الرسم العثمانيوَجَعَلْنَا مِنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنٰهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَجَعَلۡنَا مِنۡۢ بَيۡنِ اَيۡدِيۡهِمۡ سَدًّا وَّمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدًّا فَاَغۡشَيۡنٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُوۡنَ
تفسير ميسر:
وجعلنا من أمام الكافرين سدًّا ومن ورائهم سدًّا، فهم بمنزلة من سُدَّ طريقه من بين يديه ومن خلفه، فأعمينا أبصارهم؛ بسبب كفرهم واستكبارهم، فهم لا يبصرون رشدًا، ولا يهتدون. وكل من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد، فهو حقيق بهذا العقاب.
وقوله تعالى "وجعلنا من بين أيديهم سدا" قال مجاهد عن الحق "ومن خلفهم سدا" قال مجاهد; عن الحق فهم مترددون. وقال قتادة في الضلالات وقوله تعالى "فأغشيناهم" أي أغشينا أبصارهم عن الحق "فهم لا يبصرون" أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه قال ابن جرير; وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ "قأغشيناهم" بالعين المهملة من العشا وهو داء في العين وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم; جعل الله تعالى هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان فهم لا يخلصون إليه وقرأ "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" ثم قال; من منعه الله تعالى لا يستطيع. وقال عكرمة قال أبو جهل لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن فأنزلت "إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا - إلى قوله - فهم لا يبصرون" قال وكانوا يقولون هذا محمد فيقول أين هو أين هو؟ لا يبصره رواه ابن جرير; وقال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب قال; قال أبو جهل وهم جلوس إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه فجعل يذرها على رؤوسهم ويقرأ "يس والقرآن الحكيم - حتى انتهى إلى قوله تعالى - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون" وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار فقال مالكم ؟ قالوا ننتظر محمدا قال قد خرج عليكم فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم ذهب لحاجته فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب. قال وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال; "وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحا وإنه لآخذهم" وقوله تبارك وتعالى.
قوله تعالى ; وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا قال مقاتل ; لما عاد أبو جهل إلى أصحابه ، ولم يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسقط الحجر من يده ، أخذ الحجر رجل آخر من بني مخزوم وقال ; أقتله بهذا الحجر . فلما دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - طمس الله على بصره فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فهذا معنى الآية . وقال محمد بن إسحاق في روايته ; جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل وأمية بن خلف ، يرصدون النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغوا من أذاه ، فخرج عليهم - عليه السلام - وهو يقرأ ( يس ) وفي يده تراب فرماهم به وقرأ ; وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأطرقوا حتى مر عليهم عليه السلام . وقد مضى هذا في سورة ( سبحان ) ومضى في ( الكهف ) الكلام في " سدا " بضم السين وفتحها ، وهما لغتان . وقال الضحاك ; وجعلنا من بين أيديهم سدا أي ; الدنيا ، ومن خلفهم سدا أي ; الآخرة ، أي ; عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال الله تعالى ; وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي ; زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل ; على هذا من بين أيديهم سدا أي ; غرورا بالدنيا ، ومن خلفهم سدا أي ; تكذيبا بالآخرة . وقيل ; من بين أيديهم الآخرة ومن خلفهم الدنيا . فأغشيناهم أي ; غطينا أبصارهم ، وقد مضى في أول [ البقرة ] .وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة ، من العشاء في العين ، وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل . قال ;متى تأته تعشو إلى ضوء ناره[ ص; 12 ] وقال تعالى ; ومن يعش عن ذكر الرحمن الآية . والمعنى متقارب ، والمعنى أعميناهم ، كما قال ;ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسدادلا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مرادفهم لا يبصرون أي الهدى ، قاله قتادة . وقيل ; محمد حين ائتمروا على قتله ، قاله السدي . وقال الضحاك ; وجعلنا من بين أيديهم سدا أي ; الدنيا ، ومن خلفهم سدا أي ; الآخرة . أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال الله تعالى ; وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي ; زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل ; على هذا من بين أيديهم سدا أي ; غرورا بالدنيا ، ومن خلفهم سدا أي ; تكذيبا بالآخرة . وقيل ; من بين أيديهم الآخرة ومن خلفهم الدنيا .
وقوله ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) يقول تعالى ذكره; وجعلنا من بين أيدي هؤلاء المشركين سدًّا، وهو الحاجز بين الشيئين؛ إذا فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم. وبالضم قرأ ذلك قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين. وقرأه بعض المكيين وعامة قراء الكوفيين بفتح السين ( سَدًّا) في الحرفين كلاهما؛ والضم أعجب القراءتين إليّ في ذلك، وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة.وعنى بقوله ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) أنه زين لهم سوء أعمالهم فهم يَعْمَهُونَ، ولا يبصرون رشدًا، ولا يتنبهون حقًّا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني ابن حميد، قال; ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله ( مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) قال; عن الحق .حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) عن الحق فهم يترددون .حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) قال; ضلالات .حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قول الله ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) قال; جعل هذا سدًّا بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقرأ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ... الآية كلها، وقال; من منعه الله لا يستطيع .وقوله ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) يقول; فأغشينا أبصار هؤلاء أي; جعلنا عليها غشاوة ؛ فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) هدى، ولا ينتفعون به .وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة.* ذكر الرواية بذلك;حدثني عمران بن موسى، قال; ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال; ثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة قال; قال أبو جهل; لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنـزلت ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا ) .. إلى قوله ( فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) قال; فكانوا يقولون; هذا محمد، فيقول أين هو، أين هو؟ لا يبصره . وقد رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك; (فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) بالعين بمعنى ; أعشيناهم عنه، وذلك أن العَشَا هو أن يمشي بالليل ولا يبصر.
{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } أي: حاجزا يحجزهم عن الإيمان، { فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - يس٣٦ :٩
Yasin36:9