لِيَجْزِىَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
لِيَجۡزِىَ اللّٰهُ كُلَّ نَفۡسٍ مَّا كَسَبَتۡؕ اِنَّ اللّٰهَ سَرِيۡعُ الۡحِسَابِ
تفسير ميسر:
فَعَل الله ذلك بهم؛ جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا، والله يجازي كل إنسان بما عمل مِن خير أو شر، إن الله سريع الحساب.
وقوله " ليجزي الله كل نفس ما كسبت " أي يوم القيامة " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا " الآية " إن الله سريع الحساب " يحتمل أن يكون كقوله تعالى " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون " ويحتمل أنه في حال محاسبته لعبده سريع النجاز لأنه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه خافية وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم كقوله تعالى " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحده " وهذا معنى قول مجاهد " سريع الحساب " إحصاء ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين والله أعلم.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْأي بما كسبت .إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِمن سرع يسرع - مثل عظم يعظم - سرعا وسرعة ; فهو سريع ." الحساب " ; مصدر كالمحاسبة ; وقد يسمى المحسوب حسابا .والحساب العد ; يقال ; حسب يحسب حسابا وحسابة وحسبانا وحسبانا وحسبا ; أي عد وأنشد ابن الأعرابي ; يا جمل أسقاك بلا حسابه سقيا مليك حسن الربابه قتلتني بالدل والخلابه والحسب ; ما عد من مفاخر المرء .ويقال ; حسبه دينه .ويقال ; ماله ; ومنه الحديث ; الحسب المال والكرم التقوى ) رواه سمرة بن جندب , أخرجه ابن ماجه , وهو في الشهاب أيضا .والرجل حسيب , وقد حسب حسابة ( بالضم ) ; مثل خطب خطابة .والمعنى في الآية ; أن الله سبحانه سريع الحساب , لا يحتاج إلى عد ولا إلى عقد ولا إلى إعمال فكر كما يفعله الحساب ; ولهذا قال وقوله الحق ; " وكفى بنا حاسبين " [ الأنبياء ; 47 ] , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( اللهم منزل الكتاب سريع الحساب ) الحديث .فالله جل وعز عالم بما للعباد وعليهم فلا يحتاج إلى تذكر وتأمل , إذ قد علم ما للمحاسب وعليه ; لأن الفائدة في الحساب علم حقيقته .وقيل ; سريع المجازاة للعباد بأعمالهم وقيل ; المعنى لا يشغله شأن عن شأن , فيحاسبهم في حالة واحدة ; كما قال وقوله الحق ; " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " [ لقمان ; 28 ] .قال الحسن ; حسابه أسرع من لمح البصر ; وفي الخبر ( إن الله يحاسب في قدر حلب شاة ) .وقيل ; هو أنه إذا حاسب واحدا فقد حاسب جميع الخلق .وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ; كيف يحاسب الله العباد في يوم ؟ قال ; كما يرزقهم في يوم .ومعنى الحساب ; تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم , وتذكيره إياهم بما قد نسوه ; بدليل قوله تعالى ; " يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه " [ المجادلة ; 6 ] .وقيل ; معنى الآية سريع بمجيء يوم الحساب ; فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة .قلت ; والكل محتمل فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالأعمال الصالحة ; وإنما يخف الحساب في الآخرة على من حاسب نفسه في الدنيا .
