الرسم العثمانيادْعُوهُمْ لِءَابَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓا ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوٰلِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِۦ وَلٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
الـرسـم الإمـلائـياُدۡعُوۡهُمۡ لِاٰبَآٮِٕهِمۡ هُوَ اَقۡسَطُ عِنۡدَ اللّٰهِ ۚ فَاِنۡ لَّمۡ تَعۡلَمُوۡۤا اٰبَآءَهُمۡ فَاِخۡوَانُكُمۡ فِى الدِّيۡنِ وَمَوَالِيۡكُمۡؕ وَ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ فِيۡمَاۤ اَخۡطَاۡ تُمۡ بِهٖۙ وَلٰكِنۡ مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوۡبُكُمۡ ؕ وَكَانَ اللّٰهُ غَفُوۡرًا رَّحِيۡمًا
تفسير ميسر:
انسبوا أدعياءكم لآبائهم، هو أعدل وأقوم عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم الحقيقيين فادعوهم إذًا بأخوَّة الدين التي تجمعكم بهم، فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيه، وليس عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه، وإنما يؤاخذكم الله إذا تعمدتم ذلك. وكان الله غفورًا لمن أخطأ، رحيمًا لمن تاب من ذنبه.
وقوله عز وجل; "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة وأن هذا هو العدل والقسط والبر. قال البخاري رحمه الله حدثنا يعلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة قال حدثني سالم عن عبد الله بن عمر قال إن زيد بن حارثة رضي الله عنه "مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن موسى بن عقبة به وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة رضي الله عنهما; يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا ندعو سالما ابنا وإن الله قد أنزل ما أنزل وإنه كان يدخل علي وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال صلى الله عليه وسلم "أرضعيه تحرمي عليه" الحديث ولهذا لما نسخ هذا الحكم أباح تبارك وتعالى زوجه الدعي وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه وقال عز وجل "لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواح أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا" وقال تبارك وتعالى في آية التحريم "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" احترازا عن زوجة الدعي فإنه ليس من الصلب فأما الابن من الرضاعة فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب" أما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب فليس مما نهى عنه في هذه الآية بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي من حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال; قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول "أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" قال أبو عبيدة وغيره أبيني تصغير ابني وهذا ظاهر الدلالة فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر. وقوله "ادعوهم لآبائهم" في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان وأيضا ففي صحيح مسلم من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن الجعد أبي عثمان البصري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا بني" ورواه أبو داود والترمذي وقوله عز وجل; "فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" أمر تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم أي عوضا عما فاتهم من النسب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة رضي الله عنها تنادي يا عم يا عم فأخذها علي رضي الله عنه وقال لفاطمة رضي الله عنها دونك ابنة عمك فاحتملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم في أيهم يكفلها فكل أدلى بحجة فقال علي رضي الله عنه أنا أحق بها وهى ابنة عمي وقال زيد ابنة أخي وقال جعفر بن أبي طالب ابنة عمي وخالتها تحتي يعني أسماء بنت عميس فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال; "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلي رضي الله عنه أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر رضي الله عنه "أشبهت خلقي وخلقي" وقال لزيد رضي الله عنه "أنت أخونا ومولانا" ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم حكم بالحق وأرضى كلا من المتنازعين وقال لزيد رضي الله عنه "أنت أخونا ومولانا" كما قال تعالى; "فإخوانكم في الدين ومواليكم" وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن عينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال; قال أبو بكرة رضي الله عنه قال الله عز وجل; "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" فأنا ممن لا يعرف أبوه فأنا من إخوانكم في الدين قال أبي; والله إني لأظنه أنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه وقد جاء في الحديث "من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم إلا كفر" وهذا تشديد وتهديد ووعيد أكيد في التبري من النسب المعلوم ولهذا قال تعالى; "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" ثم قال تعالى; "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به" أي إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه كما أرشد إليه في قوله تبارك وتعالى آمرا عباده أن يقولوا "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; "قال الله عز وجل قد فعلت" وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر" وفي الحديث الآخر "إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والأمر الذي يكرهون عليه" وقال تبارك وتعالى ههنا "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما" أي وإنما الإثم على من تعمد الباطل كما قال عز وجل; "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" الآية وفي الحديث المتقدم" من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر" وفي القرآن المنسوخ فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه أنه قال; إن الله تعالى بعث محمدا بالحق وأنزل معه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده من قال قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم عليه السلام فإنما أنا عبد الله فقولوا عبده ورسوله" وربما قال معمر "كما أطرت النصارى ابن مريم" رواه في الحديث الآخر "ثلاث في الناس كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم".
قوله تعالى ; ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما .فيه ست مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; ادعوهم لآبائهم نزلت في زيد بن حارثة ، على ما تقدم بيانه . وفي قول ابن عمر ; ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد ، دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام ، يتوارث به ويتناصر ، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل . فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه ، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا ; فيقال ; كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه ، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان . وقال النحاس ; هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني ، وهو من نسخ السنة بالقرآن ; فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه ، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي ; يعني في الدين ، قال الله تعالى ; إنما المؤمنون إخوة .الثانية ; لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة ; لقوله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس ; قاله قتادة . ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني ، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود ; فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به . فلما نزلت الآية قال المقداد ; أنا ابن [ ص; 113 ] عمرو ; ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه . ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا . وكذلك سالم مولى أبي حذيفة ، كان يدعى لأبي حذيفة . وغير هؤلاء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه . وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة ; فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد ، فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى ; ولكن ما تعمدت قلوبكم أي فعليكم الجناح . والله أعلم . ولذلك قال بعده ; وكان الله غفورا رحيما أي غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ .الثالثة ; وقد قيل ; إن قول الله تبارك وتعالى ; وليس عليكم جناح فيما أخطأتم مجمل ; أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم ، وكانت فتيا عطاء وكثير من العلماء . على هذا إذا حلف رجل ألا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زيوفا أنه لا شيء عليه . وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث ; لأنه لم يتعمد ذلك . و ( ما ) في موضع خفض ردا على ( ما ) التي مع أخطأتم . ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ ; والتقدير ; ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم . قال قتادة وغيره ; من نسب رجلا إلى غير أبيه ، وهو يرى أنه أبوه خطأ ، فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح . وقيل ; هو أن يقول له في المخاطبة ; يا بني ; على غير تبن .الرابعة ; الأدعياء جمع الدعي ، وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه ، أو يدعي غير أبيه والمصدر الدعوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب ، فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مولى وأخا في الدين . وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال ; أنا ممن لا يعرف أبوه ، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم . قال الراوي عنه ; ولو علم - والله - أن أباه حمار لانتمى إليه ، ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث .الخامسة ; روي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا صلى الله عليه وسلم يقول ; من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام . وفي حديث أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ; ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر .
القول في تأويل قوله تعالى ; ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) يقول الله تعالى ذكره; انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيد بن محمد. وقوله; (هُوَ أقْسَطُ عِنْدِ اللَّه) يقول; دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبنكموهم إلى من تبنَّاهم وادّعاهم وليسوا له بنين.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قوله; (ادْعُوهُمْ لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدِ اللَّهِ) ; أي أعدل عند الله، وقوله; (فإنْ لَمْ تَعْلمُوا آباءَهُمْ فَإخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) يقول تعالى ذكره; فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم، ولم تعرفوهم، فتلحقوهم بهم، (فإخوانكم في الدين) يقول; فهم إخوانكم في الدين، إن كانوا من أهل ملَّتكم، ومواليكم إن كانوا محرّريكم وليسوا ببنيكم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (ادْعُوهُم لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) ; أي أعدل عند الله (فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية، عن عُيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال; قال أبو بكرة; قال الله; ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) فأنا ممن لا يُعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين، قال; قال أبي; والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمَّارًا لانتمى إليه.وقوله; (وَلَيْسَ عَليْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) يقول; ولا حرج عليكم ولا وزر في خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه، وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه، وهو ابن لغيره (وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) يقول; ولكن الإثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه، وأنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) يقول; إذا دعوت الرجل لغير أبيه، وأنت ترى أنه كذلك (وَلَكِنْ ما تَعمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) يقول الله; لا تدعه لغير أبيه متعمدا. أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) قال; فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره، و " ما " التي في قوله; (وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) خفض ردّا على " ما " التي في قوله; (فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) وذلك أن معنى الكلام; ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن فيما تعمدت قلوبكم.وقوله; (وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيما) يقول الله تعالى ذكره; وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول، وذمّ من ادّعى ولد غيره ابنا له، إذا تابا وراجعا أمر الله، وانتهيا عن قيل الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه، ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما.
ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى، المتضمنة للقول الباطل فقال: { ادْعُوهُمْ } أي: الأدعياء { لِآبَائِهِمْ } الذين ولدوهم { هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } أي: أعدل، وأقوم، وأهدى.{ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ } الحقيقيين { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي: إخوتكم في دين اللّه، ومواليكم في ذلك، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة، والموالاة على ذلك، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم، لا يجوز فعلها.وأما دعاؤهم لآبائهم، فإن علموا، دعوا إليهم، وإن لم يعلموا، اقتصر على ما يعلم منهم، وهو أخوة [الدين] والموالاة، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم، لأن المحذور لا يزول بذلك.{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } بأن سبق على لسان أحدكم، دعوته إلى من تبناه، فهذا غير مؤاخذ به، أو علم أبوه ظاهرًا، [فدعوتموه إليه] وهو في الباطن، غير أبيه، فليس عليكم في ذلك حرج، إذا كان خطأ، { وَلَكِنْ } يؤاخذكم { بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } من الكلام، بما لا يجوز. { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } غفر لكم ورحمكم، حيث لم يعاقبكم بما سلف، وسمح لكم بما أخطأتم به، ورحمكم حيث بيَّن لكم أحكامه التي تصلح دينكم ودنياكم، فله الحمد تعالى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الأحزاب٣٣ :٥
Al-Ahzab33:5