سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ
سَنَدۡعُ الزَّبَانِيَةَ
تفسير ميسر:
أرأيت أعجب مِن طغيان هذا الرجل (وهو أبو جهل) الذي ينهى عبدًا لنا إذا صلَّى لربه (وهو محمد صلى الله عليه وسلم)؟ أرأيت إن كان المنهي عن الصلاة على الهدى فكيف ينهاه؟ أو إن كان آمرًا غيره بالتقوى أينهاه عن ذلك؟ أرأيت إن كذَّب هذا الناهي بما يُدعى إليه، وأعرض عنه، ألم يعلم بأن الله يرى كل ما يفعل؟ ليس الأمر كما يزعم أبو جهل، لئن لم يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذنَّ بمقدَّم رأسه أخذًا عنيفًا، ويُطرح في النار، ناصيته ناصية كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها. فليُحْضِر هذا الطاغية أهل ناديه الذين يستنصر بهم، سندعو ملائكة العذاب. ليس الأمر على ما يظن أبو جهل، إنه لن ينالك -أيها الرسول- بسوء، فلا تطعه فيما دعاك إليه مِن تَرْك الصلاة، واسجد لربك واقترب منه بالتحبب إليه بطاعته.
"سندع الزبانية" وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه؟ قال البخاري حدثنا يحيى حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن عبدالكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال; قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال "لئن فعل لأخذته الملائكة" ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيدالله يعني ابن عمرو عن عبدالكريم. وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبدالرزاق به وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيدالله بن عمرو به. وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال; كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره فقال يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إنى لأكثر هذا الوادي ناديا فأنزل الله "فليدع ناديه سندع الزبانية" وقال ابن عباس; لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد حدثنا فرات عن عبدالكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال; قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه قال; فقال "لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرح الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا". وقال ابن جرير أيضا حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال; قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلى عند المقام لأقتلنه فأنزل الله عز وجل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" حتى بلغ هذه الآية "لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانيه" فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقيل ما يمنعك؟ قال قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب قال ابن عباس والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. وقال ابن جرير حدثنا ابن عبدالأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال; قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم قال; فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ عل رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال; فقيل له مالك؟ فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة قال; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا" قال وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا "كلا إن الإنسان ليطغى" إلى آخر السورة وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به.