الرسم العثمانيوَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدٰىكُمْ أَجْمَعِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَعَلَى اللّٰهِ قَصۡدُ السَّبِيۡلِ وَمِنۡهَا جَآٮِٕرٌؕ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدٰٮكُمۡ اَجۡمَعِيۡنَ
تفسير ميسر:
وعلى الله بيان الطريق المستقيم لِهدايتكم، وهو الإسلام، ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية، وهو كل ما خالف الإسلام من الملل والنحل. ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميعًا للإيمان.
لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية نبه على الطرق المعنوية الدينية وكثيرا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية كقوله تعالى "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وقال تعالى "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير" ولما ذكر تعالى في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه فقال "وعلى الله قصد السبيل" كقوله "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" وقال "قال هذا صراط علي مستقيم" فال مجاهد في قوله "وعلى الله قصد السبيل" قال طريق الحق على الله وقال السدي "وعلى الله قصد السبيل" الإسلام وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "وعلى الله قصد السبيل" يقول وعلى الله البيان أي يبين الهدى والضلالة وكذا روى علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال قتادة والضحاك وقول مجاهد ههنا أقوى من حيث السياق لأنه تعالى أخبر أن ثَمَّ طرقا تسلك إليه فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق وهي الطريق التي شرعها ورضيها وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة ولهذا قال تعالى "ومنها جائر" أي حائد مائل زائغ عن الحق قال ابن عباس وغيره; هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية وقرأ ابن مسعود "ومنكم جائر" ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال "ولو شاء لهداكم أجمعين" كما قال تعالى "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا" وقال "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين".
قوله تعالى ; وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين [ ص; 75 ] قوله تعالى ; وعلى الله قصد السبيل أي على الله بيان قصد السبيل ، فحذف المضاف وهو البيان . والسبيل ; الإسلام ، أي على الله بيانه بالرسل والحجج والبراهين . وقصد السبيل ; استعانة الطريق ; يقال ; طريق قاصد أي يؤدي إلى المطلوب .ومنها جائر أي ومن السبيل جائر ; أي عادل عن الحق فلا يهتدى به ; ومنه قول امرئ القيس ;ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل ومنه ذو دخلوقال طرفة ;عدولية أو من سفين ابن يامن يجور بها الملاح طورا ويهتديالعدولية سفينة منسوبة إلى عدولى قرية بالبحرين . والعدولي ; الملاح ; قاله في الصحاح . وفي التنزيل وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل . وقد تقدم وقيل ; المعنى ومنهم جائر عن سبيل الحق ، أي عادل عنه فلا يهتدي إليه . وفيهم قولان ; أحدهما ; أنهم أهل الأهواء المختلفة ; قاله ابن عباس . الثاني ; ملل الكفر من اليهودية والمجوسية والنصرانية . وفي مصحف عبد الله " ومنكم جائر " وكذا قرأ علي " ومنكم " بالكاف . وقيل ; المعنى وعنها جائر ; أي عن السبيل . ف " من " بمعنى عن . وقال ابن عباس ; أي من أراد الله أن يهديه سهل له طريق الإيمان ، ومن أراد أن يضله ثقل عليه الإيمان وفروعه . وقيل ; معنى قصد السبيل مسيركم ورجوعكم . والسبيل واحدة بمعنى الجمع ، ولذلك أنث الكناية فقال ; ومنها والسبيل مؤنثة في لغةأهل الحجاز .قوله تعالى ; ولو شاء لهداكم أجمعين بين أن المشيئة لله - تعالى - ، وهو يصحح ما ذهب إليه ابن عباس في تأويل الآية ، ويرد على القدرية ومن وافقها كما تقدم .
يقول تعالى ذكره; وعلى الله أيها الناس بيان طريق الحقّ لكم، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها ، والسبيل; هي الطريق، والقصد من الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، كما قال الراجز;فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الطَّرِيقِ القاصِدِ (3)وقوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني تعالى ذكره; ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوجّ، فالقاصد من السبيل; الإسلام، والجائر منها; اليهودية والنصرانية ، وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها، سوى الحنيفية المسلمة ، وقيل; ومنها جائر، لأن السبيل يؤنث ويذكر، فأنثت في هذا الموضع ، وقد كان بعضهم يقول; وإنما قيل; ومنها ، لأن السبيل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الجمع.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني المثنى، قال; أخبرنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول; البيان.حدثنا محمد بن سعد ، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول; على الله البيان، أن يبين الهدى والضلالة.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن. قال; ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال; أخبرنا أبو حذيفة، قال; ثنا شبل وحدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال; ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال; طريق الحقّ على الله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول; على الله البيان، بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال; السبيل; طريق الهدى.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال; إنارتها.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول; على الله البيان، يبين الهدى من الضلالة، ويبين السبيل التي تفرّقت عن سبله، ومنها جائر.حدثنا بشر ، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) ; أي من السبل، سبل الشيطان ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود; " وَمِنْكُمْ جَائِرٌ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ".حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر ، عن قتادة ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) قال; في حرف ابن مسعود; " وَمِنْكُمْ جَائِرٌ".حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني; السبل المتفرّقة.حدثني عليّ بن داود، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يقول; الأهواء المختلفة.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني السبل التي تفرّقت عن سبيله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) السبل المتفرقة عن سبيله.حدثنا يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) قال; من السبل جائر عن الحقّ قال; قال الله وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِوقوله ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) يقول; ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفيقه، فكنتم تهتدون وتلزمون قصد السبيل ، ولا تجورون عنه ، فتتفرّقون في سبل عن الحقّ جائرة.كما حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) قال; لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبيل ، الذي هو الحقّ ، وقرأ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا الآية، وقرأ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ... الآية.------------------------الهوامش;(3) البيت شاهد على أن الطريق القاصد معناه ; المستقيم . قال في اللسان ; القصد ; استقامة الطريق ، قصد يقصد قصدا فهو قاصد ، وقوله تعالى ; ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ) أي على الله تبيين الطريق المستقيم ، والدعاء بالحجج والبراهين الواضحة . " ومنها جائر " أي ومنها طريق غير قاصد .وطريق قاصد ; سهل مستقيم .
{ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } أي: الصراط المستقيم، الذي هو أقرب الطرق وأخصرها موصل إلى الله. وأما الطريق الجائر في عقائده وأعماله وهو: كل ما خالف الصراط المستقيم فهو قاطع عن الله، موصل إلى دار الشقاء، فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم، وضل الغاوون عنه، وسلكوا الطرق الجائرة { وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ولكنه هدى بعضا كرما وفضلا، ولم يهد آخرين، حكمة منه وعدلا.
(الواو) استئنافيّة
(على الله) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(قصد) مبتدأ مؤخّر على حذف مضاف أي بيان قصد السبيلـ (السبيل) مضاف إليه مجرور
(الواو) اعتراضيّة
(من) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم
(جائر) مبتدأ مؤخّر مرفوع، وهو في الأصل نعت لمنعوت محذوف أي سبيل جائر
(الواو) عاطفة
(لو) حرف شرط غير جازم
(شاء) فعل ماض، والفاعل هو ومفعوله محذوف أي هدايتكم
(اللام) واقعة في جواب لو (هداكم) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف.. و (كم) ضمير مفعول به، والفاعل هو (أجمعين) توكيد لضمير الخطاب في(هداكم) ، منصوب وعلامة النصب الياء .جملة: «على الله قصد ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «منها جائر ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «شاء ... » لا محلّ لها معطوفة على استئنافيّة.
وجملة: «هداكم ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم
- القرآن الكريم - النحل١٦ :٩
An-Nahl16:9