وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شٰخِصَةٌ أَبْصٰرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هٰذَا بَلْ كُنَّا ظٰلِمِينَ
وَاقۡتَـرَبَ الۡوَعۡدُ الۡحَـقُّ فَاِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ اَبۡصَارُ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا ؕ يٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِىۡ غَفۡلَةٍ مِّنۡ هٰذَا بَلۡ كُـنَّا ظٰلِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
فإذا فُتِح سد يأجوج ومأجوج، وانطلقوا من مرتفعات الأرض وانتشروا في جنباتها مسرعين، دنا يوم القيامة وبدَتْ أهواله فإذا أبصار الكفار مِن شدة الفزع مفتوحة لا تكاد تَطْرِف، يدعون على أنفسهم بالويل في حسرة; يا ويلنا قد كنا لاهين غافلين عن هذا اليوم وعن الإعداد له، وكنا بذلك ظالمين.
وقوله " واقترب الوعد الحق " يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل أزفت الساعة واقتربت فإذا كانت ووقعت قال الكافرون هذا يوم عسر ولهذا قال تعالى " فإذا هي شاخصة أبصار الله الذين كفروا " أي من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام يا ويلنا أي يقولون يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا " أي في الدنيا " بل كنا ظالمين يعترفون بظلمهم لأنفسهم حيث لا ينفعهم ذلك.
قوله تعالى ; واقترب الوعد الحق يعني القيامة . وقال الفراء والكسائي وغيرهما ; [ ص; 248 ] الواو زائدة مقحمة ؛ والمعنى ; حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق فاقترب جواب إذا . وأنشد الفراء ;فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى [ بنا بطن خبث ذي قفاف عقنقل ]أي انتحى ، والواو زائدة ؛ ومنه قوله تعالى ; وتله للجبين وناديناه أي للجبين ناديناه . وأجاز الكسائي أن يكون جواب إذا فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ويكون قوله ; واقترب الوعد الحق معطوفا على الفعل الذي هو شرط . وقال البصريون ; الجواب محذوف والتقدير ; قالوا ; يا ويلنا ؛ وهو قول الزجاج ، وهو قول حسن . قال الله تعالى ; والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى المعنى ; قالوا ما نعبدهم ، وحذف القول كثير .قوله تعالى ; فإذا هي شاخصة هي ضمير الأبصار ، والأبصار المذكورة بعدها تفسير لها كأنه قال ; فإذا أبصار الذين كفروا شخصت عند مجيء الوعد . وقال الشاعر ;لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ألا فر عني مالك بن أبي كعبفكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها . وقال الفراء ; ( هي ) عماد ، مثل فإنها لا تعمى الأبصار . وقيل ; إن الكلام تم عند قوله ; هي التقدير ; فإذا هي ؛ بمعنى القيامة بارزة واقعة ؛ أي من قربها كأنها آتية حاضرة ، ثم ابتداء فقال ; شاخصة أبصار الذين كفروا على تقديم الخبر على الابتداء ؛ أي أبصار الذين كفروا شاخصة من هذا اليوم ؛ أي من هوله لا تكاد تطرف ؛ يقولون ; يا ويلنا إنا كنا ظالمين بمعصيتنا ووضعنا العبادة في غير موضعها .
يقول تعالى ذكره; حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جلّ ثناؤه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك; حدثنا ابن حميد ، قال ; ثنا الحكم بن بشير ، قال ; ثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال ; ثنا حذيفة; لو أن رجلا افتلى فَلوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة.حدثني يونس ، قال; أخبرنا ابن وهب ، قال; قال ابن زيد ، في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) قال; اقترب يوم القيامة منهم، والواو في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) مقحمة ، ومعنى الكلام; حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ معناه; نادينا، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس;فَلَمَّـا أجَزْنـا سـاحَة الحَـيّ وَانْتَحَـىبِنـا بَطْـنُ خَـبْتٍ ذي حِقـافٍ عَقَنْقَلِ (4)يريد; فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا.وقوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان; أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر;لَعَمْــرو أَبِيهَــا لا تَقُـولُ ظَعِينَتـيألا فَـرّ عَنِّـي مـالكُ بـن أبي كَعْبِ (5)فكنى عن الظعينة في; لعمرو أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ; فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.والثاني; أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وكقول الشاعر;فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ (6)وقوله ( يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) يقول تعالى ذكره; فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون; يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونـزل بنا من عظيم البلاء ، وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقولون يا ويلنا، وقوله ( بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ; ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ.---------------------الهوامش ;(4) البيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي ص 27 ) قال ; أجزنا ; قطعنا . والساحة ; الفناء . والخبت ; أرض مطمئنة . والحقف من الرمل ; المعوج ، والجمع حقاف ، ويروى " ركام " أي بعضه فوق بعض . وعقنقل ; متعقد متداخل بعضه في بعض . والبيت شاهد على أن الواو في قوله ; " وانتحى " ; مقحمة ، يريد ; فلما أجزنا ساحة الحي انتحى . وهي نظير الواو في قوله تعالى ; ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق ) . الواو في " واقترب " ; مقحمة . والفعل جواب للشرط " حتى إذا فتحت " . قال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 306 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) ; وقوله ( واقترب الوعد الحق ) معناه والله أعلم ، حتى إذا فتحت اقترب ، ودخول الواو في الجواب في " حتى إذا " بمنزلة قوله ; "حتى إذا جاءوها وفتحت " . وفي قراءة عبد الله " فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية " . وفي قراءتنا بغير واو . ومثله في الصفات " فلما أسلما وتله للجنين وناديناه" معناها ; ناديناه . وقال امرؤ القيس ; " فلما أجزنا . . . البيت " يريد انتحى .(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 307 من مصورة الجامعة ) عند قوله تعالى ; ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) قال ; تكون هي عمادا يصلح في موضعها هو ، فتكون كقوله "إنه أنا الله العزيز " . ومثله قوله ; " فإنها لا تعمي الأبصار" فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة ، والتذكير للعماد . . . وإن شئت جعلت هي للأبصار ، كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها ، كما قال الشاعر ; لعمر أبيها . . . البيت " اه .وعلى كلام الفراء يكون الضمير " في أبيها " مفسرًا بقوله ظعينتي . ومثله الضمير " هي " في الآية " فإذا هي " مفسر بقوله " أبصار " . وقال أبو البقاء العكبري في إعراب القرآن وهو كالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الفراء ; إذا للمفاجأة ، وهي مكان . والعامل فيها شاخصة . و " هي " ; ضمير القصة . و " أبصار الذين " مبتدأ وشاخصة خبره . وقال الشوكاني في فتح القدير ( 3 ; 413 ) مبنيا للوجهين ; الضمير في فإذا هي للقصة ، أو مبهم يفسره ما بعده . وإذا للمفاجأة .(6) هذا شطر بيت من أبيات ثلاثة وردت في الجزء الأول من هذا التفسير ص 401 عند قوله تعالى ; " وهو محرم عليكم إخراجهم " . وقد بين أن الضمير " هو " فيه وجهان من التأويل ، كما قال في قوله تعالى ; " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " ومثل قول الشاعر ;فــأَبْلِغْ أبــا يَحْـيَى إذَا مـا لَقِيتَـهُعـلى العِيسِ فـي آباطِهـا عَرَقٌ يَبْسبــأنَّ السُّــلامِيَّ الَّــذِي بِضَرِيَّـةٍأمِـيرَ الحِـمَى قدْ باعَ حَقي بني عَبْسبِثَــوْبٍ ودِينــارٍ وشــاةٍ ودِرْهَـمٍفَهَـلْ هُـوَ مَرْفُـوعٌ بِمَـا هاهُنا رَأْسوالأبيات ; من شواهد الفراء في آية البقرة ولم يورد هنا إلا الشطر الثاني من البيت الثالث
{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون لـ : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا. { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون .
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة