الرسم العثمانيبَلْ قَالُوٓا أَضْغٰثُ أَحْلٰمٍۢ بَلِ افْتَرٰىهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِـَٔايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ
الـرسـم الإمـلائـيبَلۡ قَالُوۡۤا اَضۡغَاثُ اَحۡلَامٍۢ بَلِ افۡتَـرٰٮهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٌ ۖۚ فَلۡيَاۡتِنَا بِاٰيَةٍ كَمَاۤ اُرۡسِلَ الۡاَوَّلُوۡنَ
تفسير ميسر:
بل جحد الكفار القرآن فمِن قائل; إنه أخلاط أحلام لا حقيقة لها، ومن قائل; إنه اختلاق وكذب وليس وحيًا، ومن قائل; إن محمدًا شاعر، وهذا الذي جاء به شعر، وإن أراد منا أن نصدِّقه فليجئنا بمعجزة محسوسة كناقة صالح، وآيات موسى وعيسى، وما جاء به الرسل من قبله.
وقوله " بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه " هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن وحيرتهم فيه وضلالهم عنه فتارة يجعلونه سحرا وتارة يجعلونه شعرا وتارة يجعلونه أضغاث أحلام وتارة يجعلونه مفترى كما قال " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " وقوله " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " يعنون كناقة صالح وآيات موسى وعيسى وقد قال الله " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الآية.
بل قالوا أضغاث أحلام قال الزجاج ; أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام . وقال غيره ; أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة ؛ أي أهاويل رآها في المنام ؛ قال معناه مجاهد وقتادة ؛ ومنه قول الشاعر ;كضغث حلم غر منه حالمه[ ص; 181 ] وقال القتبي ; إنها الرؤيا الكاذبة ؛ وفيه قول الشاعر ;أحاديث طسم أو سراب بفدفد ترقرق للساري وأضغاث حالموقال اليزيدي ; الأضغاث ما لم يكن له تأويل . وقد مضى هذا في ( يوسف ) . فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا ; بل افتراه ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا ; بل هو شاعر أي هم متحيرون لا يستقرون على شيء قالوا مرة سحر ، ومرة أضغاث أحلام ، ومرة افتراه ، ومرة شاعر . وقيل ; أي قال فريق إنه ساحر ، وفريق إنه أضغاث أحلام ؛ وفريق إنه افتراه ، وفريق إنه شاعر . والافتراء الاختلاق ؛ وقد تقدم . فليأتنا بآية كما أرسل الأولون أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح . وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولكن قالوا ; ينبغي أن يأتي بآية نقترحها ؛ ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة . وأيضا إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به ، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها ، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا ; هذا من باب الطب ، وليس ذلك من صناعتنا ، وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية . وبين الله - عز وجل - أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله - عز وجل - ; ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون .
يقول تعالى ذكره; ما صدّقوا بحكمة هذا القرآن، ولا أنه من عند الله، ولا أقرّوا بأنه وحي أوْحَى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، بل قال بعضهم; هو أهاويل رؤيا رآها في النوم، وقال بعضهم; هو فرية واختلاق افتراه واختلقه من قبل نفسه، وقال بعضهم; بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم به شعر (فَلْيَأْتِنا) به يقول; قالوا فليجئنا محمد إن كان صادقا في قوله، إن الله بعثه رسولا إلينا وإن هذا الذي يتلوه علينا وحي من الله أوحاه إلينا، (بآية) يقول; بحجة ودلالة على حقيقة ما يقول ويدّعي ( كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) يقول; كما جاءت به الرسل الأوّلون من قَبْله من إحياء المَوتى، وإبراء الأكمه والأبرص وكناقة صالح، وما أشبه ذلك من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الله ولا يأتي بها إلا الأنبياء والرسل.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي فعل حالم، إنما هي رؤيا رآها( بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) كل هذا قد كان منهم. وقوله ( فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) يقول; كما جاء عيسى بالبيِّنات وموسى بالبينات، والرسل.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) قال; مشتبهة.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) قال أهاويلها.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وقال تعالى ذكره; بل قالوا; ولا جحد في الكلام ظاهر فيحقق ببل، لأن الخبر عن أهل الجحود والتكذيب، فاجْتُزِي بمعرفة السامعين بما دلّ عليه قوله، بل من ذكر الخبر عنهم على ما قد بينا.
يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من القرآن العظيم، وأنهم سفهوه وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة، فتارة يقولون: { أضغاث أحلام } بمنزلة كلام النائم الهاذي، الذي لا يحس بما يقول، وتارة يقولون: { افتراه } واختلقه وتقوله من عند نفسه، وتارة يقولون: إنه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له أدنى معرفة بالواقع، من حالة الرسول، ونظر في هذا الذي جاء به، جزم جزما لا يقبل الشك، أنه أجل الكلام وأعلاه، وأنه من عند الله، وأن أحدا من البشر لا يقدر على الإتيان بمثل بعضه، كما تحدى الله أعداءه بذلك، ليعارضوا مع توفر دواعيهم لمعارضته وعداوته، فلم يقدروا على شيء من معارضته، وهم يعلمون ذلك وإلا فما الذي أقامهم وأقعدهم وأقض مضاجعهم وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا يقوم له شيء، وإنما يقولون هذه الأقوال فيه - حيث لم يؤمنوا به - تنفيرا عنه لمن لم يعرفه، وهو أكبر الآيات المستمرة، الدالة على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، وهو كاف شاف، فمن طلب دليلا غيره، أو اقترح آية من الآيات سواه، فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه وطلبوا من الآيات الاقتراح ما هو أضر شيء عليهم، وليس لهم فيها مصلحة، لأنهم إن كان قصدهم معرفة الحق إذا تبين دليله، فقد تبين دليله بدونها، وإن كان قصدهم التعجيز وإقامة العذر لأنفسهم، إن لم يأت بما طلبوا فإنهم بهذه الحالة - على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات - لا يؤمنون قطعا، فلو جاءتهم كل آية، لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. ولهذا قال الله عنهم: { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } أي: كناقة صالح، وعصا موسى، ونحو ذلك.
(بل) للإضراب الانتقاليّ في المواضع الثلاثة
(أضغاث) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أي ما أتى به من القرآن
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(اللام) لام الأمر، وعلامة الجزم في(يأتنا) حذف حرف العلّة
(بآية) متعلّق بـ (يأتنا) ،
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه ،
(ما) حرف مصدريّ ،
(أرسل) فعل ماض مبنيّ للمجهولـ (الأوّلون) نائب الفاعل مرفوع وعلامة الرفع الواو.والمصدر المؤوّلـ (ما أرسل..) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يأتنا أي فليأتنا بآية إتيانا كإرسال الأولين.
جملة: «قالوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «
(هو) أضغاث ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «افتراه ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هو شاعر ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يأتنا ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن لم يكن كما قلنا وكان رسولا فليأتنا بآية.
- القرآن الكريم - الأنبياء٢١ :٥
Al-Anbiya'21:5