حدثني يونس ، قال ; أخبرنا ابن وهب ، قال ; قال ابن زيد ، في قوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) قال; السرابيل; القُمُص. وقوله ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول; من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث; يقال; قِطران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه. وقيل; إن عيسى بن عمر كان يقرأ " مِنْ قِطْرَانٍ" بكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم;جَــوْنٌ كــأنَّ العَــرَقَ المَنْتُوحـالَبَّسُـــه القِطْـــرَانَ والمُسُــوحا (23)بكسر القاف ، وقال أيضا;كـــأنَّ قِطْرَانـــا إذَا تَلاهَـــاتَــرْمي بِـهِ الـرّيحُ إلـى مَجْرَاهـا (24)بالكسر.وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يعني; الخَصْخَاص هِناء الإبل.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ; ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال; قطران الإبل.وقال بعضهم; القطران; النحاس.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم ، قال ; ثنا الحسين ، قال ; ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال ; قَطران; نحاس ، قال ابن جريج; قال ابن عباس ( مِنْ قَطِرَانٍ ) نحاس.حدّثنا القاسم ، قال ; ثنا الحسين ، قال ; ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال; هي نحاس ، وبهذه القراءة; أعني بفتح القاف وكسر الطاء ، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه.وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك; " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعتِه ، وتوجيه معنى القَطر إلى أنه النحاس ، ومعنى الآن ، إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة.وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا عكرمة مولى ابن عباس ، حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال ; ثنا القاسم ، قال ; ثنا هشيم ، قال ; أخبرنا حُصَين عنه.ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه حدثنا ابن حميد ، قال ; ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; قطر ، والآن; الذي قد انتهى حرّه.حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير نحوه.حدثني المثنى ، قال ; ثنا إسحاق ، قال ; ثنا هشام ، قال ; ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه.حدثني المثنى ، قال ; ثنا إسحاق ، قال ; ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال ; ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ".حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا عفان ، قال ; ثنا المبارك بن فضالة ، قال ; سمعت الحسن يقول; كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه; قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها.حدثني المثنى ، قال ; ثنا إسحاق ، قال ; ثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال ; ثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; القطر; النحاس ، والآن; يقول; قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول; حميمٌ آن.حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا عفان بن مسلم ، قال ; ثنا ثابت بن يزيد ، قال ; ثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في هذه الآية " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; من نحاس ، قال ; آن أنى لهم أن يعذّبوا به.حدثني المثنى ، قال ; ثنا عمرو بن عون ، قال ; أخبرنا هشيم ، عن حُصَين ، عن عكرمة ، في قوله " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; الآني; الذي قد انتهى حرّه.حدثني المثنى ، قال ; ثنا عبد الله بن صالح ، قال ; ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله; " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; هو النحاس المذاب.حدثنا الحسن بن محمد ، قال ; ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" يعني; الصِّفر المذاب.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ; ثنا محمد بن ثور ، عن قتادة " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; من نحاس.حدثني المثنى ، قال ; ثنا إسحاق ، قال ; ثنا هشام ، قال ; ثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ " مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال; من صفر قد انتهى حرّه.وكان الحسن يقرؤها " مِنْ قَطْرٍ آنٍ".وقوله ( وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) يقول; وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ) يقول; فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا ، كيما يثيب كلّ نفس بما كسبت من خير وشرّ ، فيَجْزِي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ( إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) يقول; إن الله عالم بعمل كلّ عامل ، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كفّ ولا معاناة ، وهو سريع حسابه لأعمالهم ، قد أحاط بها علما ، لا يعزب عنه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره.---------------------------الهوامش ;(23) البيت في ( لسان العرب ; نتح ) قال ; النتح ; خروج العرق من الجلد ، والدسم من النحي ، والندي من الثرى . نتح ينتح نتحا ونتوحا . وقال الجوهري ; النتح ; الرشح . ومناتح العرق ; مخارجه من الجلد ، وأنشد ; جون ... الخ . والقطران ( بالفتح وبالكسر وكظربان) ; عصارة الأرز ، وهو الصنوبر ، يطبخ ثم تهنأ به الإبل ، وإنما جعلت سرابيلهم منه ، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود ( عن تاج العروس ). والمسوح ; جمع مسح ، بكسر الميم ، وهو الكساء من الشعر ; جمعه أمساح ومسوح .(24) هذا الشاهد كالذي قبله ، على أن القطران ، بكسر القاف .
{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ } من خير وشر بالعدل والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه. { إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } كقوله تعالى: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } ويحتمل أن معناه: سريع المحاسبة فيحاسب الخلق في ساعة واحدة، كما يرزقهم ويدبرهم بأنواع التدابير في لحظة واحدة لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة