الرسم العثمانيقُلْ يٰقَوْمِ اعْمَلُوا عَلٰى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عٰقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ الظّٰلِمُونَ
الـرسـم الإمـلائـيقُلۡ يٰقَوۡمِ اعۡمَلُوۡا عَلٰى مَكَانَتِكُمۡ اِنِّىۡ عَامِلٌۚ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُوۡنَۙ مَنۡ تَكُوۡنُ لَهٗ عَاقِبَةُ الدَّارِؕ اِنَّهٗ لَا يُفۡلِحُ الظّٰلِمُوۡنَ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول-; يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على طريقتي التي شرعها لي ربي جل وعلا فسوف تعلمون -عند حلول النقمة بكم- مَنِ الذي تكون له العاقبة الحسنة؟ إنه لا يفوز برضوان الله تعالى والجنة مَن تجاوز حده وظلم، فأشرك مع الله غيره.
وقوله تعالى "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون" هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أي استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي كقوله "وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "على مكانتكم" ناحيتكم "فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون" أي أتكون لي أو لكم وقد أنجز الله موعده لرسوله صلوات الله عليه أي فإنه تعالى مكنه في البلاد وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد وفتح له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك في حياته ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين كما قال الله تعالى "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز" وقال "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" وقال تعالى "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وقال تعالى إخبارا عن رسله فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد" وقال تعالى "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" الآية وقد فعل الله ذلك بهذه الأمة المحمدية وله الحمد والمنة أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
قوله تعالى قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمونقوله تعالى قل ياقوم اعملوا على مكانتكم وقرأ أبو بكر بالجمع " مكاناتكم " . والمكانة الطريقة . والمعنى اثبتوا على ما أنتم عليه فأنا أثبت على ما أنا عليه . فإن قيل ; كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار . فالجواب أن هذا تهديد ; كما قال عز وجل ; فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا . ودل عليه فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار أي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها ، أي من له النصر في دار الإسلام ، ومن له وراثة الأرض ، ومن له الدار الآخرة ، أي الجنة . قال الزجاج ; مكانتكم تمكنكم في الدنيا . ابن عباس والحسن والنخعي ; على ناحيتكم . القتبي ; على موضعكم .إني عامل على مكانتي ، فحذف لدلالة الحال عليه .و ( من ) من قوله من تكون له عاقبة الدار في موضع نصب بمعنى الذي ; لوقوع العلم عليه . ويجوز أن تكون في موضع رفع ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله فيكون الفعل معلقا . أي تعلمون أينا تكون له عاقبة الدار ; كقوله ; لنعلم أي الحزبين أحصى وقرأ حمزة والكسائي ( من يكون ) بالياء .
القول في تأويل قوله ; قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَقال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; " قل "، يا محمد، لقومك من قريش الذين يجعلون مع الله إلها آخر=; (اعملوا على مكانتكم)، يقول; اعملوا على حِيالكم وناحيتكم . كما;-13898- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس; (يا قوم اعملوا على مكانتكم)، يعني; على ناحيتكم .* * *يقال منه; " هو يعمل على مكانته، ومَكِينته " .* * *وقرأ ذلك بعض الكوفيين; " عَلَى مَكَانَاتِكُمْ"، على جمع " المكانة ".* * *قال أبو جعفر; والذي عليه قرأة الأمصار; (عَلَى مَكَانَتِكُمْ)، على التوحيد .* * *=(إني عامل)، يقول جل ثناؤه، لنبيه; قل لهم; اعملوا ما أنتم عاملون, فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي =(فسوف تعلمون)، يقول; فسوف تعلمون عند نـزول نقمة الله بكم, أيُّنا كان المحقّ في عمله، والمصيب سبيلَ الرشاد, أنا أم أنتم.وقوله تعالى ذكره لنبيه; قل لقومك; (يا قوم اعملوا على مكانتكم)، أمرٌ منه له بوعيدهم وتهدّدهم, لا إطلاقٌ لهم في عمل ما أرادُوا من معاصي الله .* * *القول في تأويل قوله ; مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; (من تكون له عاقبة الدار)، فسوف تعلمون، أيها الكفرة بالله، عند معاينتكم العذابَ, مَن الذي تكون له عاقبة الدار منا ومنكم. (10) يقول; من الذي تُعْقبه دنياه ما هو خير له منها أو شر منها، (11) بما قدَّم فيها من صالح أعماله أو سَيّئها .ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه فقال; (إنه لا يفلح الظالمون)، يقول; إنه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند الله مَنْ عمل بخلاف ما أمره الله به من العمل في الدنيا (12) = وذلك معنى; " ظلم الظالم "، في هذا الموضع . (13)* * *وفي" من " التي في قوله; (من تكون)، له وجهان من الإعراب;= الرفع على الابتداء.= والنصبُ بقوله; (تعلمون)، ولإعمال " العلم " فيه.والرفع فيه أجود, لأن معناه; فسوف تعلمون أيُّنا له عاقبة الدار؟ فالابتداء في" من "، أصحُّ وأفصح من إعمال " العلم " فيه . (14)* * *---------------------الهوامش ;(10) انظر تفسير (( العاقبة )) فيما سلف 11; 272 ، 273 .(11) في المطبوعة ; (( من الذي يعقب دنياه )) ، والذي في المخطوطة هو الصواب .(12) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف 11 ; 296 ، تعليق ; 5 ، والمراجع هناك .(13) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ) .(14) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 355 .
{ قُلْ } يا أيها الرسول لقومك إذا دعوتهم إلى الله، وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه، فامتنعوا من الانقياد لأمره، واتبعوا أهواءهم، واستمروا على شركهم: { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي: على حالتكم التي أنتم عليها، ورضيتموها لأنفسكم. { إِنِّي عَامِلٌ } على أمر الله، ومتبع لمراضي الله. { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أنا أو أنتم، وهذا من الإنصاف بموضع عظيم، حيث بيَّن الأعمال وعامليها، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير، ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح. وقد علم أن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين، وأن المؤمنين لهم عقبى الدار، وأن كل معرض عما جاءت به الرسل، عاقبته سوء وشر، ولهذا قال: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم، وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به، فنهايته [فيه] الاضمحلال والتلف \"إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته\"
(قل) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(يا) حرف نداء
(قوم) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف و (الياء) المحذوفة ضمير مضاف إليه
(اعملوا) فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعلـ (على مكانة) جار ومجرور متعلق بـ (اعملوا) على حذف مضاف أي تثبيت مكانتكم أو تقوية مكانتكم، و (كم) ضمير مضاف إليه
(إنّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- و (الياء) ضمير في محلّ نصب اسم إن
(عامل) خبر مرفوع
(الفاء) تعليلية
(سوف) حرف استقبالـ (تعلمون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (من) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به ،
(تكون) مضارع ناقص- ناسخ- مرفوع
(اللام) حرف جر و (الهاء) ضمير في محلّ جر متعلق بمحذوف خبر مقدم
(عاقبة) اسم تكون مرفوع
(الدار) مضاف إليه مجرور
(إنّه) مثل إنّي
(لا) نافية
(يفلح) مضارع مرفوع
(الظالمون) فاعل مرفوع، وعلامة الرفع، وعلامة الرفع الواو.
جملة «قل....» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة النداء «يا قوم....» في محلّ نصب مقول القول.وجملة «اعملوا....» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة «إني عامل....» لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة «سوف تعلمون» لا محلّ لها تعليلية.
وجملة «تكون له عاقبة....» لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة «إنه لا يفلح....» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «لا يفلح الظالمون» في محلّ رفع خبر إن.
- القرآن الكريم - الأنعام٦ :١٣٥
Al-An'am6:135