فَقُلْنَا يٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقٰىٓ
فَقُلۡنَا يٰۤاٰدَمُ اِنَّ هٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ الۡجَـنَّةِ فَتَشۡقٰى
تفسير ميسر:
فقلنا; يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك، فاحذرا منه، ولا تطيعاه بمعصيتي، فيخرجكما من الجنة، فتشقى إذا أُخرجت منها.
"فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" يعني حواء عليهما السلام "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" أي إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك فإنك ههنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة.
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة نهي ؛ ومجازه ; لا [ ص; 165 ] تقبلا منه فيكون ذلك سببا لخروجكما من الجنة فتشقى يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد ؛ ولم يقل ; فتشقيا لأن المعنى معروف ، وآدم - عليه السلام - هو المخاطب ، وهو المقصود . وأيضا لما كان الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص . وقيل ; الإخراج واقع عليهما والشقاوة على آدم وحده ، وهو شقاوة البدن ؛ ألا ترى أنه عقبه بقوله ; إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى أي في الجنة وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فأعلمه أن له في الجنة هذا كله ; الكسوة والطعام والشراب والمسكن ؛ وأنك إن ضيعت الوصية ، وأطعت العدو أخرجكما من الجنة فشقيت تعبا ونصبا ، أي جعت وعريت وظمئت وأصابتك الشمس ؛ لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة . وإنما خصه بذكر الشقاء ولم يقل فتشقيان ; يعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج ؛ فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج ، فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية . وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة ; الطعام والشراب والكسوة والمسكن ؛ فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها ؛ فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور ، فأما هذه الأربعة فلا بد لها منها ؛ لأن بها إقامة المهجة . قال الحسن المراد بقوله ; فتشقى شقاء الدنيا ، لا يرى ابن آدم إلا ناصبا . وقال الفراء هو أن يأكل من كد يديه . وقال سعيد بن جبير ; أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق عن جبينه ، فهو شقاؤه الذي قال الله تبارك وتعالى . وقيل ; لما أهبط من الجنة كان من أول شقائه أن جبريل أنزل عليه حبات من الجنة ؛ فقال يا آدم ازرع هذا ، فحرث وزرع ، ثم حصد ثم درس ثم نقى ثم طحن ثم عجن ثم خبز ، ثم جلس ليأكل بعد التعب ؛ فتدحرج رغيفه من يده حتى صار أسفل الجبل ، وجرى وراءه آدم حتى تعب وقد عرق جبينه ، قال يا آدم فكذلك رزقك بالتعب والشقاء ، ورزق ولدك من بعدك ما كنت في الدنيا .
( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ) ولذلك من شنآنه لم يسجد لك، وخالف أمري في ذلك وعصاني، فلا تطيعاه فيما يأمركما به، فيخرجكما بمعصيتكما ربكما، وطاعتكما له ( مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) يقول; فيكون عيشك من كدّ يدك، فذلك شقاؤه الذي حذّره ربه.كما حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال; أهبط إلى آدم ثور أحمر، فكان يحرث عليه، ويمسح العرق من جبينه، فهو الذي قال الله تعالى ذكره ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) فكان ذلك شقاؤه ، وقال تعالى ذكره (فَتَشْقَى) ولم يقل; فتشقيا، وقد قال; ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا ) لأن ابتداء الخطاب من الله كان لآدم عليه السلام، فكان في إعلامه العقوبة على معصيته إياه، فيما نهاه عنه من أكل الشجرة الكفاية من ذكر المرأة، إذ كان معلوما أن حكمها في ذلك حكمه. كما قال عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ اجتزئ بمعرفة السامعين معناه من ذكر فعل صاحبه.
فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال { لَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } إذا أخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهني، والراحة التامة.
(الفاء) استئنافيّة
(آدم) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصبـ (لك) متعلّق بنعت لـ (عدوّ) ،
(لزوجك) مثل لك فهو معطوف عليه
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(لا) ناهية جازمة
(يخرجنّكما) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم.. و (النون) نون التوكيد، و (كما) ضمير مفعول به، والفاعل هو (من الجنّة) متعلّق بـ (يخرجنّ) ،
(الفاء) فاء السببيّة
(تشقى) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف، والفاعل أنت. والمصدر المؤولـ (أن تشقى..) في محلّ رفع معطوف على مصدر مأخوذ من النهي السابق أي: لا يكن إخراج منه لكما فشقاء لك.
جملة: «قلنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يا آدم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «إنّ هذا عدوّ ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «لا يخرجنّكما..» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن عرفتما عداوته فلا يخرجنّكما أي لا تمكّناه من أسباب إخراجكما.
وجملة: «تشقى ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
118-
(لك) متعلّق بمحذوف خبر إنّ
(فيها) متعلّق بـ (تجوع) ،
(تعرى) مضارع منصوب معطوف على
(تجوع) .
والمصدر المؤوّلـ (ألّا تجوع ... ) في محلّ نصب اسم إنّ.
وجملة: «إنّ لك أن.. تجوع ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول السابق.
وجملة: «تجوع ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «تعرى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة صلة الموصول الحرفيّ.
119-
(فيها) الثاني متعلّق بـ (تظمأ) ،
(تضحى) مضارع مرفوع معطوف، على
(تظمأ) ، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة.والمصدر المؤوّلـ (أنّك لا تظمأ..) في محلّ نصب معطوف على المصدر المؤوّل السابق اسم إنّ.
وجملة: «لا تظمأ ... » في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: «لا تضحى ... » في محلّ رفع معطوف على جملة لا تظمأ.