لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
لِّـتُؤۡمِنُوۡا بِاللّٰهِ وَ رَسُوۡلِهٖ وَتُعَزِّرُوۡهُ وَتُوَقِّرُوۡهُ ؕ وَتُسَبِّحُوۡهُ بُكۡرَةً وَّاَصِيۡلًا
تفسير ميسر:
إنا أرسلناك -أيها الرسول- شاهدًا على أمتك بالبلاغ، مبينًا لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشرًا لمن أطاعك بالجنة، ونذيرًا لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل؛ لتؤمنوا بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموه، وتسبحوه أول النهار وآخره.
"لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد تعظموه "وتوقروه" من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام "وتسبحوه" أي تسبحون الله "بكرة وأصيلا" أي أول النهار وآخره.
لتؤمنوا بالله ورسوله قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ( ليؤمنوا ) بالياء ، وكذلك ( يعزروه ويوقروه ويسبحوه ) كله بالياء على الخبر . واختاره أبو عبيد لذكر المؤمنين قبله وبعده ، فأما قبله فقوله ; " ليدخل " وأما بعده فقوله ; إن الذين يبايعونك الباقون بالتاء على الخطاب ، واختاره أبو حاتم . وتعزروه أي تعظموه وتفخموه ، قاله الحسن والكلبي ، والتعزيز ; التعظيم والتوقير . وقال قتادة ; تنصروه وتمنعوا منه . ومنه التعزير في الحد لأنه مانع . قال القطامي ;[ ص; 244 ]ألا بكرت مي بغير سفاهة تعاتب والمودود ينفعه العزروقال ابن عباس وعكرمة ; تقاتلون معه بالسيف . وقال بعض أهل اللغة ; تطيعوه .وتوقروه أي تسودوه ، قاله السدي . وقيل ; تعظموه . والتوقير ; التعظيم والترزين أيضا . والهاء فيهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - . وهنا وقف تام ، ثم تبتدئ وتسبحوه أي تسبحوا الله بكرة وأصيلا أي عشيا . وقيل ; الضمائر كلها لله تعالى ، فعلى هذا يكون تأويل تعزروه وتوقروه أي ; تثبتوا له صحة الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك . واختار هذا القول القشيري . والأول قول الضحاك ، وعليه يكون بعض الكلام راجعا إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وتسبحوه من غير خلاف . وبعضه راجعا إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو وتعزروه وتوقروه أي ; تدعوه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكنية . وفي ( تسبحوه ) وجهان ; تسبيحه بالتنزيه له سبحانه من كل قبيح . والثاني ; هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح . ( بكرة وأصيلا ) أي ; غدوة وعشيا . وقد مضى القول فيه . وقال الشاعر [ أبو ذؤيب ] ;لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأجلس في أفيائه بالأصائل
ثم اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ ) فقرأ جميع ذلك عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء بالتاء ( لِتُؤْمِنُوا - وَتُعَزِّرُوهُ - وَتُوَقِّرُوهُ - وَتُسَبِّحُوهُ ) بمعنى; لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء ( لِيُؤْمِنُوا - وَيُعَزِّرُوهُ - وَيُوَقِّرُوهُ - وَيُسَبِّحُوهُ ) بمعنى; إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزّروه.والصواب من القول في ذلك; أن يقال; إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) يقول; شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله, ونذيرا من النار.وقوله ( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم; تجلوه, وتعظموه.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَتُعَزِّرُوهُ ) يعني; الإجلال ( وَتُوَقِّرُوهُ ) يعني; التعظيم.حُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) كل هذا تعظيم وإجلال.وقال آخرون; معنى قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ ) ; وينصروه, ومعنى ( وَتُوَقِّرُوهُ ) ويفخموه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَتُعَزِّرُوهُ ) ; ينصروه ( وَتُوَقِّرُوهُ ) أمر الله بتسويده وتفخيمه.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ ) قال; ينصروه, ويوقروه; أي ليعظموه.حدثني أبو هريرة الضُّبَعيّ, قال; ثنا حرميّ, عن شعبة, عن أبي بشر, جعفر بن أبي وحشية, عن عكرِمة ( وَتُعَزِّرُوهُ ) قال; يقاتلون معه بالسيف.حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال; ثني هشيم, عن أبي بشر, عن عكرِمة, مثله.حدثني أحمد بن الوليد, قال; ثنا عثمان بن عمر, عن سعيد, عن أبي بشر, عن عكرمة, بنحوه.حدثنا ابن بشار, قال; ثنا يحيى ومحمد بن جعفر, قالا ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن عكرِمة, مثله.وقال آخرون; معنى ذلك; ويعظموه.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) قال; الطاعة لله.وهذه الأقوال متقاربات المعنى, وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها. ومعنى التعزير في هذا الموضع; التقوية بالنُّصرة والمعونة, ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال.وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.فأما التوقير; فهو التعظيم والإجلال والتفخيم.وقوله ( وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) يقول; وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات.والهاء في قوله ( وَتُسَبِّحُوهُ ) من ذكر الله وحده دون الرسول. وقد ذُكر أن ذلك في بعض القراءات; ( وَيُسَبِحُوا الله بُكْرَةً وَأَصِيلا ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) في بعض القراءة ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ).حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في بعض الحروف ( وَيُسَبِحُوا الله بُكْرَةً وَأَصِيلا ).حُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) يقول; يسبحون الله رجع إلى نفسه.
{ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.{ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، { وَتُسَبِّحُوهُ } أي: تسبحوا لله { بُكْرَةً وَأَصِيلًا } أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة