وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً ۚ كَذٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنٰهُ تَرْتِيلًا
وَقَالَ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ الۡـقُرۡاٰنُ جُمۡلَةً وَّاحِدَةً ۛۚ كَذٰلِكَ ۛۚ لِنُثَبِّتَ بِهٖ فُـؤَادَكَ وَرَتَّلۡنٰهُ تَرۡتِيۡلًا
تفسير ميسر:
وقال الذين كفروا; هلا أنزل القرآن على محمد جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور! قال الله سبحانه وتعالى; كذلك أنزلناه مفرقًا؛ لنقوِّي به قلبك وتزداد به طمأنينة، فتعيه وتحمله، وبيَّنَّاه في تثبت ومُهْلَة.
يقول تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم حيث قالوا; "لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة" أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به كقوله; "وقرآنا فرقناه" الآية ولهذا قال "لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا" قال قتادة بيناه تبيينا وقال ابن زيد وفسرناه تفسيرا.
قوله تعالى ; وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاقوله تعالى ; وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة اختلف في قائل ذلك على قولين ; أحدهما ; أنهم كفار قريش ; قاله ابن عباس . والثاني ; أنهم اليهود حين رأوا نزول القرآن مفرقا قالوا ; هلا أنزل عليه جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود . فقال الله تعالى ; كذلك أي فعلنا لنثبت به فؤادك نقوي به قلبك فتعيه وتحمله ; لأن الكتب المتقدمة أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرءون ، والقرآن أنزل على نبي أمي ; ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، ففرقناه ليكون أوعى للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأيسر على العامل به ; فكان كلما نزل وحي جديد زاده قوة قلب .قلت ; فإن قيل هلا أنزل القرآن دفعة واحدة وحفظه إذا كان ذلك في قدرته ؟ . قيل ; في قدرة الله أن يعلمه الكتاب والقرآن في لحظة واحدة ، ولكنه لم يفعل ولا معترض عليه في حكمه ، وقد بينا وجه الحكمة في ذلك . وقد قيل ; إن قوله ; كذلك من كلام المشركين ، أي لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك ، أي كالتوراة والإنجيل ، فيتم الوقف على كذلك ثم يبتدئ ; لنثبت به فؤادك . ويجوز أن يكون الوقف على قوله ; جملة واحدة ثم يبتدئ كذلك لنثبت به فؤادك على معنى أنزلناه عليك كذلك متفرقا لنثبت به فؤادك . قال ابن الأنباري ; والوجه الأول أجود وأحسن ، والقول الثاني قد جاء به التفسير ، حدثنا محمد بن عثمان الشيبي قال حدثنا منجاب قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى ; إنا أنزلناه في ليلة القدر قال ; أنزل القرآن جملة واحدة من عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء ، فنجمه [ ص; 29 ] السفرة الكرام على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل عليه السلام على محمد عشرين سنة . قال ; فهو قوله فلا أقسم بمواقع النجوم يعني نجوم القرآن وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم . قال ; فلما لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ، قال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ; فقال الله تبارك وتعالى ; كذلك لنثبت به فؤادك يا محمد . ورتلناه ترتيلا يقول ; ورسلناه ترسيلا ; يقول ; شيئا بعد شيء .
