الرسم العثمانيوَهُوَ الَّذِى مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوٰسِىَ وَأَنْهٰرًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَءَايٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَهُوَ الَّذِىۡ مَدَّ الۡاَرۡضَ وَجَعَلَ فِيۡهَا رَوَاسِىَ وَاَنۡهٰرًا ؕ وَمِنۡ كُلِّ الثَّمَرٰتِ جَعَلَ فِيۡهَا زَوۡجَيۡنِ اثۡنَيۡنِ يُغۡشِى الَّيۡلَ النَّهَارَ ؕ اِنَّ فِىۡ ذٰ لِكَ لَاٰيٰتٍ لِّـقَوۡمٍ يَّتَفَكَّرُوۡنَ
تفسير ميسر:
وهو سبحانه الذي جعل الأرض متسعة ممتدة، وهيأها لمعاشكم، وجعل فيها جبالا تُثبِّتُها وأنهارًا لشربكم ومنافعكم، وجعل فيها من كل الثمرات صنفين اثنين، فكان منها الأبيض والأسود والحلو والحامض، وجعل الليل يغطي النهار بظلمته، إن في ذلك كله لَعظات لقوم يتفكرون فيها، فيتعظون.
لما ذكر تعالى العالم العلوي شرع في ذكر قدرته وحكمته وأحكامه للعالم السفلي فقال " وهو الذي مد الأرض " أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وأرساها بجبال راسيات شامخات وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح " من كل زوجين اثنين " أي من كل شكل صنفان " يغشي الليل النهار " أي جعل كلا منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا فإذا ذهب هذا غشيه هذا وإذا انقضى هذا جاء الآخر فيتصرف أيضا في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " أي في آلاء الله وحكمه ودلائله.
قوله تعالى ; وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون[ ص; 245 ] قوله تعالى ; وهو الذي مد الأرض لما بين آيات السماوات بين آيات الأرض ; أي بسط الأرض طولا وعرضا .وجعل فيها رواسي أي جبالا ثوابت ; واحدها راسية ; لأن الأرض ترسو بها ، أي تثبت ; والإرساء الثبوت ; قال عنترة ;فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلعوقال جميل ;أحبها والذي أرسى قواعده حبا إذا ظهرت آياته بطناوقال ابن عباس وعطاء ; أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس .مسألة ; في هذه الآية رد على من زعم أن الأرض كالكرة ، ورد على من زعم أن الأرض تهوي أبوابها عليها ; وزعم ابن الراوندي أن تحت الأرض جسما صعادا كالريح الصعادة ; وهي منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا . وزعم آخرون أن الأرض مركب من جسمين ، أحدهما منحدر ، والآخر مصعد ، فاعتدلا ، فلذلك وقفت . والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها ، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها .وقوله تعالى ; وأنهارا أي مياها جارية في الأرض ، فيها منافع الخلق .ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين بمعنى صنفين . قال أبو عبيدة ; الزوج واحد ، ويكون اثنين . الفراء ; يعني بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى ; وهذا خلاف النص . وقيل ; معنى زوجين نوعان ، كالحلو والحامض ، والرطب واليابس ، والأبيض والأسود ، والصغير والكبير .إن في ذلك لآيات أي دلالات وعلامات لقوم يتفكرون
قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; والله الذي مَدَّ الأرض, فبسطها طولا وعرضًا .* * *وقوله; (وجعل فيها رواسي) يقول جل ثناؤه; وجعل في الأرض جبالا ثابتة.* * *و " الرواسي; " جمع " راسية "، وهي الثابتة, يقال منه; " أرسيت الوتد في الأرض "; إذا أثبته, (25) كما قال الشاعر; (26)بــهِ خَــالِدَاتٌ مَـا يَـرِمْنَ وهَـامِدٌوَأشْــعَثُ أرْسَــتْهُ الوَلِيـدَةُ بِـالفِهْرِ (27)يعني; أثبتته .* * *وقوله; (وأنهارًا) يقول; وجعل في الأرض أنهارًا من ماء .* * *وقوله; (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) فـ(من) في قوله (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) من صلة (جعل) الثاني لا الأول .* * *ومعنى الكلام; وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعنى بـ(زوجين اثنين); من كل ذكر اثنان, ومن كل أنثى اثنان, فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .* * *وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين; (زوجين), والواحد من الذكور " زوجًا " لأنثاه, وكذلك الأنثى الواحدة " زوجًا " و " زوجة " لذكرها, بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع . (28)ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل; وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [سورة النجم; 45] فسمى الاثنين الذكر والأنثى (زوجين) .وإنما عنى بقوله; (زوجين اثنين)، (29) نوعين وضربين .* * *وقوله; (يغشي الليل النهار) ، يقول; يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته, والنهارُ الليلَ بضيائه، (30) كما;-20066- حدثنا بشر قال; حدثنا يزيد قال; حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله; (يغشي الليل النهار) أي; يلبس الليل النهار .* * *وقوله; (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، يقول تعالى ذكره; إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء, لَدلالات وحججًا وعظات, لقوم يتفكرون فيها، فيستدلون ويعتبرون بها, فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها, إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه بها . (31)---------------------الهوامش ;(25) انظر تفسير" الإرساء" فيما سلف 13 ; 293 .(26) هو الأحوص .(27) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 321 ، واللسان ( رسا ) ، وروايته" سوى خالدات" و" ترسيه الوليدة" . و" الخالدات" ، و" الخوالد" صخور الأثافي ، سميت بذلك لطول بقائها بعد دروس أطلال الديار . ; ما يرمن" ، ما يبرحن مكانهن ، من" رام المكان يريمه" ، إذا فارقه . و" الهامد" الرماد المتلبد بعضه على بعض . و" الأشعث" ، الوتد ، لأنه يدق رأسه فيتشعث ويتفرق ، و" الوليدة" ; الجارية ، و" الفهر" حجر ملء الكف ، يدق به .(28) انظر تفسير" الزوج" فيما سلف 1 ; 397 ، 514 / 7 ; 515 / 12 ; 184 / 15 ; 322 - 324 .(29) في المخطوطة والمطبوعة ;" من كل زوجين اثنين" ، وهم الناسخ، فزاد في الكلام ما ليس منه هنا ، وإنما ذلك من قوله تعالى في آية أخرى . فحذفت" من كل" ، ليبقى نص الآية التي يفسرها هنا .(30) انظر تفسير" الإغشاء" فيما سلف 12 ; 483 / 15 ; 75 .(31) السياق ;" وهي القدرة التي لا يتعذر عليه ... بها" .
{ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ } أي: خلقها للعباد، ووسعها وبارك فيها ومهدها للعباد، وأودع فيها من مصالحهم ما أودع، { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } أي: جبالا عظاما، لئلا تميد بالخلق، فإنه لولا الجبال لمادت بأهلها، لأنها على تيار ماء، لا ثبوت لها ولا استقرار إلا بالجبال الرواسي، التي جعلها الله أوتادا لها. { و } جعل فيها { أَنْهَارًا } تسقي الآدميين وبهائمهم وحروثهم، فأخرج بها من الأشجار والزروع والثمار خيرا كثيرا ولهذا قال: { وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } أي: صنفين مما يحتاج إليه العباد. { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ } فتظلم الآفاق فيسكن كل حيوان إلى مأواه ويستريحون من التعب والنصب في النهار، ثم إذا قضوا مأربهم من النوم غشي النهار الليل فإذا هم مصبحون منتشرون في مصالحهم وأعمالهم في النهار. { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ } على المطالب الإلهية { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيها، وينظرون فيها نظر اعتبار دالة على أن الذي خلقها ودبرها وصرفها، هو الله الذي لا إله إلا هو، ولا معبود سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، وأنه القادر على كل شيء، الحكيم في كل شيء المحمود على ما خلقه وأمر به تبارك وتعالى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الرعد١٣ :٣
Ar-Ra'd13:3