القول في تأويل قوله ; ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم; " أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون "؟ = إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك، إذ فتناهم فاختبرناهم, (18) " إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين " ، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك.* * *ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك.فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين; (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) بالتاء، بالنصب, (19) بمعنى; لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم (20) " والله ربنا ما كنا مشركين " = غير أنهم يقرءون " تكن " بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. (21) وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك, وهو قوله;فَمَضَــى وَقَدَّمَهَـا , وكـانت عـادةًمِنْــهُ إذا هــيَ عَــرَّدَتْ إقْدَامُهَـا (22)فقال; " وكانت " بتأنيث " الإقدام "، لمجاورته قوله; " عادة " .* * *وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين; (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ) بالياء، (فِتْنَتَهُمْ) بالنصب، (إلا أَنْ قَالُوا)، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم.غير أنهم ذكَّروا " يكون " لتذكير " أن ". (23)قال أبو جعفر; وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب, لأن " أنْ" أثبت في المعرفة من " الفتنة ". (24)* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله; " ثم لم تكن فتنتهم " .فقال بعضهم ; معناه; ثم لم يكن قولهم .* ذكر من قال ذلك;13134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة في قوله; " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال; مقالتهم = قال معمر; وسمعت غير قتادة يقول; معذرتهم .13135 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله; " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال; قولهم .13136- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا "، الآية, فهو كلامهم =" قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .13137 - حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك; " ثم لم تكن فتنتهم " ، يعني; كلامهم .* * *وقال آخرون; معنى ذلك; معذرتهم .* ذكر من قال ذلك;13138 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قتادة; " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال; معذرتهم.13139- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة; " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ، يقول; اعتذارهم بالباطل والكذب.* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك أن يقال; معناه; ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم، اعتذارًا مما سلف منهم من الشرك بالله =" إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ، فوضعت " الفتنة " موضع " القول "، لمعرفة السامعين معنى الكلام. = وإنما " الفتنة "، الاختبار والابتلاء (25) = ولكن لما كان الجواب من القوم غيرَ واقع هنالك إلا عند الاختبار, وضعت " الفتنة " التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم .* * *واختلفت القرأة أيضًا في قراءة قوله; " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين; وَاللَّهِ رَبِّنَا ، خفضًا، على أن " الرب " نعت لله .* * *وقرأ ذلك جماعة من التابعين; (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بالنصب، بمعنى; والله يا ربنا. وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة. (26)* * *قال أبو جعفر; وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ; (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بنصب " الرب ", بمعنى; يا ربَّنا. وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم; " أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " ؟ وكان من جواب القوم لربهم; والله يا ربنا ما كنا مشركين = فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا. يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم; انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ .* * *ويعني بقوله ; " ما كنا مشركين " ، ما كنا ندعو لك شريكًا، ولا ندعو سواك. (27)----------------الهوامش ;(18) انظر تفسيره"الفتنة" فيما سلف 10; 478 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.(19) في المطبوعة ، حذف قوله; "بالتاء" ، لغير طائل.(20) في المطبوعة; "اختبارنا لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو فصيح العربية.(21) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 188.(22) من معلقته الباهرة. وانظر ما قاله ابن الشجري في الآية والبيت في أماليه 1; 130.والضمير في قوله; "فمضى" إلى حمار الوحش ، وفي قوله; "وقدمها" إلى أتنه التي يسوقها إلى الماء.و"عردت"; فرت ، وعدلت عن الطريق التي وجهها إليها. وشعر لبيد لا يفصل بعضه عن بعض في هذه القصيدة ، فلذلك لم أذكر ما قبله وما بعده. فراجع معلقته.(23) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 188.(24) أغفل أبو جعفر قراءة الرقع في"فتنتهم" ، وهي قراءتنا في مصحفنا ، قراءة حفص. وأنا أرجح أن أبا جعفر أغفلها متعمدًا ، وقد استوفى الكلام في هذه الآية ونظائرها فيما سلف 7; 273-275. وانظر تفسير أبي حيان 4; 95 .(25) انظر تفسير"الفتنة" فيما سلف قريبًا ص 297 ، رقم; 2 ، والمراجع هناك.(26) انظر معاني القرآن للفراء 1; 330.(27) انظر ما سلف رقم; 9520 - 9522 (ج 8; 373 ، 374).