يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسٰىٓ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسٰىٓ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوٓا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقٰبِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمٰنِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولٰٓئِكَ هُمُ الظّٰلِمُونَ
يٰۤاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٌ مِّنۡ قَوۡمٍ عَسٰٓى اَنۡ يَّكُوۡنُوۡا خَيۡرًا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٌ مِّنۡ نِّسَآءٍ عَسٰٓى اَنۡ يَّكُنَّ خَيۡرًا مِّنۡهُنَّۚ وَلَا تَلۡمِزُوۡۤا اَنۡفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوۡا بِالۡاَلۡقَابِؕ بِئۡسَ الِاسۡمُ الۡفُسُوۡقُ بَعۡدَ الۡاِيۡمَانِ ۚ وَمَنۡ لَّمۡ يَتُبۡ فَاُولٰٓٮِٕكَ هُمُ الظّٰلِمُوۡنَ
تفسير ميسر:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين، ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات؛ عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات، ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا، ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب، بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي.
ينهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "الكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس" والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ولهذا قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن" فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء وقوله تبارك وتعالى "ولا تلمزوا أنفسكم" أي لا تلمزوا الناس والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى "ويل لكل همزة لمزة" والهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال عز وجل "هماز مشاء بنميم" أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال ولهذا قال ههنا "ولا تلمزوا أنفسكم" كما قال "ولا تقتلوا أنفسكم" أي لا يقتل بعضكم بعضا قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جيبر وقتادة ومقاتل بن حيان "ولا تلمزوا أنفسكم" أي لا يطعن بعضكم على بعض وقوله تعالى "ولا تنابزوا بالألقاب" أي لا تداعوا بالألقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت في بني سلمة "ولا تنابزوا بالألقاب" قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت "ولا تنابزوا بالألقاب" ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن وهب عن داود به وقوله جل وعلا "بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان" أي بئس الصفة والاسم الفسوق وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يتناعتون بعدما دخلتم فى الإسلام وعقلتموه "ومن له يتب" أي من هذا "فأولئك هم الظالمون".
قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون .قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن فيه أربع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم قيل عند الله . وقيل ; خيرا منهم أي ; معتقدا وأسلم باطنا . والسخرية ; الاستهزاء . سخرت منه أسخر سخرا ( بالتحريك ) ومسخرا وسخرا ( بالضم ) . وحكى أبو زيد سخرت به ، وهو أردأ اللغتين . وقال الأخفش ; سخرت منه وسخرت به ، وضحكت منه وضحكت به ، وهزئت منه وهزئت به ، كل يقال . والاسم السخرية والسخري ، وقرئ بهما قوله تعالى ; ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقد تقدم . وفلان سخرة ، يتسخر في العمل . يقال ; خادم سخرة . ورجل سخرة أيضا يسخر منه . وسخرة ( بفتح الخاء ) يسخر من الناس .[ ص; 294 ] الثانية ; واختلف في سبب نزولها ، فقال ابن عباس ; نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، فإذا سبقوه إلى مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ أصحابه مجالسهم منه ، فربض كل رجل منهم بمجلسه ، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلسا فيظل قائما ، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطى رقاب الناس ويقول ; تفسحوا تفسحوا ، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبينه رجل فقال له ; تفسح . فقال له الرجل ; قد وجدت مجلسا فاجلس! فجلس ثابت من خلفه مغضبا ، ثم قال ; من هذا ؟ قالوا فلان ، فقال ثابت ; ابن فلانة! يعيره بها ، يعني أما له في الجاهلية ، فاستحيا الرجل ، فنزلت . وقال الضحاك ; نزلت في وفد بني تميم الذي تقدم ذكرهم في أول ( السورة ) استهزءوا بفقراء الصحابة ، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فنزلت في الذين آمنوا منهم . وقال مجاهد ; هو سخرية الغني من الفقير . وقال ابن زيد ; لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله ، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة . وقيل ; نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما ، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة . فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت .وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته ، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته ، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله ، والاستهزاء بمن عظمه الله . ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل ; لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع . وعن عبد الله بن مسعود ; البلاء موكل بالقول ، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا . وقوم في اللغة للمذكرين خاصة . قال زهير ;وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساءوسموا قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد . وقيل ; إنه جمع قائم ، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين . وقد يدخل في القوم النساء مجازا ، وقد مضى في ( البقرة ) بيانه .الثالثة ; قوله تعالى ; ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر . وقد قال الله تعالى ; إنا أرسلنا نوحا إلى قومه فشمل الجميع .قال المفسرون ; نزلت في امرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سخرتا من أم سلمة ، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض ، ومثلها السب - وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها ، فقالت عائشة لحفصة - رضي الله عنهما ; انظري! ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ، فهذه كانت سخريتهما . وقال أنس وابن زيد ; نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عيرن أم سلمة بالقصر . وقيل ; نزلت في عائشة ، أشارت بيدها إلى أم سلمة ، يا نبي الله إنها لقصيرة . وقال عكرمة عن ابن عباس ; إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت ; يا رسول الله ، إن النساء يعيرنني ، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد . فأنزل الله هذه الآية .الرابعة ; في صحيح الترمذي عن عائشة قالت ; حكيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا ، فقال ; ما يسرني أني حكيت رجلا وأن لي كذا وكذا . قالت فقلت ; يا رسول الله ، إن صفية امرأة - وقالت بيدها - هكذا ، يعني أنها قصيرة . فقال ; ( لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج ) . وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة قال ; نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس . وقال ; لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم . وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة ، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال . ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه . فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية . ويترتب عليها عدم [ ص; 296 ] الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة ، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة . بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة ، لا تلك الذات المسيئة . فتدبر هذا ، فإنه نظر دقيق ، وبالله التوفيق .قوله تعالى ; ولا تلمزوا أنفسكم فيه ثلاث مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; ولا تلمزوا أنفسكم اللمز ; العيب ، وقد مضى في ( براءة ) عند قوله تعالى ; ومنهم من يلمزك في الصدقات وقال الطبري ; اللمز باليد والعين واللسان والإشارة . والهمز لا يكون إلا باللسان . وهذه الآية مثل قوله تعالى ; ولا تقتلوا أنفسكم أي ; لا يقتل بعضكم بعضا ; لأن المؤمنين كنفس واحدة ، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه . وكقوله تعالى ; فسلموا على أنفسكم يعني يسلم بعضكم على بعض . والمعنى ; لا يعب بعضكم بعضا . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير ; لا يطعن بعضكم على بعض . وقال الضحاك ; لا يلعن بعضكم بعضا . وقرئ ; ( ولا تلمزوا ) بالضم . وفي قوله ; أنفسكم تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه ، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه ، قال - صلى الله عليه وسلم - ; ( المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . وقال بكر بن عبد الله المزني ; إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابا ، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب . وقال - صلى الله عليه وسلم - ; يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه وقيل ; من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره . قال الشاعر ;المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوبه ورعه كما السقيم المريض يشغلهعن وجع الناس كلهم وجعهوقال آخر ;لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترا عن مساويكاواذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحدا منهم بما فيكا[ ص; 297 ] الثانية ; قوله تعالى ; ولا تنابزوا بالألقاب النبز ( بالتحريك ) اللقب ، والجمع ; الأنباز . والنبز ( بالتسكين ) المصدر ، تقول ; نبزه ينبزه نبزا ، أي ; لقبه . وفلان ينبز بالصبيان أي ; يلقبهم ، شدد للكثرة . ويقال النبز والنزب لقب السوء . وتنابزوا بالألقاب ; أي ; لقب بعضهم بعضا . وفي الترمذي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال ; كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره ، فنزلت هذه الآية ; ولا تنابزوا بالألقاب قال هذا حديث حسن . وأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري . وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة . وفي مصنف أبي داود عنه قال ; فينا نزلت هذه الآية ، في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان قال ; قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا الاسم ، فنزلت هذه الآية ; ولا تنابزوا بالألقاب فهذا قول .وقول ثان - قال الحسن ومجاهد ; كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني ، فنزلت . وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة . وقال قتادة ; هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق ، وقاله مجاهد والحسن أيضا .وقد روي أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنازعه رجل فقال له أبو ذر ; يا ابن اليهودية! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ( ما ترى هاهنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه ) يعني بالتقوى ، ونزلت ; [ ص; 298 ] ولا تنابزوا بالألقاب وقال ابن عباس ; التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب ، فنهى الله أن يعير بما سلف . يدل عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة .الثالثة ; وقع من ذلك مستثنى من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه ، فجوزته الأمة واتفق على قوله أهل الملة . قال ابن العربي ; وقد ورد لعمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح حزرة ; لأنه صحف ( خرزة ) فلقب بها . وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرمي ; مطين ; لأنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين ، ولا أراه سائغا في الدين . وقد كان موسى بن علي بن رباح المصري يقول ; لا أجعل أحدا صغر اسم أبي في حل ، وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين . والذي يضبط هذا كله ; أن كل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية . والله أعلم .قلت ; وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في ( كتاب الأدب ) من الجامع الصحيح . في ( باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل ) قال ; وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ( ما يقول ذو اليدين ) قال أبو عبد الله بن خويز منداد ; تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره ، ويجوز تلقيبه بما يحب ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقب عمر بالفاروق ، وأبا بكر بالصديق ، وعثمان بذي النورين ، وخزيمة بذي الشهادتين ، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين ، في أشباه ذلك . الزمخشري ; روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه ) . ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن ، قال عمر - رضي الله عنه - ; أشيعوا الكنى فإنها منبهة . ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق ، وعمر بالفاروق ، وحمزة بأسد الله ، وخالد بسيف الله . وقل من المشاهير في [ ص; 299 ] الجاهلية والإسلام من ليس له لقب . ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير . قال الماوردي ; فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره . وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب .قلت ; فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير . وقد سئل عبد الله بن المبارك عن الرجل يقول ; حميد الطويل ، وسليمان الأعمش ، وحميد الأعرج ، ومروان الأصغر ، فقال ; إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال ; رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر . في رواية الأصيلع .قوله تعالى ; ومن لم يتب أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون . فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي .
القول في تأويل قوله تعالى ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)يقول تعالى ذكره; يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين ( عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ) يقول; المهزوء منهم خير من الهازئين ( وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ ) يقول; ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات, عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات.واختلف أهل التأويل في السخرية التي نهى الله عنها المؤمنين في هذه الآية, فقال بعضهم; هي سخرية الغنيّ من الفقير, نهي أن يسخر من الفقير لفقره.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ) قال; لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنيا, أو فقيرا, وإن تفضل رجل عليه بشيء فلا يستهزئ به.وقال آخرون; بل ذلك نهي من الله من ستر عليه من أهل الإيمان أن يسخر ممن كشف في الدنيا ستره منهم.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ) قال; ربما عثر على المرء عند خطيئته عسى أن يكونوا خيرا منهم, وإن كان ظهر على عثرته هذه, وسترت أنت على عثرتك, لعلّ هذه التي ظهرت خير له في الآخرة عند الله, وهذه التي سترت أنت عليها شرّ لك, ما يدريك لعله ما يغفر لك; قال; فنهي الرجل عن ذلك, فقال ( لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ) وقال في النساء مثل ذلك.والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية, فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره, ولا لذنب ركبه, ولا لغير ذلك.وقوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول تعالى ذكره; ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون, ولا يطعن بعضكم على بعض; وقال ; ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه, لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره, وطلب صلاحه, ومحبته الخير. ولذلك رُوي الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال; " المُؤْمِنُونَ كالجَسَدِ الواحِد إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بالحُمَّى والسَّهَر ". وهذا نظير قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بمعنى; ولا يقتل بعضكم بعضا.وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) قال; لا تطعنوا.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول; ولا يطعن بعضكم على بعض.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول; لا يطعن بعضكم على بعض.قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول; ولا تداعوا بالألقاب; والنبز واللقب بمعنى واحد, يُجمع النبز; أنبازا, واللقب; ألقابا.واختلف أهل التأويل في الألقاب التي نهى الله عن التنابز بها في هذه الآية, فقال بعضهم; عنى بها الألقاب التي يكره النبز بها الملقَّب, وقالوا; إنما نـزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية, فلما أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه التي كان يدعى بها في الجاهلية.* ذكر من قال ذلك;حدثنا حميد بن مسعدة, قال; ثنا بشر بن المفضل, قال; ثنا داود, عن عامر, قال; قال أبو جبيرة بن الضحاك; فينا نـزلت هذه الآية في بني سلمة, قدِم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وما منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة, فكان إذا دعا الرجل بالاسم, قلنا; يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فنـزلت هذه الآية ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ )... الآية كلها.حدثني محمد بن المثنى, قال; ثنا عبد الوهاب, قال; ثنا داود, عن عامر, عن أبي جُبيرة بن الضحاك, قال; كان أهل الجاهلية يسمون الرجل بالأسماء, فدعا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا باسم من تلك الأسماء, فقالوا; يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فأنـزل الله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ).حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا داود, عن عامر, قال; ثني أبو جُبيرة بن الضحاك, فذكر عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, نحوه.حدثني يعقوب, قال; ثنا ابن عُلَية, قال; أخبرنا داود عن الشعبيّ, قال; ثني أبو جبيرة بن الضحاك, قال; نـزلت في بني سلمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; قَدِم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة, فكان يدعو الرجل, فتقول أمه; إنه يغضب من هذا قال, فنـزلت ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ). وقال مرّة; كان إذا دعا باسم من هذا, قيل; يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فنـزلت الآية.وقال آخرون; بل ذلك قوم الرجل المسلم للرجل المسلم; يا فاسق, يا زان.* ذكر من قال ذلك;حدثنا هناد بن السري, قال; ثنا أبو الأحوص, عن حصين, قال; سألت عكرِمة, عن قول الله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; هو قول الرجل للرجل; يا منافق, يا كافر.حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال; ثنا هشيم, قال أخبرنا حصين, عن عكرِمة, في قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; هو قول الرجل للرجل; يا فاسق, يا منافق.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن حصين, عن عكرِمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; يا فاسق, يا كافر.قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد أو عكرِمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; يقول الرجل للرجل; يا فاسق, يا كافر.حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; دُعي رجل بالكفر وهو مسلم.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول الرجل; لا تقل لأخيك المسلم; ذاك فاسق, ذاك منافق, نهى الله المسلم عن ذلك وقدّم فيه.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول; لا يقولنّ لأخيه المسلم; يا فاسق, يا منافق.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال; تسميته بالأعمال السيئة بعد الإسلام زان فاسق.وقال آخرون; بل ذلك تسمية الرجل الرجل بالكفر بعد الإسلام, والفسوق والأعمال القبيحة بعد التوبة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ )... الآية, قال; التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها, وراجع الحقّ, فنهى الله أن يعير بما سلف من عمله.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, قال; قال الحسن; كان اليهودي والنصرانيّ يسلم, فيلقب فيقال له; يا يهوديّ, يا نصراني, فنهوا عن ذلك.والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال; إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب؛ والتنابز بالألقاب; هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة, وعمّ الله بنهية ذلك, ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض, فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها. وإذا كان ذلك كذلك صحت الأقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها, ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض, لأن كلّ ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضا.وقوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) يقول تعالى ذكره ; ومن فعل ما نهينا عنه, وتقدّم على معصيتنا بعد إيمانه, فسخر من المؤمنين, ولمز أخاه المؤمن, ونبزه بالألقاب, فهو فاسق ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) يقول; فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه أن تسموا فساقا, بئس الاسم الفسوق, وترك ذكر ما وصفنا من الكلام, اكتفاء بدلالة قوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ ) عليه.وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثنا به يونس بن عبد الأعلى, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, وقرأ ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) قال; بئس الاسم الفسوق حين تسميه بالفسق بعد الإسلام, وهو على الإسلام. قال; وأهل هذا الرأي هم المعتزلة, قالوا; لا نكفره كما كفره أهل الأهواء, ولا نقول له مؤمن كما قالت الجماعة, ولكنا نسميه باسمه إن كان سارقا فهو سارق, وإن كان خائنا سموه خائنا; وإن كان زانيا سموه زانيا قال; فاعتزلوا الفريقين أهل الأهواء وأهل الجماعة, فلا بقول هؤلاء قالوا, ولا بقول هؤلاء, فسموا بذلك المعتزلة.فوجه ابن زيد تأويل قوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) إلى من دعي فاسقا, وهو تائب من فسقه, فبئس الاسم ذلك له من أسمائه... وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام, وذلك أن الله تقدّم بالنهي عما تقدّم بالنهي عنه في أوّل هذه الآية, فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدّم على بغيه, أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهى عنه, لا أن يخبر عن قُبح ما كان التائب أتاه قبل توبته, إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح, فيختم آخرها بالوعيد عليه أو بالقبيح.وقوله ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) يقول تعالى ذكره ; ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب, أو لمزه إياه, أو سخريته منه, فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم, فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه.وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) قال; ومن لم يتب من ذلك الفسوق فأولئك هم الظالمون.
وهذا أيضًا، من حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن { لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ } بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم \"بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم\" ثم قال: { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار.كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.{ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.{ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فهذا [هو] الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة [على] ذمه.{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب، وتائب مفلح، ولا ثم قسم ثالث غيرهما.
(لا) ناهية جازمة
(من قوم) متعلّق بـ (يسخر) ،
(عسى) فعل ماض تامّ
(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (منهم) متعلّق بـ (خيرا) .والمصدر المؤوّلـ (أن يكونوا..) في محلّ رفع فاعل عسى
(الواو) عاطفة
(لا) مثل الأولى
(نساء) فاعل لفعل محذوف يفسره ما قبله أي: لا يسخر نساء..
(من نساء) متعلّق بالفعل المقدّر،
(عسى أن يكنّ خيرا منهنّ) مثل عسى أن يكونوا خيرا منهم، و (يكنّ) مضارع ناقص مبنيّ على السكون في محلّ نصب..
والمصدر المؤوّلـ (أن يكنّ..) في محلّ رفع فاعل عسى الثاني.
(الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة
(لا) ناهية جازمة في الموضعين
(بالألقاب) متعلّق بـ (تنابزوا) ،
(الفسوق) خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو- وهو المخصوص بالذمّ -،
(بعد) ظرف منصوب متعلّق بـ (الفسوق) ،
(من) اسم شرط جازم مبتدأ
(لم) للنفي فقط
(يتب) مجزوم فعل الشرط
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(هم) ضمير فصل .
جملة: «النداء ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لا يسخر قوم ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «عسى أن يكونوا ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «يكونوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «
(لا يسخر) نساء ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «عسى أن يكنّ ... » لا محلّ لها تعليليّة.وجملة: «يكنّ ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «لا تلمزوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «لا تنابزوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «بئس الاسم ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «
(هو) الفسوق ... » في محلّ نصب حال من الاسم.
وجملة: «من لم يتب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «لم يتب ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «أولئك هم الظالمون» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.