كَذٰلِكَ نَسْلُكُهُۥ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ
كَذٰلِكَ نَسۡلُكُهٗ فِىۡ قُلُوۡبِ الۡمُجۡرِمِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
كما أدخلنا الكفر في قلوب الأمم السابقة بالاستهزاء بالرسل وتكذيبهم، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله وتكذيب رسوله، لا يُصَدِّقون بالذكر الذي أُنزل إليك، وقد مضت سنَّة الأولين بإهلاك الكفار، وهؤلاء مِثْلهم، سَيُهْلك المستمرون منهم على الكفر والتكذيب.
ثم أخبر أنه سلك التكذيب في قلوب المجرمين الذين عاندوا واستكبروا عن اتباع الهدى قال أنس والحسن البصري " كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين " يعني الشرك.
قوله تعالى ; كذلك نسلكه في قلوب المجرمينقوله - تعالى - ; كذلك نسلكه أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك . في قلوب المجرمين من قومك ; عن الحسن وقتادة وغيرهما . أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب مشركي قومك حتى لا يؤمنوا بك ، كما لم يؤمن من قبلهم برسلهم . وروى ابن جريج عن مجاهد قال ; نسلك التكذيب . والسلك ; إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط . يقال ; سلكه يسلكه سلكا وسلوكا ، وأسلكه إسلاكا . وسلك الطريق سلوكا وسلكا وأسلكه دخله ، والشيء في غيره مثله ، والشيء كذلك والرمح ، والخيط في الجوهر ; كله فعل وأفعل . وقال عدي بن زيد ;وقد سلكوك في يوم عصيبوالسلك ( بالكسر ) الخيط . وفي الآية رد على القدرية والمعتزلة . وقيل ; المعنى نسلك القرآن في قلوبهم فيكذبون به . وقال الحسن ومجاهد وقتادة القول الذي عليه أكثر أهل التفسير ، وهو ألزم حجة على المعتزلة . وعن الحسن أيضا ; نسلك الذكر إلزاما للحجة ; ذكره الغزنوي .
يقول تعالى ذكره; كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله ( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) يقول; لا يصدّقون بالذكر الذي أنـزل إليك ، والهاء في قوله ( نَسْلُكُهُ ) من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم.كما حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال; التكذيب.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) لا يؤمنون به، قال; إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الحسن، في قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال; الشرك.حدثني المثنى، قال; ثنا الحجاج بن المنهال، قال; ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال; قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره أجمع على الإثبات، فسألته عن قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال; أعمال سيعملونها لم يعملوها.حدثني المثنى، قال; ثنا سويد، قال; أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، قال; قرأت القرآن كله على الحسن، فما كان يفسره إلا على الإثبات، قال; وقفته على نسلكه، قال; الشرك ، قال; ابن المبارك; سمعت سفيان في قوله ( نَسْلُكُهُ ) قال; نجعله.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) قال; هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الإيمان ، يقال منه; سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، وأسلكه يسلكه إسلاكا، ومن السلوك قول عديّ بن زيد;وكـنْت لِـزَازَ خَـصْمِكَ لَـمْ أعـرّدْوَقَــدْ سَـلَكوكَ فِـي يَـوْم عَصِيـبٍ (4)ومن الإسلاك قول الآخر;حــتى إذَا أسْــلَكُوهُمْ فـي قُتَـائِدَةٍشَـلا كَمـا تَطْـرد الجَمالَـة الشـردَا (5)------------------------الهوامش;(4) البيت لعدي بن زيد العبادي ، وقد تقدم واستشهد المؤلف به عند قوله تعالى في سورة هود "وقال هذا يوم عصيب " فراجعه في الجزء الثاني عشر صفحة 82 . والشاهد فيه هنا ; أنه اشتق سلكوك من المصدر الثلاثي ( السلك ) .(5) البيت لعبد مناف بن ربعي الهذلي ( اللسان ; جمل) استشهد به المؤلف على أن " أسلكوهم " بالهمزة في أوله لغة مثل سلوكهم التي وردت في البيت السابق من شعر عدي بن زيد ، والبيت أيضا في ( خزانة الأدب للبغدادي 3 ; 170 ) شاهد على أن جواب إذا عند الرضى شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر ، والتقدير ; بلغوا أملهم ؛ أو أدركوا ما أحبوا ونحو ذلك ، وقيل فيه وجهان آخران ، قال البغدادي وأسلك ; لغة في سلك ، يقال أسلكت الشيء في الشيء ، مثل سلكته فيه ، بمعنى أدخلته فيه ، وقتائدة ; ثنية ، وقال البكري ; جبل بين المنصرف والروحاء ، والشل ; الطرد ، والجمالة ; فاعلي تطرد ، وهم أصحاب الجمال ، كما يقال الحمارة لأصحاب الحمير ، والشرد ; جمع شرود ، أي من الجمال .
{ كذلك نسلكه } أي: ندخل التكذيب { في قلوب المجرمين } أي: الذين وصفهم لظلم والبهت، عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب، تشابهت معاملتهم لأنبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه
(ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نسلك، والإشارة إلى الاستهزاء والتكذيب، و (اللام) للبعد، و (الكاف) للخطابـ (نسلكه) مضارع مرفوع، والفاعل نحن للتعظيم و (الهاء) ضمير مفعول به ،
(في قلوب) جارّ ومجرور متعلّق بـ (نسلكه) ،
(المجرمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: «نسلكه ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
(لا) نافية
(يؤمنون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعلـ (الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يؤمنون) والباء سببيّة، والضمير عائد على الإشارة ،
(الواو) استئنافيّة
(قد) حرف تحقيق
(خلت) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، و (التاء) للتأنيث
(سنّة) فاعل مرفوع
(الأولين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
وجملة: «لا يؤمنون ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تفسير لـ (نسلكه) - .
وجملة: «خلت سنّة الأولين» لا محلّ لها استئنافيّة.