وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
وَاسۡتَفۡتَحُوۡا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيۡدٍۙ
تفسير ميسر:
ولجأ الرسل إلى ربهم وسألوه النصر على أعدائهم والحكم بينهم، فاستجاب لهم، وهلك كل متكبر لا يقبل الحق ولا يُذْعن له، ولا يقر بتوحيد الله وإخلاص العبادة له.
" وقوله " واستفتحوا " أي استنصرت الرسل ربها على قومها قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ويحتمل أن يكون هذا مرادا وهذا مرادا كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر وقال الله تعالى للمشركين " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم " الآية والله أعلم " وخاب كل جبار عنيد " أي متجبر فى نفسه عنيد معاند للحق كقوله تعالى " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد " وفي الحديث " إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة فتنادي الخلائق فتقول إني وكلت بكل جبار عنيد " الحديث خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر.
قوله تعالى ; واستفتحوا وخاب كل جبار عنيدقوله تعالى ; واستفتحوا أي واستنصروا ; أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم ، والدعاء بهلاكهم ; قاله ابن عباس وغيره ، وقد مضى في " البقرة " . ومنه الحديث ; إن [ ص; 305 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أي يستنصر . وقال ابن زيد ; استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش ; اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية . وروي عن ابن عباس . وقيل قال الرسول ; إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا وقالت الأمم ; إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا ، عن ابن عباس أيضا ; نظيره ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين .وخاب كل جبار عنيد الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا ; هكذا هو عند أهل اللغة ; ذكره النحاس . والعنيد المعاند للحق والمجانب له ، عن ابن عباس وغيره ; يقال ; عند عن قومه أي تباعد عنهم . وقيل ; هو من العند ، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضا ; قال الشاعر ;إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنداوقال الهروي ; قوله تعالى ; جبار عنيد أي جائر عن القصد ; وهو العنود والعنيد والعاند ; وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال ; إنه عرق عاند . قال أبو عبيد ; هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند ; فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته . وقال شمر ; العاند الذي لا يرقأ . وقال عمر يذكر سيرته ; أضم العنود ; قال الليث ; العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا ; أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها . وقال مقاتل ; العنيد المتكبر . وقال ابن كيسان ; هو الشامخ بأنفه . وقيل ; العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل ويذهب عن طريق الحق فلا يسلكها ; تقول العرب ; شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق . وقيل ; العنيد العاصي . وقال قتادة ; العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله . قلت ; والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد ، وإن كان اللفظ مختلفا ، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر . وقيل ; إن المراد به في الآية أبو جهل ; ذكره المهدوي . وحكى الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله - عز وجل - ; واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فمزق المصحف وأنشأ يقول ; [ ص; 306 ]أتوعد كل جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيدإذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليدفلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده .
قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; واستفتحت الرُّسل على قومها; أي استنصرت الله عليها (20) ( وخاب كل جبار عنيد ) ، يقول; هلك كل متكبر جائر حائدٍ عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له.* * *و " العنيد " و " العاند " و " العَنُود " ، بمعنى واحد . (21)* * *ومن " الجبار " ، تقول; هو جَبَّار بَيِّنُ الجَبَريَّة ، والجَبْرِيَّة ، والجَبْرُوَّة ، والجَبَرُوت. (22)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;20612 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن قال; حدثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; ( واستفتحوا ) ، قال; الرسل كلها . يقول; استنصروا ( عنيد ) ، قال معاند للحق مجانبه. (23)20613 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.20614 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله; ( واستفتحوا ) ، قال; الرسل كُلها استنصروا ( وخاب كل جبَّار عَنيد ) ، قال; معاند للحق مجانبه.20615 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله وقال ابن جريج; استفتحوا على قومهم.20616 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ... (24)20617 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس; ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ، قال; كانت الرسلُ والمؤمنون يستضعفهم قومُهم ، ويقهَرُونهم ويكذبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في