الرسم العثمانيلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلٰى مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوٰجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
الـرسـم الإمـلائـيلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ اِلٰى مَا مَتَّعۡنَا بِهٖۤ اَزۡوَاجًا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَاخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
لا تنظر بعينيك وتتمنَّ ما مَتَّعْنا به أصنافًا من الكفار مِن مُتَع الدنيا، ولا تحزن على كفرهم، وتواضَعْ للمؤمنين بالله ورسوله.
وقوله " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " أي استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية ومن ههنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " إلى أنه يستغني به عما عداه وهو تفسير صحيح ولكن ليس هو المقصود من الحديث كما تقدم في أول التفسير. وقال ابن أبي حاتم; ذكر عن وكيع بن الجراح حدثنا موسى بن عبيدة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي رافع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال ضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيف ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود " يقول لك محمد رسول الله أسلفني دقيقا إلى هلال رجب " قال لا إلا برهن فأتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبرته فقال " أما والله إنى لأمين من في السماء وأمين من في الأرض ولئن أسلفني أو باعني لأؤدين إليه " فلما خرجت من عنده نزلت هذه الآية " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا " إلى آخر الآية كأنه يعزيه عن الدنيا. قال العوفي عن ابن عباس " لا تمدن عينيك " قال نهى الرجل أن يتمنى ما لصاحبه. وقال مجاهد " إلى ما متعنا به أزواجا منهم " هم الأغنياء. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين أي ألن لهم جانبك كقول " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ".
قوله تعالى ; لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين فيه مسألتان ; الأولى ; قوله - تعالى - ; لا تمدن عينيك المعنى ; قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس ; فإنه ليس منا من لم يتغن بالقرآن ; أي ليس منا من رأى أنه ليس يغنى بما عنده من القرآن حتى يطمح بصره إلى زخارف الدنيا وعنده معارف المولى . يقال ; إنه وافى سبع قوافل من البصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد ، فيها البر والطيب والجوهر وأمتعة البحر ، فقال المسلمون ; لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله ، فأنزل الله - تعالى - ; ولقد آتيناك سبعا من المثاني أي فهي خير لكم من القوافل السبع ، فلا تمدن أعينكم إليها . وإلى هذا صار ابن عيينة ، وأورد قوله - عليه السلام - ; ليس منا من لم يتغن [ ص; 52 ] بالقرآن أي من لم يستغن به . وقد تقدم هذا المعنى في أول الكتاب . أزواجا منهم أي أمثالا في النعم ، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى ، فهم أزواج .الثانية ; هذه الآية تقتضي الزجر عن التشوف إلى متاع الدنيا على الدوام ، وإقبال العبد على عبادة مولاه . ومثله ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه الآية . وليس كذلك ; فإنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ; حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة . وكان - عليه الصلاة والسلام - يتشاغل بالنساء ، جبلة الآدمية وتشوف الخلقة الإنسانية ، ويحافظ على الطيب ، ولا تقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى . ويرى أن مناجاته أحرى من ذلك وأولى . ولم يكن في دين محمد الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى ، وإنما شرع الله سبحانه حنيفية سمحة خالصة عن الحرج خفيفة على الآدمي ، يأخذ من الآدمية بشهواتها ويرجع إلى الله بقلب سليم . ورأى القراء والمخلصون من الفضلاء الانكفاف عن اللذات والخلوص لرب الأرض والسماوات اليوم أولى ; لما غلب على الدنيا من الحرام ، واضطر العبد في المعاش إلى مخالطة من لا تجوز مخالطته ومصانعة من تحرم مصانعته ، فكانت القراءة أفضل ، والفرار عن الدنيا أصوب للعبد وأعدل ; قال - صلى الله عليه وسلم - ; يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن .قوله تعالى ; ولا تحزن عليهم أي ولا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا . وقيل ; المعنى لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الآخرة أفضل منه . وقيل ; لا تحزن عليهم إن صاروا إلى العذاب فهم أهل العذاب .واخفض جناحك للمؤمنين أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم . وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على [ ص; 53 ] الفرخ ، فجعل ذلك وصفا لتقريب الإنسان أتباعه . ويقال ; فلان خافض الجناح ، أي وقور ساكن . والجناحان من ابن آدم جانباه ; ومنه واضمم يدك إلى جناحك وجناح الطائر يده . وقال الشاعر ;وحسبك فتية لزعيم قوم يمد على أخي سقم جناحاأي تواضعا ولينا .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; لا تتمنينّ يا محمد ما جعلنا من زينة هذه الدنيا متاعا للأغنياء من قومك ، الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، يتمتعون فيها، فإن مِنْ ورائهم عذابًا غليظًا( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) يقول; ولا تحزن على ما مُتعوا به فعجّل لهم. فإن لك في الآخرة ما هو خير منه، مع الذي قد عَجَّلنا لك في الدنيا من الكرامة بإعطائنا السبع المثاني والقرآن العظيم ، يقال منه; مَدَّ فلانٌ عينه إلى مال فلان; إذا اشتهاه وتمناه وأراده.وذُكر عن ابن عيينة أنه كان يتأوّل هذه الآية قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم; " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرآن "; أي من لم يستغن به، ويقول; ألا تراه يقول وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال ، قال; ومنه قول الآخر; من أوتي القرآن ، فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظَّم صغيرا وصغَّر عظيما.وبنحو الذي قلنا في قوله ( أزْوَاجًا )قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى، قال; ثنا أبو حذيفة، قال; ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) ; الأغنياء الأمثال الأشباه.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي ، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) قال; نُهِيَ الرجل أن يتمنى مال صاحبه.وقوله ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; وألِن لمن آمن بك ، واتبعك واتبع كلامك، وقرِّبهم منك، ولا تجف بهم، ولا تَغْلُظ عليهم ، يأمره تعالى ذكره بالرفق بالمؤمنين ، والجناحان من بني آدم; جنباه، والجناحان; الناحيتان، ومنه قول الله تعالى ذكره وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ قيل; معناه; إلى ناحيتك وجنبك.
{ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم، { ولا تحزن عليهم } فإنهم لا خير فيهم يرجى، ولا نفع يرتقب، فلك في المؤمنين عنهم أحسن البدل وأفضل العوض، { واخفض جناحك للمؤمنين } أي: ألن لهم جانبك، وحسِّن لهم خلقك، محبة وإكراما وتودُّدا
(لا) ناهية
(تمدّن) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم..
و (النون) للتوكيد، والفاعل أنت
(عينيك) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء و (الكاف) مضاف إليه
(إلى) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (تمدّن)
(متّعنا) فعل ماض وفاعله
(الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (متّعنا) ،
(أزواجا) مفعول به منصوبـ (من) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بنعت لـ (أزواجا) ،
(الواو) عاطفة
(لا) مثل الأولى
(تحزن) مضارع مجزوم، والفاعل أنت
(عليهم) مثل منهم متعلّق بـ (تحزن) ،
(الواو) عاطفة
(اخفض) فعل أمر، والفاعل أنت
(جناحك) مفعول به منصوب.. و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(للمؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اخفض) .
جملة: «لا تمدّنّ ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «متّعنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «لا تحزن ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تمدّنّ.
وجملة: «اخفض ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تمدّنّ.
(الواو) عاطفة
(قل) مثل اخفض
(إنّي) حرف مشبّه بالفعل.. و (الياء)ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(أنا) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ ،
(النذير) خبر المبتدأ أنا مرفوع
(المبين) خبر ثان مرفوع.
وجملة: «قل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تمدّنّ.
وجملة: «إنّي أنا النذير ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أنا النذير ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
- القرآن الكريم - الحجر١٥ :٨٨
Al-Hijr15:88