الرسم العثمانيوَاللَّهُ الَّذِىٓ أَرْسَلَ الرِّيٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنٰهُ إِلٰى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذٰلِكَ النُّشُورُ
الـرسـم الإمـلائـيوَاللّٰهُ الَّذِىۡۤ اَرۡسَلَ الرِّيٰحَ فَتُثِيۡرُ سَحَابًا فَسُقۡنٰهُ اِلٰى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَاَحۡيَيۡنَا بِهِ الۡاَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا ؕ كَذٰلِكَ النُّشُوۡرُ
تفسير ميسر:
واللهُ هو الذي أرسل الرياح فتحرك سحابًا، فسقناه إلى بلد جدب، فينزل الماء فأحيينا به الأرض بعد يُبْسها فتخضر بالنبات، مثل ذلك الإحياء يحيي الله الموتى يوم القيامة.
كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها كما في أول سورة الحج ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها "اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعا ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ولهذا جاء في الصحيح "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب" ولهذا قال تعالى; "كذلك النشور" وتقدم في الحج حديث أبى رزين قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم "يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا؟" قلت بلى قال صلى الله عليه وسلم "فكذلك يحيي الله الموتى".
قوله تعالى ; والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور .قوله تعالى ; والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت ميت وميت واحد ، وكذا ميتة وميتة ; هذا قول الحذاق من النحويين . وقال محمد بن يزيد ; هذا قول البصريين ، ولم يستثن أحدا ، واستدل على ذلك بدلائل قاطعة . وأنشد ;ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيباكاسفا باله قليل الرجاءقال ; فهل ترى بين ميت وميت فرقا ، وأنشد ;هينون لينون أيسار بنو يسر سواس مكرمة أبناء أيسارقال ; فقد أجمعوا على أن هينون ولينون واحد ، وكذا ميت وميت ، وسيد وسيد . قال ; فسقناه بعد أن قال ; والله الذي أرسل الرياح وهو من باب تلوين الخطاب . وقال أبو عبيدة ; سبيله ( فتسوقه ) ، لأنه قال ; فتثير سحابا . الزمخشري ; فإن قلت ; لم جاء فتثير على المضارعة دون ما قبله وما بعده ؟ قلت ; لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية ; وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب ، أو تهم المخاطب أو غير ذلك ; كما قال تأبط شرا ;بأني قد لقيت الغول تهوي بسهب كالصحيفة صحصحانفأضربها بلا دهش فخرت صريعا لليدين وللجرانلأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول ، كأنه يبصرهم إياها ، ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب من جرأته على كل هول ، وثباته عند كل شدة وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت ، لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل ; ( فسقنا ) و ( أحيينا ) معدولا بهما عن لفظة الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه . وقراءة [ ص; 294 ] العامة ( الرياح ) . وقرأ ابن محيصن وابن كثير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي ( الريح ) توحيدا . وقد مضى بيان هذه الآية والكلام فيها مستوفى . " كذلك النشور " أي كذلك تحيون بعدما متم ; من نشر الإنسان نشورا . فالكاف في محل الرفع ; أي مثل إحياء الأموات نشر الأموات . وعن أبي رزين العقيلي قال ; قلت يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ، وما آية ذلك في خلقه ؟ قال ; أما مررت بوادي أهلك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا ؟ قلت ; نعم يا رسول الله . قال فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه وقد ذكرنا هذا الخبر في ( الأعراف ) وغيرها .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)يقول تعالى ذكره; والله الذي أرسل الرياح فتثير السحاب للحيا والغيث ( فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ ) يقول; فسقناه إلى بلد مجدب الأهل، محل الأرض، داثر لا نبت فيه ولا زرع ( فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) يقول; فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التي سقناه إليها بعد جدوبها، وأنبتنا فيها الزرع بعد المحل (كَذَلِكَ النُّشُورُ) يقول تعالى ذكره; هكذا يُنْشِر الله الموتى بعد بلائهم في قبورهم، فيحييهم بعد فنائهم، كما أحيينا هذه الأرض بالغيث بعد مماتها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار قال; ثنا عبد الرحمن قال; ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال; ثنا أَبو الزعراء عن عبد الله قال; يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم إلا وفي الأرض منه شيء، قال; فيرسل الله ماءً من تحت العرش؛ منيًّا كمني الرجل، فتنبت أجسادهم ولحمانهم من ذلك، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ ...) إلى قوله (كَذَلِكَ النُّشُورُ) قال; ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها فتدخل فيه.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ) قال; يرسل الرياح فتسوق السحاب، فأحيا الله به هذه الأرض الميتة بهذا الماء، فكذلك يبعثه يوم القيامة.
يخبر تعالى عن كمال اقتداره، وسعة جوده، وأنه { أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } فأنزله اللّه عليها { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فحييت البلاد والعباد، وارتزقت الحيوانات، ورتعت في تلك الخيرات، { كَذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها، ينشر الله الأموات من قبورهم، بعدما مزقهم البلى، فيسوق إليهم مطرا، كما ساقه إلى الأرض الميتة، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور، ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم، ويفصل بحكمه العدل.
(الواو) استئنافيّة
(الفاء) عاطفة في المواضع الثلاثة ،
(إلى بلد) متعلّق بـ (سقناه) ،
(به) متعلّق بـ (أحيينا) ،
(بعد) ظرف منصوب متعلّق بـ (أحيينا) ، وهو للزمان
(كذلك) متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ
(النشور) .
جملة: «الله الذي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أرسل..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «تثير ... » لا محلّ لها معطوفة على صلة الموصول .
وجملة: «سقناه ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تثير.
وجملة: «أحيينا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة سقناه..
وجملة: «كذلك النشور..» لا محلّ لها استئنافيّة مقرّرة لمضمون ما سبق.
- القرآن الكريم - فاطر٣٥ :٩
Fatir35:9