الرسم العثمانيمَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْءَايٰتِ ثُمَّ انظُرْ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ
الـرسـم الإمـلائـيمَا الۡمَسِيۡحُ ابۡنُ مَرۡيَمَ اِلَّا رَسُوۡلٌ ۚ قَدۡ خَلَتۡ مِنۡ قَبۡلِهِ الرُّسُلُؕ وَاُمُّهٗ صِدِّيۡقَةٌ ؕ كَانَا يَاۡكُلٰنِ الطَّعَامَؕ اُنْظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الۡاٰيٰتِ ثُمَّ انْظُرۡ اَ نّٰى يُؤۡفَكُوۡنَ
تفسير ميسر:
ما المسيح ابن مريم عليه السلام إلا رسولٌ كمن تقدمه من الرسل، وأُمُّه قد صَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا وهما كغيرهما من البشر يحتاجان إلى الطعام، ولا يكون إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش. فتأمَّل -أيها الرسول- حال هؤلاء الكفار. لقد وضحنا العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله. ثم هم مع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهم إليه، ثم انظر كيف يُصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟
وقوله تعالى" ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" أي له أسوة أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام كما قال إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل قوله وأمه صديقة أي مؤمنة به مصدقة له وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحق ونبوة أم موسى ونبوة أم عيسى استدللا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه" وهذا معنى النبوة والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال قال الله تعالى" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك وقوله تعالي" كانا يأكلان الطعام أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ثم قال تعالى" انظر كيف نبين لهم الآيات" أي نوضحها ونظهرها" ثم انظر أني يؤفكون" أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون وبأي قول يتمسكون وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون.
قوله تعالى ; ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكونقوله تعالى ; ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ابتداء وخبر ; أي ; ما المسيح وإن ظهرت الآيات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل ; فإن كان إلها فليكن كل رسول إلها ; فهذا رد لقولهم واحتجاج عليهم ، ثم بالغ في الحجة فقال ; وأمه صديقة ابتداء وخبر كانا يأكلان الطعام أي ; أنه مولود مربوب ، ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين ; ولم يدفع هذا أحد منهم ، فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا ؟ ! وقولهم ; كان يأكل بناسوته لا بلاهوته فهذا منهم مصير إلى الاختلاط ، ولا يتصور اختلاط إله بغير إله ، ولو جاز اختلاط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا ، ولو صح هذا في حق عيسى لصح في حق غيره حتى يقال ; اللاهوت مخالط لكل محدث ، وقال بعض المفسرين في قوله ; كانا يأكلان الطعام إنه كناية عن الغائط والبول ، وفي هذا [ ص; 186 ] دلالة على أنهما بشران ، وقد استدل من قال ; إن مريم عليها السلام لم تكن نبية بقوله تعالى ; وأمه صديقة .قلت ; وفيه نظر ، فإنه يجوز أن تكون صديقة مع كونها نبية كإدريس عليه السلام ; وقد مضى في " آل عمران " ما يدل على هذا . والله أعلم . وإنما قيل لها صديقة لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به . عن الحسن وغيره . والله أعلم .قوله تعالى ; انظر كيف نبين لهم الآيات أي الدلالات . ثم انظر أنى يؤفكون أي ; كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان ; يقال ; أفكه يأفكه إذا صرفه ، وفي هذا رد على القدرية والمعتزلة .
