وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثٰىٓ
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالۡاُنۡثٰٓىۙ
تفسير ميسر:
أقسم الله سبحانه بالليل عندما يغطي بظلامه الأرض وما عليها، وبالنهار إذا انكشف عن ظلام الليل بضيائه، وبخلق الزوجين; الذكر والأنثى. إن عملكم لمختلف بين عامل للدنيا وعامل للآخرة.
وهكذا قرأ ذلك ابن مسعود وأبو الدرداء ورفعه أبو الدرداء وأما الجمهور فقرءوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق "وما خلق الذكر والأنثى" فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى أي إذا غشي الخليقة بظلامه "والنهار إذا تجلى" أي بضيائه وإشراقه "وما خلق الذكر والأنثى" كقوله تعالى "وخلقناكم أزواجا" وكقوله "ومن كل شيء خلقنا زوجين" ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا.
وما خلق الذكر والأنثى قال الحسن ; معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه - عز وجل - . وقيل ; معناه وخلق الذكر والأنثى ( فما ) ; مصدرية على ما تقدم . وأهل مكة يقولون للرعد ; سبحان ما سبحت له! ( فما ) على هذا بمعنى ( من ) ، وهو قول أبي عبيدة وغيره . وقد تقدم . وقيل ; المعنى وما خلق من الذكر والأنثى فتكون من مضمرة ، ويكون القسم منه بأهل طاعته ، من أنبيائه وأوليائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وقال أبو عبيدة ; وما خلق أي من خلق . وكذا قوله ; والسماء وما بناها ، ونفس وما سواها ، وما في هذه المواضع بمعنى من . وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ويسقط وما خلق . وفي صحيح مسلم عن علقمة قال ; قدمنا الشام ، فأتانا أبو الدرداء ، فقال ; فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ فقلت ; نعم ، [ ص; 73 ] أنا . قال ; فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية والليل إذا يغشى ؟ قال ; سمعته يقرأ والليل إذا يغشى والذكر والأنثى قال ; وأنا والله هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ وما خلق فلا أتابعهم . قال أبو بكر الأنباري ; وحدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد قال ; حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ; حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال ; أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " قال أبو بكر ; كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له ، وأن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين ، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة ، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه ، أخذ برواية الجماعة ، وأبطل نقل الواحد لما يجوز عليه من النسيان والإغفال . ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولا معروفا ، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - يخالفونه ، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة ، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد ، الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة ، وجميع أهل الملة .وفي المراد بالذكر والأنثى قولان ; أحدهما ; آدم وحواء قاله ابن عباس والحسن والكلبي . الثاني ; يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم ; لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم . وقيل ; كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته .
وقوله; ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله; وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وفي وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وهو أن يجعل " ما " بمعنى " مَنْ، فيكون ذلك قسما من الله جلّ ثناؤه بخالق الذّكر والأنثى، وهو ذلك الخالق، وأن تجعل " ما " مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.وقد ذُكر عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء; أنهما كانا يقرآن ذلك ( والذَّكَرِ والأنْثَى ) ويأثُرُه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر الخبر بذلك;حدثنا محمد بن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال; في قراءة عبد الله ( وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَر والأنْثَى ).حدثنا ابن المثني، قال; ثنا هشام بن عبد الملك (3) قال; ثنا شعبة، قال; أخبرني المُغيرة، قال; سمعت إبراهيم يقول; أتى علقمة الشام، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال; ممن أنت ؟ فقلت; من أهل الكوفة، فقال; كيف كان عبد الله يقرأ هذه الآية (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) فقلت; ( وَالذَّكَرِ والأنْثَى ) قال; فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلُّونني، وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا حاتم بن وَرْدان، قال; ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة قال; أتينا الشام، فدخلت على أبي الدرداء، فسألني فقال; كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الآية; (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال; قلت; ( وَالذَّكَرِ والأنْثَى ) قال; كفاك، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية؛ وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال; ثنا خالد بن عبد الله عن داود، عن عامر، عن علقمة، قال; قَدِمت الشام، فلقيت أبا الدرداء، فقال; من أين أنت ؟ فقلت من أهل العراق ؟ قال; من أيَّها ؟ قلت; من أهل الكوفة، قال; هل تقرأه قراءة ابن أمّ عبد ؟ قلت; نعم، قال; اقرأ ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) قال; فقرأت; ( وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأنْثَى ) قال; فضحك، ثم قال; هكذا سمعت مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.حدثنا ابن المثنى، قال; ثني عبد الأعلى، قال; ثني داود، عن عامر، عن علقمة، عن أبي الدَّرداء، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بنحوه.حدثني أبو السائب، قال; ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال; قدمت الشام، فأتى أبو الدرداء، فقال; فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قال; فأشاروا إليّ، قال; قلت أنا، قال; فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية; ( وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأنْثَى ) قال; وأنا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول; فهؤلاء يريدوني على أن اقرأ ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) فلا أنا أتابعهم.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) قال; في بعض الحروف ( والذَّكَرِ والأنْثَى ).حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.حدثني أحمد بن يوسف، قال; ثنا القاسم، قال; ثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنه كان يقرأها( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) يقول; والذي خلق الذكر والأنثى؛ قال هارون قال أبو عمرو; وأهل مكة يقولون للرعد; سبحان ما سبَّحْتَ له.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا جرير، عن مُغيرة، عن مِقْسَمٍ الضَّبّي، عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران، عن علقمة بن قيس أبي شبل; أنه أتى الشام، فدخل المسجد فصَّلى فيه، ثم قام إلى حَلْقة فجلس فيها؛ قال; فجاء رجل إليّ، فعرفت فيه تحوّش، القوم وهيبتهم له، فجلس إلى جنبي، فقلت; الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء، قال; وما ذاك ؟ فقال علقمة; دعوت الله أن يرزقني جليسا صالحا، فأرجو أن يكون أنت، قال; مِنْ أين أنت ؟ قلت; من الكوفة، أو من أهل العراق من الكوفة. قال أبو الدرداء; ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمِطْهَرة، يعني ابن مسعود، أو لم يكن فيكم من أُجير على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم من الشيطان الرجيم، يعني عَمَّار بن ياسر، أو لم يكن فيكم صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره، أو أحد غيره، يعني حُذَيفة بن اليمان، ثم قال; أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ ؟ قال; فقلت; أنا، قال; اقرأ; (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال علقمة; فقرأت; ( الذكر والأنثى )، فقال أبو الدرداء; والذي لا إله إلا هو، كذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوه إلى فيّ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردّونني عنها.---------------------------الهوامش ;(3) هو هشام بن عبد الملك اليزني المتوفى سنة 251 هـ . أو هشام بن عبد الملك الباهلي المتوفى 227 هـ . ولم أجد لهما ثالثا في خلاصة الحررجي .
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } إن كانت \" ما \" موصولة، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث، وإن كانت مصدرية، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة، وجعل كلًا منهما مناسبًا للآخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة