كَأَنَّهُۥ جِمٰلَتٌ صُفْرٌ
كَاَنَّهٗ جِمٰلَتٌ صُفۡرٌ
تفسير ميسر:
يقال للكافرين يوم القيامة; سيروا إلى عذاب جهنم الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، سيروا، فاستظلوا بدخان جهنم يتفرع منه ثلاث قطع، لا يُظِل ذلك الظل من حر ذلك اليوم، ولا يدفع من حر اللهب شيئًا. إن جهنم تقذف من النار بشرر عظيم، كل شرارة منه كالبناء المشيد في العِظم والارتفاع. كأن شرر جهنم المتطاير منها إبل سود يميل لونها إلى الصُّفْرة.
أي كالإبل السود قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير "جمالة صفر" يعني حبال السفن وعنه أعنى ابن عباس "جمالة صفر" قطع نحاس وقال البخاري ثنا عمرو بن علي ثنا يحيى أنا سفيان عن عبدالرحمن بن عابس قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما "إنها ترمي بشرر كالقصر" قال كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للبناء فنسميه القصر "كأنه جمالة صفر" حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال.
وقيل ; القصر ; الجبل , فشبه الشرر بالقصر في مقاديره , ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر , وهي الإبل السود ; والعرب تسمي السود من الإبل صفرا ; قال الشاعر ; تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب أي هن سود .وإنما سميت السود من الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة ; كما قيل لبيض الظباء ; الأدم ; لأن بياضها تعلوه كدرة ; والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار أشبه شيء بالإبل السود , لما يشوبها من صفرة .وفي شعر عمران بن حطان الخارجي ; دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى وضعف الترمذي هذا القول فقال ; وهذا القول محال في اللغة , أن يكون شيء يشوبه شيء قليل , فنسب كله إلى ذلك الشائب , فالعجب لمن قد قال هذا , وقد قال الله تعالى ; " جمالات صفر " فلا نعلم شيئا من هذا في اللغة .ووجهه عندنا أن النار خلقت من النور فهي نار مضيئة , فلما خلق الله جهنم وهي موضع النار , حشى ذلك الموضع بتلك النار , وبعث إليها سلطانه وغضبه , فاسودت من سلطانه وازدادت حدة , وصارت أشد سوادا من النار ومن كل شيء سوادا , فإذا كان يوم القيامة وجيء بجهنم في الموقف رمت بشررها على أهل الموقف , غضبا لغضب الله , والشرر هو أسود ; لأنه من نار سوداء , فإذا رمت النار بشررها فإنها ترمي الأعداء به , فهن سود من سواد النار , لا يصل ذلك إلى الموحدين ; لأنهم في سرادق الرحمة قد أحاط بهم في الموقف , وهو الغمام الذي يأتي فيه الرب تبارك وتعالى , ولكن يعاينون ذلك الرمي , فإذا عاينوه نزع الله ذلك السلطان والغضب عنه في رأي العين منهم حتى يروها صفراء ; ليعلم الموحدون أنهم في رحمة الله لا في سلطانه وغضبه .وكان ابن عباس يقول ; الجمالات الصفر ; حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال .ذكره البخاري .وكان يقرؤها " جمالات " بضم الجيم , وكذلك قرأ مجاهد وحميد " جمالات " بضم الجيم , وهي الحبال الغلاظ , وهي قلوس السفينة أي حبالها .وواحد القلوس ; قلس .وعن ابن عباس أيضا على أنها قطع النحاس .والمعروف في الحبل الغليظ جمل بتشديد الميم كما تقدم في " الأعراف " .و " جمالات " بضم الجيم ; جمع جمالة بكسر الجيم موحدا , كأنه جمع جمل , نحو حجر وحجارة , وذكر وذكارة , وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري " جمالة " بضم الجيم موحدا وهي الشيء العظيم المجموع بعضه إلى بعض .وقرأ حفص وحمزة والكسائي " جمالة " وبقية السبعة " جمالات " قال الفراء ; يجوز أن تكون الجمالات جمع جمال كما يقال ; رجل ورجال ورجالات .وقيل ; شبهها بالجمالات لسرعة سيرها .وقيل ; لمتابعة بعضها بعضا .
حدثني أحمد بن عمرو البصري، قال; ثنا بدل بن المحبِّر، قال; ثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن الحسن ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; الأينق السود.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) كالنوق السود الذي رأيتم.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; نوق سود.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران؛ وحدثنا أبو كريب، قال; ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; هي الإبل.قال; ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; كالنوق السود الذي رأيتم.وقال آخرون; بل عُني بذلك; قُلُوس السفن، شبَّه بها الشرر.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعيد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) فالجِمالات الصفر; قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن.حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا وكيع، عن سعيد، عن عبد الرحمن بن عابس، قال; سألت ابن عباس عن قوله; ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; قُلُوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض، حتى تكون كأوساط الرجال.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال; سمعت ابن عباس سئل عن ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) فقال; حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا مؤمل، قال; ثنا سفيان، قال; سمعت عبد الرحمن بن عابس، قال; ثنا عبد الملك بن عبد الله، قال; ثنا هلال بن خباب، عن سعيد بن جُبير، في قوله; ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; قُلوس الجِسر.حدثني محمد بن حويرة بن محمد المنقري، قال; ثنا عبد الملك بن عبد الله القطان، قال; ثنا هلال بن خَبَّاب، عن سعيد بن جُبير، مثله.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; الحبال.حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن عبد الله، عن ابن عباس ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; قلوس سفن البحر.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) قال; حبال الجسور.وقال آخرون; بل معنى ذلك; كأنه قطع النُّحاس.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) يقول; قطع النحاس.وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال; عُنِي بالجمالات الصفر; الإبل السود، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجِمالات جمع جِمال، نظير رِجال ورِجالات، وبُيوت وبُيوتات.وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ( جِمالاتٍ ) بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جِمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جِمالة، والجمالة جمع جَمَل كما الحجارة جمع حَجَر، والذِّكارة جمع ذَكَر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين ( كأنه جمالات ) بكسر الجيم على أنها جمع جمل جُمع على جمالة، كما ذكرت مِن جمع حجَر حِجارة. ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( جُمالاتٌ ) بالتاء وضمّ الجيم كأنه جمع جُمالة من الشيء المجمل.حدثنا أحمد بن يوسف، قال; ثنا القاسم، قال. ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس.والصواب من القول في ذلك، أن لقارئ ذلك اختيارَ أيّ القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء، وكسر الجيم وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار، فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه.
ثم ذكر عظم شرر النار، الدال على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها، فقال:{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } وهي السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة، وهذا يدل على أن النار مظلمة، لهبها وجمرها وشررها، وأنها سوداء، كريهة المرأى ، شديدة الحرارة، نسأل الله العافية منها [من الأعمال المقربة منها].
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة