أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
اَفَلَا يَنۡظُرُوۡنَ اِلَى الۡاِ بِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ
تفسير ميسر:
أفلا ينظر الكافرون المكذِّبون إلى الإبل; كيف خُلِقَت هذا الخلق العجيب؟ وإلى السماء كيف رُفِعَت هذا الرَّفع البديع؟ وإلى الجبال كيف نُصبت، فحصل بها الثبات للأرض والاستقرار؟ وإلى الأرض كيف بُسِطت ومُهِّدت؟
يقول تعالى آمرأ عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل وكان شريح القاضي يقول اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت؟.
قوله تعالى ; أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقتقال المفسرون ; لما ذكر الله - عز وجل - أمر أهل الدارين ، تعجب الكفار من ذلك ، فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته وقدرته وأنه قادر على كل شيء ، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض . ثم ذكر الإبل أولا ; لأنها كثيرة في العرب ، ولم يروا الفيلة ، فنبههم - جل ثناؤه - على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير ، يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك ، فينهض بثقيل حمله ، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره . فأراهم عظيما من خلقه ، مسخرا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . وعن بعض الحكماء ; أنه حدث عن البعير وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ففكر ثم قال ; يوشك أن تكون طوال الأعناق . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر ، صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا ، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز ، مما لا يرعاه سائر البهائم . وقيل ; لما ذكر السرر المرفوعة قالوا ; كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية ، وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع . قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما . وقيل ; الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب قاله المبرد . قال الثعلبي ; وقيل في الإبل هنا ; السحاب ، ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة .[ ص; 32 ] قلت ; قد ذكر الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب ، قال أبو عمرو ; من قرأها أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت بالتخفيف ; عنى به البعير ; لأنه من ذوات الأربع ، يبرك فتحمل عليه الحمولة ، وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم . ومن قرأها بالتثقيل فقال ; الإبل ، عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر . وقال الماوردي ; وفي الإبل وجهان ; أحدهما ; وهو أظهرهما وأشهرهما ; أنها الإبل من النعم . الثاني ; أنها السحاب . فإن كان المراد بها السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه . وإن كان المراد بها الإبل من النعم ; فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ; لأن 3 ضروبه أربعة ; حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة . والإبل تجمع هذه الخلال الأربع فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة فيها أتم . وقال الحسن ; إنما خصها الله بالذكر ; لأنها تأكل النوى والقت ، وتخرج اللبن . وسئل الحسن أيضا عنها وقالوا ; الفيل أعظم في الأعجوبة ; فقال ; العرب بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ، ولا يركب ظهره ، ولا يحلب دره . وكان شريح يقول ; اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت . والإبل ; لا واحد لها من لفظها ، وهي مؤنثة ; لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها ، إذا كانت لغير الآدميين ، فالتأنيث لها لازم ، وإذا صغرتها دخلتها الهاء ، فقلت ; أبيلة وغنيمة ، ونحو ذلك . وربما قالوا للإبل ; إبل ، بسكون الباء للتخفيف ، والجمع ; آبال .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته، والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته; أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور، إلى الإبل كيف خلقها وسخرها لهم وذَلَّلها وجعلها تحمل حملها باركة، ثم تنهض به، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار، يقول جلّ ثناؤه; أفلا ينظرون إلى الإبل فيعتبرون بها، ويعلمون أن القُدرة التي قدر بها على خلقها، لن يُعجزه خلق ما شابهها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قال; لما نعت الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنـزل الله; ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) فكانت الإبل من عيش العرب ومن خوَلهم.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن أبي إسحاق عمن سمع شريحا يقول; اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خُلقت.
يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي: [ألا] ينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها.
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ
(الفاء) عاطفة
(لا) نافية
(إلى الإبل) متعلّق بـ (ينظرون) ،
(كيف) اسم استفهام في محلّ نصب حال عامله الفعل الذي يتلوه
(إلى السماء) متعلّق بـ (ينظرون) ، وكذلك
(إلى الجبال، إلى الأرض) ،
(كيف) مثل الأول في الموضعين.
جملة: «ينظرون ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي:
أينكرون فلا ينظرون..
وجملة: «خلقت ... » في محلّ جرّ بدل اشتمال من الإبل أي ينظرون إلى خلق الإبل أو إلى كيفية خلقها.
وجملة: «رفعت ... » في محلّ جرّ بدل اشتمال من السماء.
وجملة: «نصبت ... » في محلّ جرّ بدل اشتمال من الجبال.
وجملة: «سطحت ... » في محلّ جرّ بدل اشتمال الأرض.