هٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
هٰذَا مَا تُوۡعَدُوۡنَ لِكُلِّ اَوَّابٍ حَفِيۡظٍۚ
تفسير ميسر:
يقال لهم; هذا الذي كنتم توعدون به - أيها المتقون - لكل تائب مِن ذنوبه، حافظ لكل ما قَرَّبه إلى ربه، من الفرائض والطاعات، مَن خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه.
أي رجاع تائب مقلع "حفيظ" أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه وقال عبيد بن عمر الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلسا فيقوم حتى يستغفر الله عز وجل ".
هذا ما توعدون أي ; ويقال لهم هذا الجزاء الذي وعدتم في الدنيا على ألسنة الرسل . وقراءة العامة " توعدون " بالتاء على الخطاب . وقرأ ابن كثير بالياء على الخبر ; لأنه أتى بعد ذكر المتقين .لكل أواب حفيظ أواب أي ; رجاع إلى الله عن المعاصي ، ثم يرجع يذنب ثم يرجع ، هكذا قاله الضحاك وغيره . وقال ابن عباس وعطاء ; الأواب المسبح من قوله ; يا جبال أوبي معه . وقال الحكم بن عتيبة ; هو الذاكر لله تعالى في الخلوة . وقال الشعبي ومجاهد ; هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها . وهو قول ابن مسعود . وقال عبيد بن عمير ; هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه . وعنه قال ; كنا نحدث أن الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال ; سبحان الله وبحمده ، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا . وفي الحديث ; من قال إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر الله له ما كان في ذلك المجلس . وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول . وقال بعض [ ص; 20 ] العلماء ; أنا أحب أن أقول ; أستغفرك وأسألك التوبة ، ولا أحب أن أقول ; وأتوب إليك إلا على حقيقته .قلت ; هذا استحسان واتباع الحديث أولى . وقال أبو بكر الوراق ; هو المتوكل على الله في السراء والضراء . وقال القاسم ; هو الذي لا يشتغل إلا بالله عز وجل . " حفيظ " قال ابن عباس ; هو الذي حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها . وقال قتادة ; حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته وائتمنه عليه . وعن ابن عباس أيضا ; هو الحافظ لأمر الله . مجاهد ; هو الحافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر . قال الضحاك ; هو الحافظ لوصية الله تعالى بالقبول . وروى مكحول عن أبي هريرة قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; من حافظ على أربع ركعات من أول النهار كان أوابا حفيظا ذكره الماوردي .
وقوله ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ ) يقول; قال لهم; هذا الذي توعدون أيها المتقون, أن تدخلوها وتسكنوها وقوله ( لِكُلِّ أَوَّابٍ ) يعني; لكل راجع من معصية الله إلى طاعته, تائب من ذنوبه.وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم; هو المسبح, وقال بعضهم; هو التائب, وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته, غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال; ثنا محمد بن الصلت, قال; ثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس ( لِكُلِّ أَوَّابٍ ) قال; لكلّ مسبح.حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن مسلم الأعور, عن مجاهد, قال; الأوّاب; المسبح.حدثنا الحسن بن عرفة, قال; ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية, قال; ثني أبي, عن الحكم بن عتيبة في قول الله ( لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) قال; هو الذاكر الله في الخلاء.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن يونس بن خباب, عن مجاهد ( لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) قال; الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ ). قال; ثنا مهران, عن خارجة, عن عيسى الحناط, عن الشعبيّ, قال; هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها( حَفِيظٍ ) ; أي مطيع لله كثير الصلاة.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) قال; الأوّاب; التوّاب الذي يئوب إلى طاعة الله ويرجع إليها.حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا جرير, عن منصور, عن يونس بن خباب في قوله ( لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) قال; الرجل يذكر ذنوبه, فيستغفر الله لها.وقوله ( حَفِيظٍ ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم; حفظ ذنوبه حتى تاب منها.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا مهران, عن أبي سنان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, قال; سألت ابن عباس, عن الأوّاب الحفيظ, قال; حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.وقال آخرون; معناه; أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( حَفِيظٍ ) قال; حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال; إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأوّاب بأنه حفيظ, ولم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع, فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه, فيقال; هو حفيظ لكلّ ما قرّبه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلَفت منه للتوبة منها والاستغفار.
ويقال لهم على وجه التهنئة: { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } أي: هذه الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي التي وعد الله كل أواب أي: رجاع إلى الله، في جميع الأوقات، بذكره وحبه، والاستعانة به، ودعائه، وخوفه، ورجائه.{ حَفِيظٍ } أي: يحافظ على ما أمر الله به، بامتثاله على وجه الإخلاص والإكمال له، على أكمل الوجوه، حفيظ لحدوده.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة