الرسم العثمانيوَوَرِثَ سُلَيْمٰنُ دَاوُۥدَ ۖ وَقَالَ يٰٓأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ ۖ إِنَّ هٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
الـرسـم الإمـلائـيوَوَرِثَ سُلَيۡمٰنُ دَاوٗدَ وَقَالَ يٰۤاَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنۡطِقَ الطَّيۡرِ وَاُوۡتِيۡنَا مِنۡ كُلِّ شَىۡءٍؕ اِنَّ هٰذَا لَهُوَ الۡفَضۡلُ الۡمُبِيۡنُ
تفسير ميسر:
وورث سليمان أباه داود في النبوة والعلم والملك، وقال سليمان لقومه; يا أيها الناس عُلِّمنا وفُهِّمنا كلام الطير، وأُعطينا مِن كل شيء تدعو إليه الحاجة، إن هذا الذي أعطانا الله تعالى إياه لهو الفضل الواضح الذي يُمَيِّزنا على مَن سوانا.
"وورث سليمان داود" أي في الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود فإنه قد كان لداود مائة امرأة ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الانبياء لا تورث أموالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقه" وقال "يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء" أي أخبر سليمان بنعم الله عليه فيما وهبه له من الملك التام والتمكين العظيم حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر فيما علمناه مما أخبر الله به ورسوله ومن زعم من الجهلة والرعاع أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود كما قد يتفوه به كثير من الناس فهو قول بلا علم ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ويعرف ما تقول وليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال ولكن الله سبحانه كان قد أفهم سليمان ما يتخاطب به الطيور في الهواء وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها ولهذا قال تعالى "علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء" أي مما يحتاج إليه الملك "إن هذا لهو الفضل المبين" أي الظاهر البين لله علينا قال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; "كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال فخرج ذات يوم وأغلقت الأبواب فأقبلت امرأة تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود فجاء داود "فإذا الرجل قائم وسط الدار فقال له داود من أنت؟ فقال الذي لا يهاب الملوك ولا يمتنع من الحجاب فقال داود أنت إذا والله ملك الموت مرحبا بأمر الله فتزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس فقال سليمان عليه السلام للطير أظلي داود فظللت عليه الطير حتى أظلمت عليه الأرض فقال لها سليمان اقبضي جناحا جناحا" قال أبو هريرة يا رسول الله كيف فعلت الطير؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وغلبت عليه يومئذ المضرحية قال أبو الفرج ابن الجوزي; المضرحية هي النسور الحمراء.
قوله تعالى ; وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء قال الكلبي ; كان لداود صلى الله عليه وسلم تسعة عشر ولدا فورث سليمان من بينهم نبوته وملكه ، ولو كان وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء ; وقاله ابن العربي ; قال ; فلو كانت وراثة مال لانقسمت على العدد ; فخص الله سليمان بما كان لداود من الحكمة والنبوة ، وزاده من فضله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده . قال ابن عطية ; داود من بني إسرائيل وكان ملكا وورث سليمان ملكه ومنزلته من النبوة ، بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه فسمي ميراثا تجوزا ; وهذا نحو قوله ; العلماء ورثة الأنبياء ويحتمل قوله عليه السلام ; إنا معشر الأنبياء لا نورث أن يريد أن ذلك من فعل الأنبياء وسيرتهم ، وإن كان فيهم من ورث ماله كزكرياء على أشهر الأقوال فيه ; وهذا كما تقول ; إنا معشر المسلمين إنما شغلتنا العبادة ، والمراد أن ذلك فعل الأكثر . ومنه ما حكى سيبويه ; إنا معشر العرب أقرى الناس للضيف .قلت ; قد تقدم هذا المعنى في ( مريم ) وأن الصحيح القول الأول لقوله عليه السلام ; إنا معشر الأنبياء لا نورث فهو عام ولا يخرج منه شيء إلا بدليل . قال مقاتل ; كان سليمان أعظم ملكا من داود وأقضى منه ، وكان داود أشد تعبدا من سليمان . قال غيره ; ولم يبلغ أحد من الأنبياء ما بلغ ملكه ; فإن الله سبحانه وتعالى سخر له الإنس والجن والطير والوحش ، وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وورث أباه في الملك والنبوة ، وقام بعده بشريعته ، وكل نبي جاء بعد موسى ممن بعث أو لم يبعث فإنما كان بشريعة موسى ، إلى أن بعث المسيح عليه السلام فنسخها . وبينه وبين الهجرة نحو من ألف وثمانمائة سنة . واليهود تقول ألف وثلاثمائة واثنتان وستون سنة . وقيل ; إن بين موته وبين مولد النبي صلى الله عليه سلم نحوا من ألف وسبعمائة . واليهود تنقص منها ثلاثمائة سنة ، وعاش نيفا وخمسين سنة .قوله تعالى ; وقال يا أيها الناس أي قال سليمان لبني إسرائيل على جهة الشكر لنعم الله علمنا منطق الطير أي تفضل الله علينا على ما ورثنا من داود من العلم والنبوة والخلافة في الأرض في أن فهمنا من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها . قال مقاتل في الآية ; كان سليمان جالسا ذات يوم إذ مر به طائر يطوف ، فقال لجلسائه ; أتدرون ما يقول هذا الطائر ؟ إنها قالت لي ; السلام عليك أيها الملك المسلط والنبي لبني إسرائيل ! أعطاك الله الكرامة ، وأظهرك على عدوك ، إني منطلق إلى أفراخي ثم أمر بك الثانية ; وإنه سيرجع إلينا الثانية ثم رجع ; فقال إنه يقول ; السلام عليك أيها الملك المسلط ، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت . فأخبرهم سليمان بما قال ; وأذن له فانطلق . وقال فرقد السبخي ; مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه ، فقال لأصحابه ; أتدرون ما يقول هذا البلبل ؟ قالوا لا يا نبي الله . قال إنه يقول ; أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء . ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا فقال له سليمان ; احذر يا هدهد ! فقال ; يا نبي الله ! هذا صبي لا عقل له فأنا أسخر به . ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده ، فقال ; هدهد ما هذا ؟ قال ; ما رأيتها حتى وقعت فيها يا نبي الله . قال ; ويحك ! فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ ! قال ; يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر . وقال كعب . صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنه يقول ; لدوا للموت وابنوا للخراب . وصاحت فاختة ، فقال ; أتدرون ما تقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنها تقول ; ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا . وصاح عندهطاوس ، فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنه يقول ; كما تدين تدان . وصاح عنده هدهد فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال ; فإنه يقول ; من لا يرحم لا يرحم . وصاح صرد عنده ، فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنه يقول ; استغفروا الله يا مذنبين ; فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله . وقيل ; إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت . وهو أول من صام ; ولذلك يقال للصرد الصوام ; روي عن أبي هريرة . وصاحت [ ص; 155 ] عنده طيطوى فقال ; أتدرون ما تقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنها تقول ; كل حي ميت وكل جديد بال . وصاحت خطافة عنده ، فقال ; أتدرون ما تقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنها تقول ; قدموا خيرا تجدوه ; فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها . وقيل ; إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله الوحشة ، فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمها البيوت ، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم . قال ; ومعها أربع آيات من كتاب الله عز وجل ; لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته إلى آخرها وتمد صوتها بقوله ; " العزيز الحكيم " . وهدرت حمامة عند سليمان فقال ; أتدرون ما تقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنها تقول ; سبحان ربي الأعلى عدد ما في سماواته وأرضه . وصاح قمري عند سليمان ، فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال إنه يقول ; سبحان ربي العظيم المهيمن . وقال كعب ; وحدثهم سليمان ، فقال ; الغراب يقول ; اللهم العن العشار ; والحدأة تقول ; كل شيء هالك إلا وجهه . والقطاة تقول ; من سكت سلم . والببغاء تقول ; ويل لمن الدنيا همه . والضفدع يقول ; سبحان ربي القدوس . والبازي يقول ; سبحان ربي وبحمده . والسرطان يقول ; سبحان المذكور بكل لسان في كل مكان .وقال مكحول ; صاح دراج عند سليمان ، فقال ; أتدرون ما يقول ؟ قالوا ; لا . قال ; إنه يقول ; الرحمن على العرش استوى . وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم ; الديك إذا صاح قال اذكروا الله يا غافلين . وقال الحسن بن علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم ; النسر إذا صاح قال يا بن آدم عش ما شئت فآخرك الموت وإذا صاح العقاب قال ; في البعد من الناس الراحة . وإذا صاح القنبر قال ; إلهي العن مبغضي آل محمد . وإذا صاح الخطاف قرأ ; الحمد لله رب العالمين إلى آخرها فيقول ; ولا الضالين ويمد بها صوته كما يمد القارئ . قال قتادة والشعبي ; إنما هذا الأمر في الطير خاصة ، لقوله ; علمنا منطق الطير والنملة طائر إذ قد يوجد له أجنحة . قال الشعبي ; وكذلك كانت هذه النملة ذات جناحين . وقالت فرقة ; بل كان في جميع الحيوان ، وإنما ذكر الطير لأنه كان جندا من جند سليمان يحتاجه في التظليل عن الشمس وفي البعث في الأمور فخص بالذكر لكثرة مداخلته ; ولأن أمر سائر الحيوان نادر وغير [ ص; 156 ] متردد ترداد أمر الطير . وقال أبو جعفر النحاس ; والمنطق قد يقع لما يفهم بغير كلام ، والله جل وعز أعلم بما أراد . قال ابن العربي ; من قال إنه لا يعلم إلا منطق الطير فنقصان عظيم ، وقد اتفق الناس على أنه كان يفهم كلام من لا يتكلم ويخلق له فيه القول من النبات ، فكان كل نبت يقول له ; أنا شجر كذا ، أنفع من كذا وأضر من كذا ; فما ظنك بالحيوان .
يقول تعالى ذكره; (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ ) أباه ( دَاودَ ) العلم الذي كان آتاه الله في حياته, والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه, فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) يقول; وقال سليمان لقومه; يا أيها الناس علمنا منطق الطير, يعني فهمنا كلامها; وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بني آدم إذ فهمه عنها.وقد حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب; (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) قال; بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ; خمسة وعشرون منها للإنس, وخمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير, وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب; فيها ثلاث مائة صريحة, وسبع مائة سرية, فأمر الريح العاصف فرفعته, وأمر الرخاء فسيرته، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض; إني قد أردت أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. وقوله; (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول; وأعطينا ووهب لنا من كلّ شيء من الخيرات (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) يقول; إن هذا الذي أوتينا من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا المبين, يقول; الذي يبين لمن تأمَّله وتدبره أنه فضل أعطيناه على من سوانا من الناس.
أي: ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه، فلعله تعلم من أبيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان، وقال شكرا لله وتبجحا بإحسانه وتحدثا بنعمته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فكان عليه الصلاة [والسلام] يفقه ما تقول وتتكلم به كما راجع الهدهد وراجعه، وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لأحد غير سليمان عليه الصلاة والسلام. وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي: أعطانا الله من النعم ومن أسباب الملك ومن السلطنة والقهر ما لم يؤته أحدا من الآدميين، ولهذا دعا ربه فقال: وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فسخر الله له الشياطين يعملون له كل ما شاء من الأعمال التي يعجز عنها غيرهم، وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر. إِنَّ هَذَا الذي أعطانا الله وفضلنا واختصنا به لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ الواضح الجلي فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النمل٢٧ :١٦
An-Naml27:16