يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
يٰۤاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا اِنَّمَا الۡمُشۡرِكُوۡنَ نَجَسٌ فَلَا يَقۡرَبُوا الۡمَسۡجِدَ الۡحَـرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هٰذَا ۚ وَ اِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةً فَسَوۡفَ يُغۡنِيۡكُمُ اللّٰهُ مِنۡ فَضۡلِهٖۤ اِنۡ شَآءَ ؕ اِنَّ اللّٰهَ عَلِيۡمٌ حَكِيۡمٌ
تفسير ميسر:
يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِجْس وخَبَث فلا تمكنوهم من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة، وإن خفتم فقرًا لانقطاع تجارتهم عنكم، فإن الله سيعوضكم عنها، ويكفيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بحالكم، حكيم في تدبير شؤونكم.
أمر تعالى عباده المؤمنين الظاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية وكان نزولها في سنة تسع ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا صحبة أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ وأمره أن ينادي من المشركين; أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا.وقال عبدالرازق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول في قوله تعالى " إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة. وقد روي مرفوعا من وجه آخر فقال الإمام أحمد; حدثنا حسن حدثنا شريك عن الأشعث يعني ابن سوار عن الحسن عن جابر قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم "تفرد به الإمام أحمد مرفوعا والموقوف أصح إسنادا وقال الإمام أبو عمر والأوزاعي; كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين وأتبع نهيه قول الله تعالى " إنما المشركون نجس " وقال عطاء; الحرم كله مسجد لقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد الحرام بعد يومهم هذا " ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما ورد في الصحيح " المؤمن لا ينجس " وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم وقال أشعث عن الحسن; من صافحهم فليتوضأ رواه ابن جرير وقوله " إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله " قال محمد بن إسحاق; وذلك أن الناس قالوا; لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نصيب فيها من المرافق فأنزل الله " وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله " من وجه غير ذلك " إن شاء " إلى قوله " وهم صاغرون " أي هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق فعوضهم الله مما قطع أمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية وهكذا روى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم " إن الله عليم " أي بما يصلحكم " حكيم " أي فيما يأمر به وينهى عنه لأنه الكامل في أفعاله وأقواله العادل في خلقه وأمره تبارك وتعالى ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة.
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيمفيه سبع مسائل ;الأولى ; قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ابتداء وخبر . واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنجس ، فقال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما ; لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل . وقال ابن عباس وغيره ; بل معنى الشرك هو الذي نجسه . قال الحسن البصري من صافح مشركا فليتوضأ . والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ابن عبد الحكم فإنه قال ; ليس بواجب ؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله . وبوجوب [ ص; 39 ] الغسل عليه قال أبو ثور وأحمد . وأسقطه الشافعي وقال ; أحب إلي أن يغتسل . ونحوه لابن القاسم . ولمالك قول ; إنه لا يعرف الغسل ، رواه عنه ابن وهب وابن أبي أويس . وحديث ثمامة وقيس بن عاصم يرد هذه الأقوال . رواهما أبو حاتم البستي في صحيح مسنده . وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لقد حسن إسلام صاحبكم وأخرجه مسلم بمعناه . وفيه ; أن ثمامة لما من عليه النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل . وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر .فإن كان إسلامه قبيل احتلامه فغسله مستحب . ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسله الجنابة . هذا قول علمائنا ، وهو تحصيل المذهب . وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد الإسلام بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للأثر . وذلك أن أحدا لا يكون بالنية مسلما دون القول . هذا قول جماعة أهل السنة في الإيمان ; إنه قول باللسان وتصديق بالقلب ، ويزكو بالعمل . قال الله تعالى ; إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .الثانية ; قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام ( فلا يقربوا ) نهي ، ولذلك حذفت منه النون . ( المسجد الحرام ) هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم ، وهو مذهب عطاء فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع . فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول . ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه . فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز . وأما جزيرة العرب ، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها ، فقال مالك ; يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الإسلام ، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين . وكذلك قال الشافعي رحمه الله ، غير أنه استثنى من ذلك اليمن . ويضرب لهم أجل [ ص; 40 ] ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم . ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل .الثالثة ; واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال ، فقال أهل المدينة ; الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد . وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية . ويؤيد ذلك قوله تعالى ; في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه . ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها . وفي صحيح مسلم وغيره ; إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر . . . الحديث . والكافر لا يخلو عن ذلك . وقال صلى الله عليه وسلم ; لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب والكافر جنب . وقوله تعالى ; إنما المشركون نجس فسماه الله تعالى نجسا . فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعدا من طريق الحكم . وأي ذلك كان فمنعه من المسجد واجب لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد . يقال ; رجل نجس ، وامرأة نجس ، ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس ، لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر . فأما النجس - بكسر النون وجزم الجيم - فلا يقال إلا إذا قيل معه رجس . فإذا أفرد قيل نجس - بفتح النون وكسر الجيم - ونجس - بضم الجيم - . وقال الشافعي رحمه الله ; الآية عامة في سائر المشركين ، خاصة في المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره ، فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد . قال ابن العربي ; وهذا جمود منه على الظاهر ؛ لأن قوله عز وجل ; إنما المشركون نجس تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة . فإن قيل ; فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة في المسجد وهو مشرك . قيل له ; أجاب علماؤنا عن هذا الحديث - وإن كان صحيحا - بأجوبة ; أحدها ; أنه كان متقدما على نزول الآية . الثاني ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه . [ ص; 41 ] الثالث ; أن ذلك قضية في عين فلا ينبغي أن تدفع بها الأدلة التي ذكرناها ، لكونها مقيدة حكم القاعدة الكلية . وقد يمكن أن يقال ; إنما ربطه في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها ، وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد ، فيستأنس بذلك ويسلم ، وكذلك كان . ويمكن أن يقال ; إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد ، والله أعلم . وقال أبو حنيفة وأصحابه ; لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره ، ولا يمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان . وهذا قول يرده كل ما ذكرناه من الآية وغيرها . قال الكيا الطبري ; ويجوز للذمي دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة . وقال الشافعي ; تعتبر الحاجة ، ومع عدم الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام . وقال عطاء بن أبي رباح ; الحرم كله قبلة ومسجد ، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم ، لقوله تعالى ; سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام . وإنما رفع من بيت أم هانئ . وقال قتادة ; لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبدا كافرا لمسلم . وروى إسماعيل بن إسحاق حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; لا يقرب المسجد مشرك إلا أن يكون عبدا أو أمة فيدخله لحاجة . وبهذا قال جابر بن عبد الله فإنه قال ; العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام ، وهو مخصوص في العبد والأمة .الرابعة ; قوله تعالى بعد عامهم هذا فيه قولان ; أحدهما - أنه سنة تسع التي حج فيها أبو بكر . الثاني سنة عشر قاله قتادة . ابن العربي ; وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ وإن من العجب أن يقال ; إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الأذان . ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه ; لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه .الخامسة ; وإن خفتم عيلة قال عمرو بن فائد ; المعنى وإذ خفتم . وهذه عجمة والمعنى بارع ب ( إن ) . وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا ; من أين نعيش . فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال الضحاك ; ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل [ ص; 42 ] الذمة بقوله عز وجل ; قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية . وقال عكرمة ; أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض فأخصبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكة الطعام والودك وكثر الخير وأسلمت العرب ; أهل نجد وصنعاء وغيرهم فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم . والعيلة ; الفقر . يقال ; عال الرجل يعيل إذا افتقر . قال الشاعر ;وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيلوقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود " عائلة " وهو مصدر كالقائلة من قال يقيل . وكالعافية . ويحتمل أن يكون نعتا لمحذوف تقديره ; حالا عائلة ، ومعناه ; خصلة شاقة . يقال منه ; عالني الأمر يعولني ; أي شق علي واشتد . وحكى الطبري أنه يقال ; عال يعول إذا افتقر .