القول في تأويل قوله ; مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَقال أبو جعفر; وهذا [خَبَرٌ] من الله تعالى ذكره، (19) احتجاجًا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم على فِرَق النصارى في قولهم في المسيح.يقول= مكذِّبًا لليعقوبية في قِيلهم; " هو الله " والآخرين في قيلهم; " هو ابن الله " =; ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم ولدته ولادةَ الأمهات أبناءَهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسولٌ كسائر رسله الذين كانوا قبلَه فمضوا وخَلَوْا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعِبر، حجةً له على صدقه، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعِبر، حجةً لهم على حقيقةِ صدقهم في أنهم لله رسلٌ (20) =" وأمه صِدّيقة "، يقول تعالى ذكره وأمّ المسيح صِدِّيقةٌ.* * *و " الصِدِّيقة "" الفِعِّيلة "، من " الصدق "، وكذلك قولهم; " فلان صِدِّيق "،" فِعِّيل " من " الصدق "، ومنه قوله تعالى ذكره; وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ . [سورة النساء; 69]. (21)وقد قيل إن " أبا بكر الصدّيق " رضي الله عنه إنما قيل له; " الصّدّيق " لصدقه.وقد قيل; إنما سمي" صديقًا "، لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره في ليلة واحدةٍ إلى بيت المقدس من مكة، وعودِه إليها.* * *وقوله; " كانا يأكلان الطعام "، خبٌر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمّه; أنهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يَغْذُوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإنّ من كان كذلك، فغيرُ كائنٍ إلهًا، لأن المحتاج إلى الغذاء قِوَامه بغيره. وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليلٌ واضحٌ على عجزه. والعاجز لا يكون إلا مربوبًا لا ربًّا.* * *القول في تأويل قوله ; انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; انظر يا محمد، كيف نبين لهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى=" الآيات "، وهي الأدلَّةُ، والأعلام والحُجج على بُطُول ما يقولون في أنبياء الله، (22) وفي فريتهم على الله، وادِّعائهم له ولدًا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنه لهم ربٌّ وإله، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قِيلهم، ولا ينـزجرون عن فريتهم على ربِّهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرَهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه &; 10-486 &; وسلم; " ثم انظر "، يا محمد=" أنَّى يؤفكون "، يقول; ثم انظر، مع تبييننا لهم آياتنا على بُطول قولهم، أيَّ وجه يُصرَفون عن بياننا الذي نبيِّنه لهم؟ (23) وكيف عن الهدى الذي نهديهم إليه من الحق يضلُّون؟* * *والعرب تقول لكل مصروف عن شيء; " هو مأفوك عنه ". يقال; " قد أفَكت فلانًا عن كذا "، أي; صرفته عنه،" فأنا آفِكه أفْكًا، وهو مأفوك ". و " قد أُفِكت الأرض "، إذا صرف عنها المطر. (24)-------------الهوامش ;(19) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.(20) انظر تفسير"المسيح" فيما سلف ص; 480 ، تعليق; 1 ، والمراجع هناك.(21) انظر تفسير"الصديق" فيما سلف 8; 530- 532.(22) انظر تفسير"الآيات" فيما سلف (أيي).(23) المطبوعة; "بينته لهم" ، والصواب من المخطوطة ، وهي غير منقوطة.(24) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 174 ، 175.
ثم ذكر حقيقة المسيح وأُمِّه، الذي هو الحق، فقال: { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ْ} أي: هذا غايته ومنتهى أمره، أنه من عباد الله المرسلين، الذين ليس لهم من الأمر ولا من التشريع، إلا ما أرسلهم به الله، وهو من جنس الرسل قبله، لا مزية له عليهم تخرجه عن البشرية إلى مرتبة الربوبية. { وَأُمَّهُ ْ} مريم { صِدِّيقَةٌ ْ} أي: هذا أيضا غايتها، أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء. والصديقية، هي العلم النافع المثمر لليقين، والعمل الصالح. وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها الصديقية، وكفى بذلك فضلا وشرفا. وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبية، لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين، في الرجال كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ْ} فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله؟ وقوله: { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ْ} دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال: { انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ْ} الموضحة للحق، الكاشفة لليقين، ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا، بل لا يزالون على إفكهم وكذبهم وافترائهم، وذلك ظلم وعناد منهم.
(ما) نافية
(المسيح) مبتدأ مرفوع
(ابن) نعت للمسيح أو بدل منه مرفوع
(مريم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة
(إلّا) أداة حصر
(رسول) خبر المبتدأ مرفوع
(قد) حرف تحقيق
(خلت) فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين..
و (التاء) للتأنيث
(من قبل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (خلت) و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الرسل) فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(أمّ) مبتدأ مرفوع و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(صدّيقة) خبر مرفوع
(كانا) فعل ماض ناقص.. و (الألف) ضمير اسم كان
(يأكلان) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. و (الألف) فاعلـ (الطعام) مفعول به منصوبـ (انظر) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(كيف) اسم استفهام مبني في محلّ نصب حال عامله نبيّن
(نبيّن) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (نبيّن) ،
(الآيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(ثمّ) حرف عطف
(انظر) مثل الأولـ (أنّى) اسم استفهام بمعنى كيف مبني في محلّ نصب حال عامله
(يؤفكون) وهو مضارع مبني للمجهول مرفوع والواو نائب فاعل.
جملة «ما المسيح ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «قد خلت ... الرسل» : في محلّ رفع نعت لرسول.
وجملة «أمّه صدّيقة» : لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف.
وجملة «كانا يأكلان ... » : لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة «يأكلان الطعام» : في محلّ نصب خبر كان.
وجملة «انظر كيف ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «نبيّن» : في محلّ نصب مفعول به لفعل النظر المعلّق بالاستفهام.
وجملة «انظر
(الثانيّة) : لا محلّ لها معطوفة على جملة انظر
(الأولى) .
وجملة «يؤفكون» : في محلّ نصب مفعول به لفعل النظر المعلّق بالاستفهام.
- القرآن الكريم - المائدة٥ :٧٥
Al-Ma'idah5:75