الرسم العثمانيالَّذِى خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوٰى عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمٰنُ فَسْـَٔلْ بِهِۦ خَبِيرًا
الـرسـم الإمـلائـياۨلَّذِىۡ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِىۡ سِتَّةِ اَيَّامٍ ثُمَّ اسۡتَوٰى عَلَى الۡعَرۡشِ ۛۚ اَلرَّحۡمٰنُ فَسۡـَٔـــلۡ بِهٖ خَبِيۡرًا
تفسير ميسر:
الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش- أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله، هو الرحمن، فاسأل - أيها النبي - به خبيرًا، يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلاله. ولا أحد من البشر أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى; "الذي خلق السموات والأرض" الآية أي هو الحي الذي لا يموت وهو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي خلق بقدرته وسلطانه السموات السبع في ارتفاعها واتساعها والأرضين السبع في سفولها وكثافتها "في ستة أيام ثم استوى على العرش" أي يدبر الأمر ويقضي الحق وهو خير الفاصلين وقوله; "ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا" أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة الذي لا ينطق عن الهوى "إن هو إلا وحي يوحى" فما قاله فهو الحق وما أخبره به فهو الصدق وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رد نزاعهم إليه فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان قال الله تعالى "فإن تنازعتم في شيء" الآية وقال تعالى "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" وقال تعالى; "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" أي صدقا في الإخبار وعدلا في الأوامر والنواهي ولهذا قال تعالى "فاسأل به خبيرا" قال مجاهد في قوله; "فاسأل به خبيرا" قال ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك وكذا قال ابن جريج وقال شمر بن عطية في قوله; "فاسأل به خبيرا" هذا القرآن خبير به.
قوله تعالى ; الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا .قوله تعالى ; الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام تقدم في الأعراف . و ( الذي ) في موضع خفض نعتا للحي . وقال ; بينهما ولم يقل بينهن ; لأنه أراد الصنفين والنوعين والشيئين ; كقول القطامي ;ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعاأراد وحبال تغلب ، فثنى والحبال جمع ; لأنه أراد الشيئين والنوعين . الرحمن فاسأل به خبيرا قال الزجاج ; المعنى فاسأل عنه . وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء تكون بمعنى ( عن ) كما قال تعالى ; سأل سائل بعذاب واقع وقال الشاعر ;هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلميوقال علقمة بن عبدة ;فإن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيبأي عن النساء ، وعما لم تعلمي . وأنكره علي بن سليمان وقال ; أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن ; لأن في هذا إفسادا لمعاني قول العرب ; لو لقيت فلانا للقيك به [ ص; 62 ] الأسد ; أي للقيك بلقائك إياه الأسد . المعنى فاسأل بسؤالك إياه خبيرا . وكذلك قال ابن جبير ; الخبير هو الله تعالى . ف خبيرا نصب على المفعول به بالسؤال .قلت ; قول الزجاج يخرج على وجه حسن ، وهو أن يكون الخبير غير الله ، أي فاسأل عنه خبيرا ، أي عالما به ، أي بصفاته وأسمائه . وقيل ; المعنى فاسأل له خبيرا ، فهو نصب على الحال من الهاء المضمرة . قال المهدوي ; ولا يحسن حالا إذ لا يخلو أن تكون الحال من السائل أو المسئول ، ولا يصح كونها حالا من الفاعل ; لأن الخبير لا يحتاج أن يسأل غيره . ولا يكون من المفعول لأن المسئول عنه وهو الرحمن خبير أبدا ، والحال في أغلب الأمر يتغير وينتقل ; إلا أن يحمل على أنها حال مؤكدة ; مثل ; وهو الحق مصدقا فيجوز . وأما " الرحمن " ففي رفعه ثلاثة أوجه ; يكون بدلا من المضمر الذي في " استوى " . ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى ; هو الرحمن . ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء ، وخبره ; فاسأل به خبيرا . ويجوز الخفض بمعنى وتوكل على الحي الذي لا يموت الرحمن ; يكون نعتا . ويجوز النصب على المدح .
يقول تعالى ذكره; وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فقال; ( وَمَا بَيْنَهُمَا ) وقد ذكر السماوات والأرض, والسماوات جماع, لأنه وجه ذلك إلى الصنفين والشيئين, كما قال القطامي;ألَـــمْ يَحْــزُنْكَ أنَّ حِبــالَ قَيْسٍوتَغْلِــبَ قَــدْ تَبايَنَتــا انقِطاعــا (1)يريد; وحبال تغلب فثنى, والحبال جمع, لأنه أراد الشيئين والنوعين.وقوله; ( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قيل; كان ابتداء ذلك يوم الأحد, والفراغ يوم الجمعة ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) يقول; ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه, وذلك يوم السبت فيما قيل. وقوله; ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) يقول; فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن, خبيرا بخلقه, فإنه خالق كلّ شيء, ولا يخفى عليه ما خلق.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله; ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) قال; يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم; إذا أخبرتك شيئا, فاعلم أنه كما أخبرتك, أنا الخبير، والخبير في قوله; ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) منصوب على الحال من الهاء التي في قوله به.------------------------الهوامش;(1) البيت للقطامي ، وقد سبق الكلام عنه مفصلا ، والشاهد فيه هنا ; أن الشاعر قال ; "تباينتا" بالتثنية ، مع أن حبال جمع حبل . والمسوغ لذلك ; أن حبال قيس جماعة ، وحبال تغلب جماعة أخرى ، فعاملهما في إعادة الضمير عليهما معاملة المفردين ، ومثله في القرآن ; { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما} لأنه وجه ذلك إلى الصفتين .
فأنت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ أعمالهم، وإنما ذلك كله بيد الله { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى } بعد ذلك { عَلَى الْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات وأعلاها وأوسعها وأجملها { الرَّحْمَنِ } استوى على عرشه الذي وسع السماوات والأرض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات، بأوسع الصفات. فأثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العرش ومباينته إياهم.{ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله، وقد أخبركم بذلك وأبان لكم من عظمته ما تستعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله، واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الفرقان٢٥ :٥٩
Al-Furqan25:59