الرسم العثمانيوَوُضِعَ الْكِتٰبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هٰذَا الْكِتٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصٰىهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
الـرسـم الإمـلائـيوَوُضِعَ الۡكِتٰبُ فَتَرَى الۡمُجۡرِمِيۡنَ مُشۡفِقِيۡنَ مِمَّا فِيۡهِ وَ يَقُوۡلُوۡنَ يٰوَيۡلَـتَـنَا مَالِ هٰذَا الۡـكِتٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيۡرَةً وَّلَا كَبِيۡرَةً اِلَّاۤ اَحۡصٰٮهَا ۚ وَوَجَدُوۡا مَا عَمِلُوۡا حَاضِرًا ؕ وَ لَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ اَحَدًا
تفسير ميسر:
ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم، ويقولون حين يعاينونه; يا هلاكنا! ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة مِن أفعالنا ولا كبيرة إلا أثبتها؟! ووجدوا كل ما عملوه في الدنيا حاضرًا مثبتًا. ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه.
وقوله ووضع الكتاب أي كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والصغير والكبير " فترى المجرمين مشفقين مما فيه " أي من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة ويقولون يا ويلتنا أي يا حسرتنا و ويلنا على ما فرط في أعمارنا " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " أي لا يترك ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا عملاوإن صغر إلا أحصاها أي ضبطها وحفظها.وروى الطبراني بإسناده المتقدم في الآية قبلها إلى سعد ابن جنادة قال; لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين نزلنا قفرًا من الأرض ليس فيه شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اجمعوا من وجد عودًا فليأت به ومن وجد حطبًا أو شيئًا فليأت به "قال فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركامًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أترون هذا ؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة فإنها محصاة عليه ".وقوله " ووجدوا ما عملوا حاضرًا " أي من خير وشر كما قال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا " الآية وقال تعالى " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " وقال تعالى " يوم تبلى السرائر " أي تظهر المخبآت والضمائر قال الإمام أحمد; حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به "أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ " يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته يقال هذه غدرة فلان بن فلان " وقوله ولا يظلم ربك أحدا أي فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعًا ولا يظلم أحدًا من خلقه بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ثم ينجي أصحاب المعاصي ويخلد فيها الكافرين وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم قال تعالى " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها " الآية وقال " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا- إلى قوله - حاسبين " والآيات في هذا كثيرة وقال الإمام أحمد; حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبدالله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبدالله يقول; بلغني حديث عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرًا ثم شددت عليه رحلا فسرت عليه شهرًا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبدالله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبدالله; قلت نعم فخرج يطأ ثوبه قاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الله عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال العباد- عراة غرلا بهما "قلت وما بهما ؟ قال " ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بُعْدٍ كما يسمعه من قرب; أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه حتى اللطمة قال; قلنا كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما ؟ قال " بالحسنات والسيئات "وعن شعبة عن العوام بن مزاحم عن أبي عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة "رواه عبدالله بن الإمام أحمد وله شواهد من وجوه أخر وقد ذكرناها عند قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا " وعند قوله تعالى " إلا أمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ".
