَنِ، ألا إنَّ الإيمان يَمَانٍ، والحكْمَة يَمانيَهٌ، فقلنا; يا رسول الله هم خير منا؟ قال; وَالَذَّي نَفسي بيَده لَوْ كان لأحَدِهمْ جَبَلُ ذَهَب يُنْفقهُ ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدكُمْ وَلا نَصيَفهُ، ثم جمع أصابعه، ومدّ خنصره وقال; ألا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنَا وَبَينَ النَّاس، (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال; معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل الله من قبل فتح الحُديبية، للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذي رويناه عن أبي سعيد الخُدريّ عنه، وقاتل المشركين، بمن أنفق بعد ذلك وقاتل، وترك ذكر من أنفق بعد ذلك وقاتل، استغناء بدلالة الكلام الذي ذُكر عليه من ذكره.(أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) يقول تعالى ذكره; هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين، أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك وقاتلوا.وقوله; (وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) يقول تعالى ذكره; وكلّ هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداءه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللُّهُ الْحُسْنَى ) قال; الجنة.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) قال; الجنة.وقوله; (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) يقول تعالى ذكره; والله بما تعملون من النفقة في سبيل الله، وقتال أعدائه، وغير ذلك من أعمالكم التي تعملون خبير، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك يوم القيامة.
أي: وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وهي طرق الخير كلها، ويوجب لكم أن تبخلوا، { و } الحال أنه ليس لكم شيء، بل { لله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فجميع الأموال ستنتقل من أيديكم أو تنقلون عنها، ثم يعود الملك إلى مالكه تبارك وتعالى، فاغتنموا الإنفاق ما دامت الأموال في أيديكم، وانتهزوا الفرصة، ثم ذكر تعالى تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية، فقال: { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا } المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية، حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو أعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الإسلام، واختلاط المسلمين بالكافرين، والدعوة إلى الدين من غير معارض، فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله أفواجا، واعتز الإسلام عزا عظيما، وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة إلى الدين في غير البقعة التي أسلم أهلها، كالمدينة وتوابعها، وكان من أسلم من أهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف، فلذلك كان من أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل، أعظم درجة وأجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الحديد٥٧ :١٠
Al-Hadid57:10