الرسم العثمانيوَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْءَاخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذَا قَرَاۡتَ الۡقُرۡاٰنَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ الَّذِيۡنَ لَا يُؤۡمِنُوۡنَ بِالۡاٰخِرَةِ حِجَابًا مَّسۡتُوۡرًا
تفسير ميسر:
وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلاء المشركون، جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا ساترًا يحجب عقولهم عن فَهْمِ القرآن؛ عقابًا لهم على كفرهم وإنكارهم.
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم "وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا". قال قتادة وابن زيد هو الأكنة على قلوبهم كما قال تعالى "وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب" أي مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء وقوله "حجابا مستورا" بمعنى ساتر كميمون ومشئوم بمعنى يامن وشائم لأنه من يمنهم وشؤمهم وقيل مستورا عن الأبصار فلا تراه وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى ومال إلى ترجيحه ابن جرير رحمه الله وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الوليد بن كثير عن يزيد بن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول; مذمما أتينا - أو أبينا - قال أبو موسى الشك مني ودينه قلينا وأمره عصينا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر رضي الله عنه لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال "إنها لن تراني" وقرأ قرآنا اعتصم به منها "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا" قال فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فانصرفت وهى تقول لقد علمت قريش أني بنت سيدها.
قوله تعالى ; وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قالت ; لما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول ;مذمما عصينا وأمره أبيناودينه قليناوالنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد في المسجد ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ; فلما رآها أبو بكر قال ; يا رسول الله ، لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال . وقرأ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا . فوقفت على أبي بكر - رضي الله عنه - ولم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت ; يا أبا بكر ، أخبرت أن صاحبك هجاني ! فقال ; لا ورب هذا البيت ما هجاك . قال ; فولت وهي تقول ; قد علمت قريش أني ابنة سيدها . وقال سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ; لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، فقال أبو بكر ; لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك ، فإنها امرأة بذية . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إنه سيحال بيني وبينها فلم تره . فقالت لأبي بكر ; يا أبا بكر ، هجانا صاحبك ! فقال ; والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله . فقالت ; وإني لمصدقة ; فاندفعت راجعة . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - ; يا رسول الله ، أما رأتك ؟ قال ; لا ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت . وقال كعب - رضي الله عنه - في هذه الآية ; كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستتر من المشركين بثلاث آيات ; الآية التي في الكهف إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، والآية في النحل أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، والآية التي في الجاثية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة الآية . فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأهن يستتر من المشركين . قال كعب - رضي الله تعالى عنه - ; فحدثت بهن رجلا من أهل الشام ، فأتى أرض الروم فأقام بها زمانا ، ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه . قالالثعلبي ; وهذا الذي يروونه عن [ ص; 243 ] كعب حدثت به رجلا من أهل الري فأسر بالديلم ، فمكث زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه .قلت ; ويزاد إلى هذه الآي أول سورة يس إلى قوله فهم لا يبصرون . فإن في السيرة في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقام علي - رضي الله عنه - في فراشه قال ; وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ حفنة من تراب في يده ، وأخذ الله - عز وجل - على أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس ; يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم - إلى قوله - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب .قلت ; ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا . وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه ، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء ، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن ; فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر ; هذا ديبلة ; يعنون شيطانا . وأعمى الله - عز وجل - أبصارهم فلم يروني ، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك .وقيل ; الحجاب المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة ; قاله قتادة . وقال الحسن ; أي أنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيته لك حتى كأن على قلوبهم أغطية . وقيل ; نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ القرآن ، وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل أمرأة أبي لهب وحويطب ; فحجب الله - سبحانه وتعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يمرون به ولا يرونه ; قاله الزجاج وغيره . وهو معنى القول الأول بعينه ، وهو الأظهر في الآية ، والله أعلم . وقوله ; مستورا فيه قولان ; أحدهما - أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه . والثاني ; أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ; ويكون مستورا به بمعنى ساتر .
يقول تعالى ذكره; وإذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرّون بالثواب والعقاب، جعلنا بينك وبينهم حجابا، يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم، فينتفعوا به، عقوبة منا لهم على كفرهم. والحجاب ههنا; هو الساتر.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.حدثنا محمد، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (حِجَابًا مَسْتُورًا) قال; هي الأكنة.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) قال; قال أُبيّ; لا يفقهونه، وقرأ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ لا يخلص ذلك إليهم.وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول; معنى قوله (حِجابًا مَسْتُورًا) حِجابا ساترا، ولكنه أخرج وهو فاعل في لفظ المفعول، كما يقال; إنك مشئوم علينا وميمون، وإنما هو شائم ويامن، لأنه من شأمهم ويمنهم. قال; والحجاب ههنا; هو الساتر، وقال; مستورا. وكان غيره من أهل العربية يقول; معنى ذلك; حجابا مستورا عن العباد فلا يرونه.وهذا القول الثاني أظهر بمعنى الكلام أن يكون المستور هو الحجاب، فيكون معناه; أن لله سترا عن أبصار الناس فلا تدركه أبصارهم، وإن كان للقول الأوّل وجه مفهوم.
يخبر تعالى عن عقوبته للمكذبين بالحق الذين ردوه وأعرضوا عنه أنه يحول بينهم وبين الإيمان فقال: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } الذي فيه الوعظ والتذكير والهدى والإيمان والخير والعلم الكثير. { جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } يسترهم عن فهمه حقيقة وعن التحقق بحقائقه والانقياد إلى ما يدعو إليه من الخير.
(الواو) استئنافيّة
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجوابـ (قرأت) فعل ماض وفاعله
(القرآن) مفعول به منصوبـ (جعلنا) فعل ماض وفاعله
(بينك) ظرف منصوب متعلّق بفعل جعلنا بتضمينه معنى وضعنا .. و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(بين) مثل الأول ومعطوف عليه
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(لا) نافية
(يؤمنون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعلـ (حجابا) مفعول به منصوبـ (مستورا) نعت لحجاب منصوب.
جملة: «قرأت القرآن ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «جعلنا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «لا يؤمنون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) 46-
(الواو) عاطفة
(جعلنا) مثل الأولـ (على قلوبهم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (جعلنا) .. و (هم) ضمير مضاف إليه
(أكنّة) مفعول به منصوبـ (أن) حرف مصدريّ ونصبـ (يفقهوه) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. و (الواو) فاعل، و (الهاء) مفعول به
(الواو) عاطفة
(في آذانهم وقرا) مثل على قلوبهم أكنّة ومعطوف عليه.
والمصدر المؤوّلـ (أن يفقهوه) في محلّ نصب مفعول لأجله بحذف مضاف أي خشية أن يفقهوه أو كراهة أن..
(الواو) عاطفة
(إذا ذكرت ربّك) مثل إذا قرأت القرآن.. و (الكاف) مضاف إليه
(في القرآن) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ذكرت) ،
(وحده) حال منصوب من ربّك.. و (الهاء) مضاف إليه
(ولّوا) مثل ابتغوا ،
(على أدبارهم) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل ولّوا.. و (هم) مثل الأولـ (نفورا) مصدر في موضع الحال منصوب.
وجملة: «جعلنا على قلوبهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جعلنا بينك..
وجملة: «يفقهوه ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) وجملة: «ذكرت ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «ولّوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم
- القرآن الكريم - الإسراء١٧ :٤٥
Al-Isra'17:45