قوله تعالى ; ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا قوله تعالى ; ووضع الكتاب الكتاب اسم جنس ، وفيه وجهان ; أحدهما ; أنها كتب الأعمال في أيدي العباد ; قاله مقاتل . الثاني ; أنه وضع الحساب ; قاله الكلبي ، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة . والقول الأول أظهر ; ذكره ابن المبارك قال ; أخبرنا الحكم أو أبو الحكم - شك نعيم - عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن رجل من بني أسد قال ; قال عمر لكعب ; ويحك يا كعب حدثنا من حديث الآخرة ; قال ; نعم يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة رفع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق إلا وهو ينظر إلى عمله - قال - ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال العباد فتنثر حول العرش ، وذلك قوله - تعالى - ; ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قال الأسدي ; الصغيرة ما دون الشرك ; والكبيرة الشرك ، إلا أحصاها - قال كعب ; ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه فإذا حسناته باديات للناس [ ص; 374 ] وهو يقرأ سيئاته لكيلا يقول كانت لي حسنات فلم تذكر فأحب الله أن يريه عمله كله حتى إذا استنقص ما في الكتاب وجد في آخر ذلك كله أنه مغفور وأنك من أهل الجنة ; فعند ذلك يقبل إلى أصحابه ثم يقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ثم يدعى بالكافر فيعطى كتابه بشماله ثم يلف فيجعل من وراء ظهره ويلوى عنقه ; فذلك قوله وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فينظر في كتابه فإذا سيئاته باديات للناس وينظر في حسناته لكيلا يقول أفأثاب على السيئات . وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول ; يا ويلتاه ضجوا إلى الله - تعالى - من الصغائر قبل الكبائر . قال ابن عباس ; الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك ; يعني ما كان من ذلك في معصية الله - عز وجل - ; ذكره الثعلبي . وحكى الماوردي عن ابن عباس أن الصغيرة الضحك .قلت ; فيحتمل أن يكون صغيرة إذا لم يكن في معصية ، فإن الضحك من المعصية رضا بها والرضا بالمعصية معصية ، وعلى هذا تكون كبيرة ، فيكون وجه الجمع هذا والله أعلم . أو يحمل الضحك فيما ذكر الماوردي على التبسم ، وقد قال - تعالى - ; فتبسم ضاحكا من قولها . وقال سعيد بن جبير ; إن الصغائر اللمم كالمسيس والقبل ، والكبيرة المواقعة والزنا . وقد مضى في " النساء " بيان هذا . قال قتادة ; اشتكى القوم الإحصاء وما اشتكى أحد ظلما ، فإياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه . وقد مضى . ومعنى أحصاها عدها وأحاط بها ; وأضيف الإحصاء إلى الكتاب توسعا .أحصاها ووجدوا ما عملوا أي وجدوا إحصاء ما عملوا حاضرا وقيل ; وجدوا جزاء ما عملوا حاضرا .حاضرا ولا يظلم ربك أي لا يأخذ أحدا بجرم أحد ، ولا يأخذه بما لم يعمله ; قاله الضحاك . وقيل ; لا ينقص طائعا من ثوابه ولا يزيد عاصيا في عقابه .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)يقول عزّ ذكره; ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله ( فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ) يقول عزّ ذكره; فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين، يقول; خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) يعني أنهم يقولون إذا قرءوا كتابهم، ورأوا ما قد كُتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله، وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم، ولم يقدروا أن ينكروا صحتها .كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحد ظلما، فإياكم والمحقَّرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه ، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلا يقول كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نـزلوا بفلاة من الأرض، وحضر صنيع القوم، فانطلق كلّ رجل يحتطب، فجعل الرجل يجيء بالعود، ويجيء الآخر بالعود، حتى جمعوا سوادا كثيرا وأجَّجوا نارا، فإن الذنب الصغير ، يجتمع على صاحبه حتى يهلكه ، وقيل; إنه عنى بالصغيرة في هذا الموضوع; الضحك.* ذكر من قال ذلك;حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال; ثنا عبد الله بن داود، قال; ثنا محمد بن موسى، عن الزيال بن عمرو، عن ابن عباس ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) قال; الضحك.حدثنا أحمد بن حازم، قال; ثنا أبي، قال; حدثتني أمي حمادة ابنة محمد، قالت; سمعت أبي محمد بن عبد الرحمن يقول في هذه الآية في قول الله عزّ وجلّ; ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) قال; الصغيرة; الضحك.ويعني بقوله; ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ) ; ما شأن هذا الكتاب ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) يقول; لا يبقي صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرة منها( إِلا أَحْصَاهَا ) يقول; إلا حفظها( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا ) في الدنيا من عمل (حَاضِرًا) في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا، فجوزوا بالسيئة مثلها، والحسنة ما الله جازيهم بها( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) يقول; ولا يجازي ربك أحدا يا محمد بغير ما هو أهله، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة، وذلك هو العدل.
فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة الكرام فتطير لها القلوب، وتعظم من وقعها الكروب، وتكاد لها الصم الصلاب تذوب، ويشفق منها المجرمون، فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم، محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم، قالوا: { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } أي: لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار، { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } لا يقدرون على إنكاره { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } فحينئذ يجازون بها، ويقررون بها، ويخزون، ويحق عليهم العذاب، ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد، بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٤٩
Al-Kahf18:49