الرسم العثمانيفَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشٰى
الـرسـم الإمـلائـيفَقُوۡلَا لَهٗ قَوۡلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهٗ يَتَذَكَّرُ اَوۡ يَخۡشٰى
تفسير ميسر:
اذهب - يا موسى - أنت وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي وصدق رسالتك، ولا تَضْعُفا عن مداومة ذكري. اذهبا معًا إلى فرعون؛ إنه قد جاوز الحد في الكفر والظلم، فقولا له قولا لطيفًا؛ لعله يتذكر أو يخاف ربه.
"فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" هذه الآية فيها عبرة عظيمة وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الرقاشي عند قوله فقولا له قوله لينا. يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟ وقال وهب بن منبه قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة وعن عكرمة في قوله فقولا له قولا لينا قال لا إله إلا الله وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري فقولا له قولا لينا أعذرا إليه قولا له إن لك ربا ولك معادا لأن بين يديك جنة ونارا ; وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي فى قوله فقولا له قولا لينا قال كنه وكذا روى عن سفيان الثوري كنه بأبي مرة والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع كما قال تعالى" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقوله" لعله يتذكر أو يخشى" أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه كما قال تعالى "لمن أراد أن يذكر" أو يخشى فالتذكر الرجوع عن المحذور والخشية تحصيل الطاعة وقال الحسن البصري "لعله يتذكر أو يخشى" يقول; لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ; وههنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق. وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له فاذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذى كان باغيا فقولا له هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا وقولا له آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذن بك بانيا وقولا له آأنت سويت وسطها منيرا إذا ما جنه الليل هاديا قـولا له من يخرج الشمس بكرة فيصبح مامست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رءوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
في قوله تعالى ; فقولا له قولا لينا دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة ، وضمنت له العصمة ، ألا تراه قال ; فقولا له قولا لينا وقال ; لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فكيف بنا فنحن أولى بذلك . وحينئذ يحصل الآمر والناهي على مرغوبه ، ويظفر بمطلوبه ؛ وهذا واضح .واختلف الناس في معنى قوله ; لينا فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة ; معناه كنياه ؛ وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي . ثم قيل ; وكنيته أبو العباس . وقيل ; أبو الوليد . وقيل ; أبو مرة ؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه . وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه ، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لصفوان بن أمية ; انزل أبا وهب فكناه . وقال لسعد ; ألم تسمع ما يقول أبو حباب يعني عبد الله بن أبي . وروي في الإسرائيليات أن موسى - عليه السلام - قام على باب فرعون [ ص; 119 ] سنة ، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج . فجرى له ما قضى الله من ذلك ، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين ، وربك أعلم بالمهتدين . وقيل قال له موسى تؤمن بما جئت به ، وتعبد رب العالمين ؛ على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت ، وملكا لا ينزع منك إلى الموت ، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة ، فإذا مت دخلت الجنة . فهذا القول اللين . وقال ابن مسعود القول اللين قوله تعالى ; فقل هل لك إلى أن تزكى . وأهديك إلى ربك فتخشى . وقد قيل ; إن القول اللين قول موسى ; يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين . فسماه بهذا الاسم لأنه أحب إليه مما سواه مما قيل له ، كما يسمى عندنا الملك ونحوه .قلت ; القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه ؛ يقال ; لان الشيء يلين لينا ؛ وشيء لين ولين مخفف منه ؛ والجمع أليناء . فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا ، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه ، وأمره بالمعروف في كلامه . وقد قال تعالى وقولوا للناس حسنا . على ما تقدم في ( البقرة ) بيانه والحمد لله .قوله تعالى ; لعله يتذكر أو يخشى معناه ; على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين ; سيبويه وغيره . وقد تقدم في أول ( البقرة ) قال الزجاج ; ( لعل ) لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون . وقيل ; ( لعل ) هاهنا بمعنى الاستفهام ، والمعنى فانظر هل يتذكر . وقيل ; هل بمعنى كي . وقيل ; هو إخبار من الله تعالى عن قول هارون لموسى لعله يتذكر أو يخشى ؛ قاله الحسن . وقيل ; إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع . وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال ; آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية ; هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله ؟ ! . وقد قيل ; إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه ، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان ، فشاور هامان فقال ; لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا ، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا . وقال له ; أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)يقول تعالى ذكره لموسى وهارون; فقولا لفرعون قولا ليِّنا ، ذُكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له، هو أن يكنياه.حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق، قال; ثنا سعيد بن محمد الثقفي، قال; ثنا عليّ بن صالح، عن السديّ; ( فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا ) قال; كنياه.وقوله ( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) اختلف في معنى قوله (لَعلَّهُ) في هذا الموضع، فقال بعضهم معناها ها هنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى; فقولا له قولا لينا، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) يقول; هل يتذكر أو يخشى.وقال آخرون; معنى لعلّ هاهنا كي. ووجَّهوا معنى الكلام إلى اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى، كما يقول القائل; اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بمعنى; لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدَّى، بمعنى; لنتغدى، أو حتى نتغدى، ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح.
{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، { لَعَلَّهُ } بسبب القول اللين { يَتَذَكَّرُ } ما ينفعه فيأتيه، { أَوْ يَخْشَى } ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله: { فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فإن في هذا الكلام، من لطف القول وسهولته، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى بـ \" هل \" الدالة على العرض والمشاورة، التي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس، التي أصلها، التطهر من الشرك، الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل \" أزكيك \" بل قال: \" تزكى \" أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه، الذي رباه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشكرها، وذكرها فقال: { وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب، علم أنه لا ينجع فيه تذكير، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - طه٢٠ :٤٤
Taha20:44