مِلّتهم ، فأبَى الله عز وجل لرسله وللمؤمنين أن يعودُوا في مِلّة الكفر ، وأمرَهُم أن يتوكلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يُسْكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا ، ( وخابَ كل جبار عنيد ) .20618 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله; ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال; هو النَّاكب عن الحق . (25)20619 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا مطرف ، عن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم; ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال; الناكب عن الحق. (26)20620 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله; ( واستفتحوا ) ، يقول; استنصرت الرسل على قومها قوله; ( وخاب كل جبار عنيد ) ، و " الجبار العنيد " ; الذي أبى أن يقول; لا إله إلا الله.20621 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة; ( واستفتحوا ) ، قال; استنصرت الرسل على قومها ( وخاب كل جبار عنيد ) ، يقول; عَنِيد عن الحق ، مُعْرِض عنه. (27)20622 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله - وزاد فيه; مُعْرِض ، (28) أبى أن يقول; لا إله إلا الله.20623 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله; ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال; " العنيد عن الحق " ، الذي يعنِدُ عن الطريق ، قال ; والعرب تقول; " شرُّ الأهْل العَنِيد " (29) الذي يخرج عن الطريق.20624 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله; ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ، قال; " الجبّار "; المتجبّر. (30)* * *وكان ابن زيد يقول في معنى قوله; ( واستفتحوا ) ، خلاف قول هؤلاء ، ويقول; إنما استفتحت الأمم ، فأجيبت.20625 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله; ( واستفتحوا ) ، قال; استفتاحهم بالبلاء ، قالوا; اللهم إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم. (31) قال; كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود; فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [سورة الأعراف ; 70 ] قال; فالاستفتاح العذاب ، قال; قيل لهم; إنّ لهذا أجلا ! حين سألوا الله أن ينـزل عليهم ، فقال; " بلْ نُؤخِّرُهُمْ ليَوْم تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَار " . (32) فقالوا; لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة; رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا عَذَابَنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [سورة ص ; 16 ] . وقرأ; وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ حتى بلغ; وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة العنكبوت ; 53 - 55 ] .-----------------------الهوامش ;(20) انظر تفسير " الاستفتاح " فيما سلف 2 ; 254 / 10 ; 405 ، 406 ، ومجاز القرآن 1 ; 337 .(21) انظر تفسير " عنيد " فيما سلف 15 ; 366 ، 367 ، ومجاز القرآن 1 ; 337 .(22) انظر تفسير " جبار " فيما سلف 10 ، 172/11 ; 470 / 15 ; 366 .هذا ، وفي المطبوعة ; " هو جبار بين الجبرية ، والجبروتية ، والجبروة ، والجبروت " زاد في اللغة ما لا نص عليه ، وهو " الجبروتية " ، ونقص واحدة من الخمس " الجبروة " . وكان في المخطوطة مكان " الجبرية " الثانية ; " الجبر ننبه " ، غير منقوطة ، وأساء كتابتها .(23) الأثر ; 20612 - هذا الذي أثبته هو الذي جاء في المخطوطة ، وطابق ما خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 ; 73 ، عن مجاهد ، ونسبه لابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وكان في المطبوعة هنا ." يقول ; استنصروا على أَعدائهم ومعانديهم ، أَي على من عاند عن اتباع الحق وتجنَّبه " .(24) الأثر ; 20616 - هذا إسناد مقحم فيما أرجح ، وإنما هو صدر الإسناد رقم ; 20612 اجتلبته يد الناسخ سهوًا إلى هذا المكان . والله أعلم .(25) الأثر ; 20618 - في هذا الخبر أيضًا زيادة لا أدري كيف جاءت ، فاقتصرت على ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 ; 73 ، عن إبراهيم النخعي ، ونسبه لابن جرير وحده ، والزيادة التي كانت المطبوعة هي ;" أي الحائد عن اتباع طريق الحق"وانظر الخبر التالي ، بلا زيادة أيضًا .(26) الأثر ; 20619 - " مطرف بن بشر " ، لا أدري ما هو ، ولم أجد له ذكرًا في شيء مما بين يدي . وجاء ناشر المطبوعة فجعله " مطرف ، عن بشر " بلا دليل .(27) في المطبوعة ، والدر المنثور 4 ; 73 ; " بعيد عن الحق " ، وأرى الصواب ما في المخطوطة ، انظر ما سلف في تفسير " عنيد " ص ; .. 542 ، 543(28) في المطبوعة ; " معرض عنه " ، كأنه زادها من عنده .(29) في المطبوعة ; " شر الإبل " ، ولا أدري أهو صواب ، أم غيرها الناشر ، ولكني أثبت ما في المخطوطة ، فهو عندي أوثق .(30) في المطبوعة ; " هو المتجبر " ، زاد في الكلام .(31) هذا من تأويل آية سورة الأنفال ; 32 .(32) هو انتزاع من آية سورة إبراهيم ; 42 .
{ وَاسْتَفْتَحُوا } أي: الكفار أي: هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه فجاءهم ما استفتحوا به وإلا فالله حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي: خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الأرض وعاند الرسل وشاقهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة