الرسم العثمانيوَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقٰعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ اَهۡلِكَ تُبَوِّئُ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ مَقَاعِدَ لِلۡقِتَالِؕ وَاللّٰهُ سَمِيۡعٌ عَلِيۡمٌۙ
تفسير ميسر:
واذكر -أيها الرسول- حين خَرَجْتَ من بيتك لابسًا عُدَّة الحرب، تنظم صفوف أصحابك، وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد". والله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم.
المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغير واحد وعن الحسن البصري المراد بذلك يوم الأحزاب. ورواه ابن جرير وهو غريب لا يعول عليه وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوّال سنة ثلاث من الهجرة قال قتادة; لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال وقال عكرمة; يوم السبت للنصف من شوال فالله أعلم. وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان قال أبناء من قتل ورؤساء من بقي لأبي سفيان; ارصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس "أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة"؟ فأشار عبدالله بن أبي بالمقام بالمدينة فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وأن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لامته وخرج عليهم وقد ندم بعضهم وقالوا; لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن شئت أن نمكث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يرجع حتى يحكم الله له" فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه فلما كانوا بالشوط رجع عبدالله بن أبيّ بثلث الجيش مغضبا لكونه لم يرجع إلى قوله وقال هو وأصحابه; لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي; وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال "لا يقاتلنّ أحد حتى نأمره بالقتال" وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه. وأمر على الرماة عبدالله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف. والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم "انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أوعلينا وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم" وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين. وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبدالدار. وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأخر آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين. وتهيأت قريش وهم ثلاثة آلاف. ومعهم مائة فرس قد جنبوها. فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل. ودفعوا اللواء إلى بني عبدالدار ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى. ولهذا قال تعالى "وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال" أي تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم "والله سميع عليم" أي سميع لما تقولون عليم بضمائركم. وقد أورد ابن جرير ههنا سؤالا حاصله كيف تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة وقد قال الله تعالى " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال" الآية. ثم كان جوابه عنه أن غدوه ليبوأهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار.
قوله تعالى ; وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليمقوله تعالى ; وإذ غدوت من أهلك العامل في " إذ " فعل مضمر تقديره ; واذكر إذ غدوت ، يعني خرجت بالصباح . من أهلك من منزلك من عند عائشة .تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم هذه غزوة أحد وفيها نزلت هذه الآية كلها . وقال مجاهد والحسن ومقاتل والكلبي ; هي غزوة الخندق . وعن الحسن أيضا يوم بدر . والجمهور على أنها غزوة أحد ; يدل عليه قوله تعالى ; إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وهذا إنما كان يوم أحد ، وكان المشركون قصدوا المدينة في ثلاثة آلاف رجل ليأخذوا بثأرهم في يوم بدر ; فنزلوا عند أحد على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة ، يوم الأربعاء الثاني عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة ، على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، فأقاموا هنالك يوم الخميس والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامه أن في سيفه ثلمة ، وأن بقرا له تذبح ، وأنه أدخل يده في درع حصينة ; فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون ، وأن رجلا من أهل بيته يصاب ، وأن الدرع الحصينة المدينة . أخرجه مسلم . فكان كل ذلك على ما هو معروف مشهور من تلك الغزاة . وأصل التبوء اتخاذ المنزل ، بوأته منزلا إذا أسكنته إياه ; ومنه قوله عليه السلام ; من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار أي ليتخذ فيها منزلا . فمعنى تبوئ المؤمنين تتخذ لهم مصاف . وذكر البيهقي من حديث أنس أن [ ص; 176 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا وكأن ضبة سيفي انكسرت فأولت أني أقتل كبش القوم وأولت كسر ضبة سيفي قتل رجل من عترتي فقتل حمزة وقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة ، وكان صاحب اللواء . وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب ; وكان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ; أنا عاصم إن شاء الله لما معي ; فقال له طلحة بن عثمان أخو سعيد بن عثمان اللخمي ; هل لك يا عاصم في المبارزة ؟ قال نعم ; فبدره ذلك الرجل . فضرب بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيته فقتله ; فكان قتل صاحب اللواء تصديقا لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( كأني مردف كبشا ) .
القول في تأويل قوله ; إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)قال أبو جعفر; يعني بقوله تعالى ذكره; " إن تمسسكم حسنة تسؤهم "، إن تنالوا، أيها المؤمنون، سرورًا بظهوركم على عدوكم، وتتابع الناس في الدخول في دينكم، وتصديق نبيكم ومعاونتكم على أعدائكم = يسؤهم. (55) وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم، أو بإصابة عدوٍّ لكم منكم، أو اختلاف يكون بين جماعتكم = يفرحوا بها. كما;-7705- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها "، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فُرقة واختلافًا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرَّهم &; 7-156 &; ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به. فهم كلما خرج منهم قَرْنٌ أكذبَ الله أحدوثته، وأوطأ محلَّته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة.7706- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله; " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها "، قال; هم المنافقون، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم. وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافًا، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به. قال الله عز وجل; " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط".7707- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله; " إن تمسسكم حسنة تسؤهم "، قال; إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافًا فرحوا.* * *وأما قوله; " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا "، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه; وإن تصبروا، أيها المؤمنون، على طاعة الله واتباع أمره فيما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه; من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين، وغير ذلك من سائر ما نهاكم =" وتتقوا " ربكم، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم وأوجبَ عليكم من حقه وحق رسوله =" لا يضركم كيدهم شيئًا "، أي; كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم.* * *ويعني بـ " كيدهم "، غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين، ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحق.* * *قال أبو جعفر; واختلف القرأة في قراءة قوله; " لا يضركم ".فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعضُ البصريين; ( لا يَضُرُّكُمْ ) مخففة بكسر " الضاد "، من قول القائل; " ضارني فلان فهو يضيرني ضيرًا ". وقد حكي سماعًا من العرب; " ما ينفعني ولا يضورني"، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل; ( لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا )، ولكني لا أعلم أحدًا قرأ به . (56)* * *وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة; ( لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) بضم " الضاد " وتشديد " الراء "، من قول القائل; " ضرّني فلان فهو يضرني ضرًا ".* * *وأما الرفع في قوله; " لا يضركم "، فمن وجْهين.أحدهما; على إتباع " الراء " في حركتها = إذْ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها = أقربَ حركات الحروف التي قبلها. وذلك حركة " الضاد " وهي الضمة، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها، كما قالوا; " مُدُّ يا هذا ".والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك; أن تكون مرفوعة على صحة، وتكون " لا " بمعنى " ليس "، وتكون " الفاء " التي هي جواب الجزاء، متروكة لعلم السامع بموضعها.وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام; وإن تصبروا وتتقوا، فليس يضرُّكم كيدهم شيئًا - ثم تركت " الفاء " من قوله; " لا يضركم كيدهم "، ووجهت " لا " إلى معنى " ليس "، كما قال الشاعر; (57)فَـإنْ كَـانَ لا يُـرْضِيكَ حَـتَّى تَرُدَّنِيإلَــى قَطَــرِيٍّ، لا إخَـالُكَ رَاضِيَـا (58)ولو كانت " الراء " محركة إلى النصب والخفض، كان جائزًا، كما قيل; " مُدَّ يا هذا، ومُدِّ". (59)* * *وقوله; " إنّ الله بما يعملون محيطٌ"، يقول جل ثناؤه; إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله، والعداوة لأهل دينه، وغير ذلك من معاصي الله =" محيط" بجميعه، حافظ له، لا يعزب عنه شيء منه، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله، ويذيقهم عقوبته عليه. (60)----------------------الهوامش ;(55) انظر تفسير"المس" فيما سلف 5; 118.(56) انظر معاني القرآن للفراء 1; 232.(57) هو سوار بن المضرب السعدي التميمي.(58) نوادر أبي زيد; 45 ، الكامل 1; 300 ، حماسة ابن الشجري; 54 ، 55 ، معاني القرآن للفراء 1; 232 ، من أبيات ضرب بها وجه الحجاج بن يوسف الثقفي ، لما كتب على بني تميم البعث إلى قتال الخوارج ، فهرب سوار وقال;أَقَــاتِلِىَ الحَجَّــاجُ أَنْ لَـمْ أَزُرْ لَـهُدَرَابَ، وَأَتْــرُكْ عِنْـدَ هِنْـدٍ فُؤَادِيَـا?فَـإن كُـنْتَ لا يُـرْضِيكَ حَتَّـى تَرُدَّنِيإلَــى قَطَـرِيٍّ، لا إِخـالُكَ رَاضِيَـا!!إذَا جَـاوَزَتْ دَرْبَ المُجِـيزِينَ نَـاقَتيفَبِأسْــتِ أبي الحَجَّـاجِ لَمَّـا ثَنَانِيَـاأَيَرْجُـو بَنُـو مَرْوَانَ سَمْعِي وطَاعَتِي،وَدُونِــي تَمِيـمٌ، والفَـلاةُ وَرَائِيَـا!!وقوله; "دراب" يعني; دراب جرد ، وهي بلدة في بلاد فارس ، وكان المهلب يومئذ يقاتل بها الخوارج ورأسهم قطرى بن الفجاءة. ثم يقول له في البيت الثاني; إن كان لا يرضبيك إلا ردي إلى قتال قطري ، فلا أظنك تبلغ رضاك ، فإنك غير مدركي ، ولن تنالني يدك. يسخر بسطوة الحجاج. وقوله; "درب المجيزين" هم المقيمون على أبواب المدن والثغور. يمنعون الخارج والداخل ، إلا من كان بيده جواز معطى من أميره. يقول; إذا جاوزت الدرب فيا بعد يديك عن أن تنالني وتثنيني عن وجهتي! والشاهد عند الطبري هو في قوله; "لا إخالك راضيًا" ، أي; فلست إخالك راضيًا.(59) الذي سلف هو مقالة الفراء في معاني القرآن 1; 232.(60) انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف 2; 284 / 5 ; 396.
هذه الآيات نزلت في وقعة \"أُحد\" وقصتها مشهورة في السير والتواريخ، ولعل الحكمة في ذكرها في هذا الموضع، وأدخل في أثنائها وقعة \"بدر\" لما أن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم، ورد كيد الأعداء عنهم، وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا لا يتخلف مع الإتيان بشرطه، فذكر نموذجا من هذا في هاتين القصتين، وأن الله نصر المؤمنين في \"بدر\" لما صبروا واتقوا، وأدال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الإخلال بالتقوى ما صدر، ومن حكمة الجمع بين القصتين أن الله يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن يتذكروا ما يحبون، فيخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم، كان المكروه بالنسبة إلى المحبوب نزرا يسيرا، وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة في قوله { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } وحاصل قضية \"أحد\" وإجمالها أن المشركين لما رجع فلهم من \"بدر\" إلى مكة، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالأموال والرجال والعدد، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف، فلما ساروا قليلا رجع عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته، وهمت طائفتان من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله، فلما وصلوا إلى أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى أحد، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من أصحابه في خلة في جبل \"أحد\" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من ظهورهم، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل، قال بعضهم لبعض: الغنيمة الغنيمة، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا، ووعظهم أميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر يسير، منهم أميرهم عبد الله بن جبير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل من قتل من قتل منهم، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل \"أحد\" وكف الله عنهم أيدي المشركين وانكفأوا إلى بلادهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة قال الله تعالى { وإذ غدوت من أهلك } والغدو هاهنا مطلق الخروج، ليس المراد به الخروج في أول النهار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوا إلا بعدما صلوا الجمعة { تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } أي: تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به، وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه { والله سميع } لجميع المسموعات، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه { عليم } بنيات العبيد، فيجازيهم عليها أتم الجزاء، وأيضا فالله سميع عليم بكم، يكلؤكم، ويتولى تدبير أموركم، ويؤيدكم بنصره كما قال تعالى لموسى وهارون { إنني معكما أسمع وأرى }
(الواو) استئنافيّة
(إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر.
(غدوت) فعل ماض مبنيّ على السكون
(التاء) فاعل،
(من أهل) ، جارّ ومجرور متعلّق بـ (غدوت) و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(تبوّئ) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(المؤمنين) مفعول به أوّل منصوبـ (مقاعد) مفعول به ثان منصوبـ (للقتال) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تبوّئ) ،
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(سميع) خبر مرفوع
(عليم) خبر ثان مرفوع.
جملة: «غدوت ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «تبوّئ ... » في محلّ نصب حال من فاعل غدوت » .
وجملة: «الله سميع» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٢١
Ali 'Imran3:121