يقول تعالى ذكره; ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالله ( لَوْلا نـزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ) يقول; هلا نـزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ( جُمْلَةً وَاحِدَةً ) كما أنـزلت التوراة على موسى جملة واحدة؟ قال الله; ( كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) تنـزيله عليك الآية بعد الآية, والشيء بعد الشيء, لنثبت به فؤادك نـزلناه.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس; ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نـزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال; كان الله ينـزل عليه الآية, فإذا علمها نبيّ الله نـزلت آية أخرى ليعلمه الكتاب عن ظهر قلب, ويثبت به فؤاده.حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله; ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نـزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) كما أنـزلت التوراة على موسى, قال; (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) قال; كان القرآن ينـزل عليه جوابا لقولهم; ليعلم محمد أن الله يجيب القوم بما يقولون بالحقّ, ويعني بقوله; (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) لنصحح به عزيمة قلبك ويقين نفسك, ونشجعك به.وقوله (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) يقول; وشيئا بعد شيء علمناكه حتى تحفظنه، والترتيل في القراءة; الترسل والتثبت.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال; ثنا هشيم, قال; أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, في قوله; (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) قال; نـزل متفرّقا.حدثنا الحسن, قال; أخبرنا عبد الرزاق, قال; أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله; (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) قال; كان ينـزل آية وآيتين وآيات جوابا لهم إذا سألوا عن شيء أنـزله الله جوابا لهم, وردّا عن النبيّ فيما يتكلمون به. وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة.حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله; (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) قال; كان بين ما أنـزل القرآن إلى آخره أنـزل عليه لأربعين, ومات النبيّ صلى الله عليه وسلم لثنتين أو لثلاث وستين.وقال آخرون; معنى الترتيل; التبيين والتفسير.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) قال; فسرناه تفسيرا, وقرأ; وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا .
هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } أي: كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال: { كَذَلِكَ } أنزلناه متفرقا { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود أسباب القلق فإن نزول القرآن عند حدوث السبب يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه. { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية.
«وقال الذين كفروا لولا» هلا «نزل عليه القرآن جملة واحدة» كالتوراة والإنجيل والزَّبور، قال تعالى: نزلناه، «كذلك» متفرّقا «لنثبَّت به فؤادك» نقوي قلبك «ورتلناه ترتيلا» أي أتينا به شيئا بعد شيء بتمهل وتؤدة لتيسر فهمه وحفظه.
(الواو) استئنافيّة)
(لولا) حرف تحضيض
(عليه) متعلّق بـ (نزّل) ،
(جملة) حال منصوبة بتأويل مشتقّ أي مجتمعا
(كذلك) متعلّق بمحذوف حال من القرآن»
،
(اللام) للتعليلـ (به) متعلّق بـ (نثبّت) ...والمصدر المؤوّلـ (أن نثبّت ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بالفعل المقدّر العامل في الحال السابقة، أي أنزل القرآن مفرّقا كذلك لنثبّت به فؤادك.(الواو) عاطفة
(ترتيلا) مفعول مطلق منصوب.
جملة: «قال الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «نزّل ... القرآن» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أنزلناه كذلك ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «نثبّت ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «رتّلناه ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة أنزلناه المقدّرة .
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(بمثل) متعلّق بـ (يأتونك) ،
(إلّا) أداة حصر
(بالحقّ) متعلّق بحال من فاعل جئناك، أو من المفعول، أي متلبّسين بالحقّ أو متلبسّا بالحقّ
(الواو) عاطفة
(أحسن) معطوف على الحقّ مجرور وعلامة الجرّ الفتحة فهو ممنوع من الصرف للوصفية ووزن أفعلـ (تفسيرا) تمييز منصوب.
وجملة: «لا يأتونك ... » لا محلّ لها معطوفة على الجملة المقدّرة أنزلناه.
وجملة: «جئناك ... » في محلّ نصب حال من مفعول يأتونك.
(34)
(الذين) اسم موصول مبتدأ ، و (الواو) في(يحشرون) نائب الفاعلـ (على وجوههم) متعلّق بحال من نائب الفاعل أي منكّسين
(إلى جهنّم) متعلّق بـ (يحشرون) ، وعلامة الجرّ الفتحة، والفعل مضمّن معنى يساقون
(مكانا) تمييز منصوب وكذلك
(سبيلا) .وجملة: «الذين يحشرون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يحشرون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «أولئك شرّ ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
(32) جملة: اسم لجمع الشيء أو جماعته من فعل جمل يجمل باب نصر بمعنى جمع، وزنه فعلة بضمّ فسكون.
(ترتيلا) ، مصدر قياسيّ لفعل رتّل الرباعيّ وزنه تفعيل.
(33) تفسيرا: مصدر قياسيّ لفعل فسّر الرباعيّ، وزنه تفعيل.