الرسم العثمانيلَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خٰلِدِينَ ۚ كَانَ عَلٰى رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْـُٔولًا
الـرسـم الإمـلائـيلَّهُمۡ فِيۡهَا مَا يَشَآءُوۡنَ خٰلِدِيۡنَ ؕ كَانَ عَلٰى رَبِّكَ وَعۡدًا مَّسۡـــُٔوۡلًا
تفسير ميسر:
لهؤلاء المطيعين في الجنة ما يشتهون من ملاذِّ النعيم، متاعهم فيه دائم، كان دخولهم إياها على ربك - أيها الرسول - وعدًا مسؤولا يسأله عباد الله المتقون، والله لا يخلف وعده.
"لهم فيها ما يشاءون" من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها حولا وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم ولهذا قال "كان على ربك وعدا مسئولا" أي لا بد أن يقع وأن يكون كما حكاه أبو جعفر بن جرير عن بعض علماء العربية أن معنى قوله "وعدا مسئولا" أي وعدا واجبا وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس "كان على ربك وعدا مسئولا" يقول فسألوا الذي وعدهم وتنجزوه وقال محمد بن كعب القرظي في قوله "كان على ربك وعدا مسئولا" إن الملائكة تسأل لهم ذلك "ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم" وقال أبو حازم إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا فذلك قوله "وعدا مسئولا" وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار ثم التنبيه على حال أهل الجنة كما ذكر تعالى في سورة الصافات حال أهل الجنة وما فيها من النضرة والحبور ثم قال "أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون".
قوله تعالى ; لهم فيها ما يشاءون أي من النعيم . خالدين كان على ربك وعدا مسئولا قال الكلبي ; وعد الله المؤمنين الجنة جزاء على أعمالهم ، فسألوه ذلك الوعد فقالوا ; ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك . وهو معنى قول ابن عباس . وقيل ; إن الملائكة تسأل لهم الجنة ; دليله قوله تعالى ; ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم الآية . وهذا قول محمد بن كعب القرظي . وقيل ; معنى وعدا مسئولا أي واجبا وإن لم يكن يسأل كالدين ; حكي عن العرب ; لأعطينك ألفا . وقيل ; وعدا مسئولا يعني أنه واجب لك فتسأله . وقال زيد بن أسلم ; سألوا الله الجنة في الدنيا ورغبوا إليه بالدعاء ، فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا . وهذا يرجع إلى القول الأول .
وقوله; ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) يقول; لهؤلاء المتقين في جنة الخلد التي وعدهموها الله ما يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ( خَالِدِينَ ) فيها, يقول; لابثين فيها ماكثين أبدا, لا يزولون عنها ولا يزول عنهم نعيمها. وقوله; ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا ) وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا; وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ يقول الله تبارك وتعالى; وكان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد التي وصف صفتها في الآخرة وعدا وعدهم الله على طاعتهم إياه في الدنيا، ومسألتهم إياه ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا ) قال; فسألوا الذي وعدهم وتنجزوه.حدثني يونس. قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا ) قال; سألوه إياها في الدنيا, طلبوا ذلك فأعطاهم وعدهم إذ سألوه أن يعطيهم، فأعطاهم, فكان ذلك وعدا مسئولا كما وقَّت أرزاق العباد في الأرض قبل أن يخلقهم فجعلها أقواتا للسائلين, وقَّت ذلك على مسألتهم، وقرأ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ .وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله; ( وَعْدًا مَسْئُولا ) إلى أنه معنيّ به وعدا واجبا, وذلك أن المسئول واجب, وإن لم يُسأل كالدين, ويقول ذلك نظير قول العرب; لأعطينك ألفا وعدا مسئولا بمعنى واجب لك، فتسأله.
{ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } أي: يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم، من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها وآكليها، من حسنها وتنوعها وكثرة أصنافها والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى وروائح طيبة، ومساكن مزخرفة، وأصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الإخوان، والتمتع بلقاء الأحباب، وأعلى من ذلك كله التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه، والحظوة بقربه والسعادة برضاه والأمن من سخطه واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الأوقات وتعاقب الآنات { كَانَ } دخولها والوصول إليها { عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا } يسأله إياها، عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم، فأي الدارين المذكورتين خير وأولى بالإيثار؟ وأي: العاملين عمال دار الشقاء أو عمال دار السعادة أولى بالفضل والعقل والفخر يا أولي الألباب؟ لقد وضح الحق واستنار السبيل فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل، فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء وأقوام بالسعادة أن تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، ونستغيث بك اللهم من حالة الأشقياء ونسألك المعافاة منها.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الفرقان٢٥ :١٦
Al-Furqan25:16