الرسم العثمانيثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنٰهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ
الـرسـم الإمـلائـيثُمَّ اَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡـرَا ؕ كُلَّ مَا جَآءَ اُمَّةً رَّسُوۡلُهَا كَذَّبُوۡهُ فَاَتۡبَـعۡنَا بَعۡـضَهُمۡ بَعۡـضًا وَّجَعَلۡنٰهُمۡ اَحَادِيۡثَ ۚ فَبُـعۡدًا لِّـقَوۡمٍ لَّا يُؤۡمِنُوۡنَ
تفسير ميسر:
ثم أرسلنا رسلنا إلى تلك الأمم يتبع بعضهم بعضًا، كلما دعا رسول أمته كذبوه، فأتبعنا بعضهم بعضًا بالهلاك والدمار، ولم يَبْقَ إلا أخبار هلاكهم، وجعلناها أحاديث لمن بعدهم، يتخذونها عبرة، فهلاكًا وسُحْقًا لقوم لا يصدقون الرسل ولا يطيعونهم.
" ثم أرسلنا رسلنا تترى " قال ابن عباس يعني يتبع بعضهم بعضا وهذا كقوله تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة " وقوله " كلما جاء أمة رسولها كذبوه " يعني جمهورهم وأكثرهم كقوله تعالى " يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " وقوله " فأتبعنا بعضهم بعضا " أي أهلكناهم كقوله " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " وقوله " وجعلناهم أحاديث " أي أخبارا وأحاديث للناس كقوله " فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ".
ومعنى تترى تتواتر ، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا . قال الأصمعي ; واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا ؛ إلا أن بين كل واحد وبين الآخر مهلة . وقال غيره ; المواترة التتابع بغير مهلة . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ( تترى ) بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح [ ص; 117 ] الراء ؛ كقولك ; حمدا وشكرا ؛ فالوقف على هذا على الألف المعوضة من التنوين . ويجوز أن يكون ملحقا بجعفر ، فيكون مثل أرطى وعلقى ؛ كما قال ;يستن في علقى وفي مكورفإذا وقف على هذا الوجه جازت الإمالة ، على أن ينوي الوقف على الألف الملحقة . وقرأ ورش بين اللفظتين ؛ مثل سكرى وغضبى ، وهو اسم جمع ؛ مثل شتى وأسرى . وأصله وترى من المواترة والتواتر ، فقلبت الواو تاء ؛ مثل التقوى ، والتكلان ، وتجاه ، ونحوها . وقيل ; هو الوتر وهو الفرد ؛ فالمعنى أرسلناهم فردا فردا . النحاس ; وعلى هذا يجوز ( تترا ) بكسر التاء الأولى ، وموضعها نصب على المصدر ؛ لأن معنى ثم أرسلنا واترنا . ويجوز أن يكون في موضع الحال أي متواترين . فأتبعنا بعضهم بعضا أي بالهلاك . وجعلناهم أحاديث جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به ؛ كأعاجيب جمع أعجوبة ، وهي ما يتعجب منه . قال الأخفش ; إنما يقال هذا في الشر جعلناهم أحاديث ولا يقال في الخير ؛ كما يقال ; صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا ؛ كما قال في آية أخرى ; فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق . قلت ; وقد يقال فلان حديث حسن ، إذا كان مقيدا بذكر ذلك ؛ ومنه قول ابن دريد ;وإنما المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن وعى
يقول تعالى ذكره; ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا ) إلى الأمم التي أنشأنا بعد ثمود ( رُسُلَنَا تَتْرَى ) يعني; يتبع بعضها بعضا، وبعضها في أثر بعض، وهي من المواترة، وهي اسم لجمع مثل شيء، لا يقال; جاءني فلان تترى، كما لا يقال; جاءني فلان مواترة، وهي تنوّن ولا تنوّن، وفيها الياء، فمن لم ينوّنها( فَعْلَى ) من وترت ومن قال; " تترا " يوهم أن الياء أصلية ، كما قيل; مِعْزًى بالياء، ومَعْزًا ، وبهمى بهما ، ونحو ذلك، فأجْرِيت أحيانًا وتُرِك إجراؤها أحيانا، فمن جعلها( فعلى ) وقف عليها أشار إلى الكسر، ومن جعلها ألف إعراب لم يشر؛ لأن ألف الإعراب لا تكسر، لا يقال; رأيت زيدًا، فيشار فيه إلى الكسر.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ) يقول; يَتْبُع بعضها بعضا.حدثنا محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ) يقول; بعضها على أثر بعض.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; ( تَتْرَى ) قال; اتباع بعضها بعضا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد; ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ) قال; يتبع بعضها بعضا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ) قال; بعضهم على أثر بعض، يتبع بعضهم بعضا.واختلفت قرّاء الأمصار في قراءة ذلك، فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة ، وبعض أهل المدينة ، وبعض أهل البصرة ( تَتْرًا ) بالتنوين. وكان بعض أهل مكة، وبعض أهل المدينة، وعامة قرّاء الكوفة يقرءونه; ( تَتْرَى ) بإرسال الياء على مثال ( فَعْلَى )، والقول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلام العرب ، بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني مع ذلك أختار القراءة بغير تنوين؛ لأنه أفصح &; 19-35 &; اللغتين وأشهرهما.وقوله; ( كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ ) يقول; كلما جاء أمة من تلك الأمم ، التي أنشأناها بعد ثمود ، رسولُها الذي نرسله إليهم، كذّبوه فيما جاءهم به من الحق من عندنا. وقوله; ( فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا ) يقول; فأتبعنا بعض تلك الأمم بعضا بالهلاك ، فأهلكنا بعضهم في إثر بعض. وقوله; ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ) للناس ، ومثلا يتحدّث بهم في الناس، والأحاديث في هذا الموضع جمع أحدوثة، لأن المعنى ما وصفت من أنهم جعلوا للناس مثلا يتحدث بهم، وقد يجوز أن يكون جمع حديث، وإنما قيل; ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ) لأنهم جعلوا حديثا ، ومثلا يتمثَّل بهم في الشرِّ، ولا يقال في الخير; جعلته حديثا ، ولا أُحْدوثة. وقوله; ( فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) يقول; فأبعد الله قوما لا يؤمنون بالله، ولا يصدّقون برسوله.
، وأرسلنا إليهم رسلا متتابعة، لعلهم يؤمنون وينيبون، فلم يزل الكفر والتكذيب دأب الأمم العصاة، والكفرة البغاة، كلما جاء أمة رسولها كذبوه، مع أن كل رسول يأتي من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم، يدل على حقيه ما جاءوا به، { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا } بالهلاك، فلم يبق منهم باقية، وتعطلت مساكنهم من بعدهم { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } يتحدث بهم من بعدهم، ويكونون عبرة للمتقين، ونكالا للمكذبين، وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم. { فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ما أشقاهم\" وتعسا لهم، ما أخسر صفقتهم\".
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - المؤمنون٢٣ :٤٤
Al-Mu'minun23:44