السادسة ; في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمناف للتوكل وإن كان الرزق مقدرا وأمر الله وقسمه مفعولا ولكنه علقه بالأسباب حكمة ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب . وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل قال صلى الله عليه وسلم ; لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا . أخرجه البخاري . فأخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق . ابن العربي ; ولكن شيوخ الصوفية قالوا ; إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي يجلب الرزق . قالوا ; والدليل عليه أمران ; أحدهما ; قوله تعالى ; وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك الثاني ; قوله تعالى ; إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فليس ينزل الرزق من محله ، وهو السماء ، إلا ما يصعد وهو الذكر الطيب والعمل الصالح وليس بالسعي في الأرض فإنه ليس فيها رزق . والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر وهو العمل بالأسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في الأسواق والعمارة للأموال وغرس الثمار . وقد كانت الصحابة تفعل ذلك [ ص; 43 ] والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم . قال أبو الحسن بن بطال ; أمر الله سبحانه عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا إلى غير ذلك من الآي . وقال ; فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . فأحل للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به ، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء ، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذى به لكان لنفسه قاتلا . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوى من الجوع ما يجد ما يأكله ، ولم ينزل عليه طعام من السماء ، وكان يدخر لأهله قوت سنته حتى فتح الله عليه الفتوح . وقد روى أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ببعير فقال ; يا رسول الله ، أعقله وأتوكل أو أطلقه وأتوكل ؟ قال ; اعقله وتوكل .قلت ; ولا حجة لهم في أهل الصفة ، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون ، ليس لهم كسب ولا مال ، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان ، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقرءون القرآن بالليل ويصلون . هكذا وصفهم البخاري وغيره . فكانوا يتسببون . وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته هدية أكلها معهم ، وإن كانت صدقة خصهم بها ، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمروا - كأبي هريرة وغيره - وما قعدوا . ثم قيل ; الأسباب التي يطلب بها الرزق ستة أنواع ; أعلاها كسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال ; جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري . خرجه الترمذي وصححه . فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصه بأفضل أنواع الكسب ، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه . الثاني ; أكل الرجل من عمل يده ، قال صلى الله عليه وسلم ; إن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده خرجه البخاري . وفي التنزيل وعلمناه صنعة لبوس لكم وروي أن عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه . [ ص; 44 ] الثالث ; التجارة ، وهي كانت عمل جل الصحابة رضوان الله عليهم ، وخاصة المهاجرين ، وقد دل عليها التنزيل في غير موضع . الرابع ; الحرث والغرس . وقد بيناه في سورة " البقرة " الخامس ; إقراء القرآن وتعليمه والرقية ، وقد مضى في " الفاتحة " السادس ; يأخذ بنية الأداء إذا احتاج ، قال صلى الله عليه وسلم ; من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله . خرجه البخاري . رواه أبو هريرة رضي الله عنه .السابعة ; قوله تعالى إن شاء دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد ، وإنما هو من فضل الله تولى قسمته بين عباده وذلك بين في قوله تعالى ; نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا الآية .
القول في تأويل قوله ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وأقرُّوا بوحدانيته; ما المشركون إلا نَجَس.* * *واختلف أهل التأويل في معنى " النجس "، وما السبب الذي من أجله سمَّاهم بذلك.فقال بعضهم; سماهم بذلك، لأنهم يجنبون فلا يغتسلون, فقال; هم نجس, ولا يقربوا المسجد الحرام = لأن الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد.* ذكر من قال ذلك;16591- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, في قوله; (إنما المشركون نجس)، ; لا أعلم قتادة إلا قال; " النجس "، الجنابة.16592- وبه، عن معمر قال; وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة, وأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيده, فقال حذيفة; يا رسول الله، إني جُنُب ! فقال; إنّ المؤمن لا ينجُس.16593- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله; (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس)، أي; أجْنَابٌ.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; ما المشركون إلا رِجْسُ خنـزير أو كلب.وهذا قولٌ رُوِي عن ابن عباس من وجه غير حميد, فكرهنا ذكرَه.* * *وقوله; (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، يقول للمؤمنين; فلا تدعوهم أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرَم. وإنما عنى بذلك منعَهم من دخول الحرم, لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام.* * *وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.فقال بعضهم فيه نحو الذي قلناه.* ذكر من قال ذلك;16594- حدثنا بشر، وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال; قال عطاء; الحرمُ كله قبلةٌ ومسجد. قال; (فلا يقربوا المسجد الحرام)، لم يعن المسجدَ وحده, إنما عنى مكة والحرم. قال ذلك غير مرَّةٍ.وذكر عن عمر بن عبد العزيز في ذلك ما;-16595- حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثني الوليد بن مسلم قال، حدثنا أبو عمرو; أن عمر بن عبد العزيز كتب; " أنِ امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين "، وأَتْبَعَ في نهيه قولَ الله; (إنما المشركون نجس).16596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث, عن الحسن; (إنما المشركون نجس)، قال; لا تصافحوهم, فمن صافحَهم فليتوضَّأ.* * *وأما قوله; (بعد عامهم هذا)، فإنه يعني; بعد العام الذي نادَى فيه علي رحمة الله عليه ببراءة, وذلك عام حجَّ بالناس أبو بكر, وهي سنة تسع من الهجرة، كما;-16597- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، وهو العام الذي حجّ فيه أبو بكر, ونادى عليّ رحمة الله عليهما بالأذان، وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحجَّ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل حجّة الوداع، لم يحجَّ قبلها ولا بعدها.* * *وقوله; (وإن خفتم عيلة)، يقول للمؤمنين; وإن خفتم فاقَةً وفقرًا, بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام =(فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء).* * *يقال منه; عال يَعِيلُ عَيْلَةً وعُيُولا ومنه قول الشاعر; (2)وَمَــا يَــدْرِي الفَقِـيرُ مَتَـى غِنَـاهوَمَــا يَــدْرِي الغَنِـيُّ مَتَـى يَعِيـلُ (3)وقد حكي عن بعضهم أنّ من العرب من يقولُ في الفاقة; " عال يعول " بالواو. (4)* * *وذكر عن عمرو بن فائد أنه كان تأوّل قوله (5) (وإن خفتم عيلة)، بمعنى; وإذ خفتم. ويقول; كان القوم قد خافُوا, وذلك نحو قول القائل لأبيه; " إن كنت أبي فأكرمني", بمعنى; إذ كنت أبي.* * *وإنما قيل ذلك لهم, لأن المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم، انقطاع تجاراتهم، ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك. وأمَّنهم الله من العيلة، وعوَّضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم، ما هو خير لهم منه, وهو الجزية, فقال لهم; قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، إلى; صَاغِرُونَ .* * *وقال قوم; بإدرار المطر عليهم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;16598- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنى معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله; (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، قال; لما نَفَى الله المشركين عن المسجد الحرام، ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن, قال; من أين تأكلون، وقد نُفِيَ المشركون وانقطعت عنهم العيرُ! (6) فقال الله; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)، فأمرهم بقتال أهل الكتاب, وأغناهم من فضله.16599- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة في قوله; (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، قال; كان المشركون يجيئون إلى البيت, ويجيئون معهم بالطعام، وَيتَّجرون فيه. فلما نُهُوا أن يأتوا البيت، قال المسلمون; من أين لنا طعام؟ فأنـزل الله; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)، فأنـزل عليهم المطر, وكثر خيرهم، حتى ذهب عنهم المشركون.16600- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن علي بن صالح, عن سماك, عن عكرمة; (إنما المشركون نجس)، الآية = ثم ذكر نحو حديث هنّاد, عن أبي الأحوص.16601- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن واقد, عن سعيد بن جبير قال; لما نـزلت; (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالوا; مَنْ يأتينا بطعامنا, ومن يأتينا بالمتاع؟ فنـزلت; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء). (7)16602- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن واقد مولى زيد بن خليدة, عن سعيد بن جبير, قال; كان المشركون يقدَمون عليهم بالتجارة, فنـزلت هذه الآية; (إنما المشركون نجس)، إلى قوله; (عيلة)، قال; الفقر =(فسوف يغنيكم الله من فضله).16603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية العوفي قال; قال المسلمون; قد كنّا نصيب من تجارتهم وبِياعاتهم, فنـزلت; (إنما المشركون نجس)، إلى قوله; (من فضله).16604- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي =أحسِبه قال; أنبأنا أبو جعفر، عن عطية, قال; لما قيل; ولا يحج بعد العام مشرك ! قالوا; قد كنا نصيب من بياعاتهم في الموسم. قال; فنـزلت; (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، يعني; بما فاتهم من بياعاتهم.16605- حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا حدثنا ابن يمان, عن أبي سنان, عن ثابت, عن الضحاك; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، قال; الجزية.16606- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان وأبو معاوية, عن أبي سنان, عن ثابت, عن الضحاك, قال; أخرج المشركون من مكة, فشقَّ ذلك على المسلمين وقالوا; كنا نُصيب منهم التجارة والميرة. فأنـزل الله; قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ16607- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، كان ناس من المسلمين يتألَّفون العير; فلما نـزلت " براءة " بقتال المشركين حيثما ثقفوا, وأن يقعدُوا لهم كل مرصد, قذف الشيطان في قلوب المؤمنين; فمن أين تعيشون وقد أمرتم بقتال أهل العير؟ فعلم الله من ذلك ما علم, فقال; أطيعوني, وامضوا لأمري, وأطيعوا رسولي, فإني سوف أغنيكم من فضلي. فتوكل لهم الله بذلك.16608- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله; (إنما المشركون نجس)، إلى قوله; (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)، قال; قال المؤمنون; كنا نصيب من متاجر المشركين! فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله، عوضًا لهم بأن لا يقربوهم المسجد الحرام. فهذه الآية مع أول " براءة " في القراءة, ومع آخرها في التأويل (8) قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ، إلى قوله; عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، حين أمر محمد وأصحابه بغزْوة تبوك.16609- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه.16609م- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال; لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام, شقَّ ذلك على المسلمين, وكانوا يأتون بِبَيْعَات ينتفع بذلك المسلمون. (9) فأنـزل الله تعالى ذكره; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، فأغناهم بهذا الخراج، الجزيةَ الجاريةَ عليهم, يأخذونها شهرًا شهرًا, عامًا عامًا، فليس لأحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم بحالٍ، إلا صاحب الجزية, أو عبد رجلٍ من المسلمين.16610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج, قال; أخبرنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله; (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، إلا أن يكون عبدًا أو أحدًا من أهل الذمّة.16611-...... قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله; (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، قال; إلا صاحب جزية, أو عبد لرجلٍ من المسلمين.16612- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج, عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قال، أخبرني أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في هذه الآية; (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)، إلا أن يكون عبدًا، أو أحدًا من أهل الجزية.16613- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، قال; أغناهم الله بالجزية الجارية شهرًا فشهرًا، وعامًا فعامًا.16614- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام, عن الحجاج, عن أبي الزبير, عن جابر; (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، قال; لا يقرب المسجد الحرام بعد عامه هذا مشركٌ ولا ذميٌّ.16615- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق; (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة)، وذلك أن الناس قالوا; لتقطعنَّ عنا الأسواق، ولتهلكن التجارة، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المَرافق! (10) فقال الله عز وجل; (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله)، من وجه غير ذلك =(إن شاء)، إلى قوله; وَهُمْ صَاغِرُونَ ، ففي هذا عوَض مما تخوَّفتم من قطع تلك الأسواق، فعوَّضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك، ما أعطَاهم من أعْناق أهلِ الكتاب من الجزية. (11)* * *وأما قوله; (إن الله عليم حكيم)، فإن معناه; (إن الله عليم)، بما حدثتكم به أنفسكم، أيها المؤمنون، من خوف العيلة عليها بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام, وغير ذلك من مصالح عباده =(حكيم)، في تدبيره إياهم، وتدبير جميع خلقه. (12)---------------------الهوامش ;(2) هو أحيحة بن الجلاح .(3) سلف البيت وتخريجه وشرحه ، فيما سلف 7 ; 459 ، وانظر مجاز القرآن 1 ; 255 .(4) انظر تفسير " عال " فيما سلف 7 ; 548 ، 549 .(5) " عمرو بن فائد " ، أبو علي الأسواري ، وردت عنه الرواية في حروف من القرآن .مترجم في طبقات القراء 1 ; 602 رقم ; 2462 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 253 ، ولسان الميزان 4 ; 372 ، وميزان الاعتدال ، 2 ; 298 ، وهو في الحديث ليس بشيء ، بل هو منكر الحديث ، متروك .(6) في المطبوعة ; " وانقطعت عنكم " وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .(7) الأثران ; 16601 ، 16602 - " واقد ، ولي زيد بن خليدة " ، ثقة ، سلف برقم ; 11450 .(8) في المطبوعة ; " من أول براءة . . . ومن آخرها " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .(9) في المطبوعة ; " ببياعات " ، وأثبت ما في المخطوطة .(10) في المطبوعة ; " فنزل ; وإن خفتم " ، ولم تكن " فنزل " في المخطوطة ، سها الكاتب وتجاوز ما كان ينقل منه ، وأثبته من نص ابن إسحاق في سيرة ابن هشام .(11) الأثر ; 16615 - سيرة ابن هشام 4 ; 192 ، 193 ، وهو تابع الأثر السالف رقم ; 16556 .(12) انظر تفسير " عليم " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ} باللّه الذين عبدوا معه غيره {نَجَسٌ} أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟\". وأعمالهم ما بين محاربة للّه، وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم. {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو سنة تسع من الهجرة، حين حج بالناس أبو بكر الصديق، وبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابن عمه عليا، أن يؤذن يوم الحج الأكبر ب ـ {براءة} فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن، بدليل أن اللّه تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها، ولم يأمر بغسل ما أصاب منها. والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات، وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية، بالشرك، فكما أن التوحيد والإيمان، طهارة، فالشرك نجاسة. وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} أيها المسلمون {عَيْلَةً} أي: فقرا وحاجة، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية، {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فليس الرزق مقصورا على باب واحد، ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل اللّه واسع، وجوده عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم، فإن اللّه أكرم الأكرمين. وقد أنجز اللّه وعده، فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك. وقوله: {إِنْ شَاءَ} تعليق للإغناء بالمشيئة، لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة اللّه، فلهذا علقه اللّه بالمشيئة. فإن اللّه يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: علمه واسع، يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق، ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها. وتدل الآية الكريمة، وهي قوله {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} أن المشركين بعد ما كانوا، هم الملوك والرؤساء بالبيت، ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول اللّه والمؤمنين، مع إقامتهم في البيت، ومكة المكرمة، ثم نزلت هذه الآية. ولما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر أن يجلوا من الحجاز، فلا يبقى فيها دينان، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام، فيدخل في قوله {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}
(يأيّها الذين آمنوا) مرّ إعرابها ،
(إنّما) كافة ومكفوفة(المشركون) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الواو (نجس) خبر مرفوع على حذف مضاف أي: ذوو نجس ،(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب ،
(لا) ناهية جازمة
(يقربوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعلـ (المسجد) مفعول به منصوبـ (الحرام) نعت للمسجد منصوبـ (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (لا يقربوا) ،
(عام) مضاف إليه مجرور و (هم) ضمير مضاف إليه
(ها) حرف تنبيه
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ عطف بيان لعام أو بدل منه
(الواو) عاطفة
(إن) حرف شرط جازم
(خفتم) فعل ماض مبنيّ على السكون في محل جزم فعل الشرط ... و (تم) ضمير فاعلـ (عيلة) مفعول به منصوبـ (الفاء) رابطة لجواب الشرط
(سوف) حرف استقبالـ (يغني) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و (كم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(من فضل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يغني) ، و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(إن) مثل الأولـ (شاء) فعل ماض مبنيّ في محلّ جزم، والفاعل هو (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ-
(الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوبـ (عليم) خبر إن مرفوع
(حكيم) خبر ثان مرفوع.
جملة: «يأيّها الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «المشركون نجس» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة:
(لا يقربوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة مقدّرة هي استئناف بيانيّ جاءت جوابا لسؤال مقدّر، والتقدير: تنبّهوا فلا يقرب المشركون المسجد الحرام .
وجملة: «إن خفتم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «سوف يغنيكم الله» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «إن شاء ... » لا محلّ لها اعتراضيّة ... وجواب الشرط محذوف تقديره فعل.
وجملة: «إنّ الله عليم ... » لا محلّ لها استئنافيّة تعليليّة.
ش