الرسم العثمانييَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ
الـرسـم الإمـلائـييَطُوۡفُوۡنَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيۡمٍ اٰنٍۚ
تفسير ميسر:
يقال لهؤلاء المجرمين -توبيخًا وتحقيرًا لهم-; هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون في الدنيا; تارة يُعذَّبون في الجحيم، وتارة يُسقون من الحميم، وهو شراب بلغ منتهى الحرارة، يقطِّع الأمعاء والأحشاء.
أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء وهذه كقوله تعالى "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون فىالحميم ثم في النار يسجرون" وقوله تعالى "آن" أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك قال ابن عباس في قوله "يطوفون بينها وبين حميم آن" أي قد انتهى غليه واشتد حره وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة قد آن طبخه منذ خلق الله السموات والأرض. وقال محمد بن كعب القرظي يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى "في الحميم ثم في النار يسجرون" والحميم الآن يعني الحار وعن القرظي رواية أخرى "حميم آن" أي حاضر وهو قول ابن زيد أيضا والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار كقوله تعالى "تسقى من عين آنية" أي حاضرة شديدة الحر لا تستطاع وكقوله "غير ناظرين إناه" يعني استواءه ونضجه فقوله "حميم آن" أي حميم حار جدا. ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته.
قوله تعالى ;يطوفون بينها وبين حميم آن قال قتادة ; يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، والجحيم النار ، والحميم الشراب . وفي قوله تعالى ; آن ثلاثة أوجه ، أحدها ; أنه الذي انتهى حره وحميمه . قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي ، ومنه قول النابغة الذبياني ;وتخضب لحية غدرت وخانت بأحمر من نجيع الجوف آن[ ص; 160 ] قال قتادة ; آن طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض ، يقول ; إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك . وقال كعب ; آن واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار ، فذلك قوله تعالى ; يطوفون بينها وبين حميم آن . وعن كعب أيضا ; أنه الحاضر . وقال مجاهد ; إنه الذي قد آن شربه وبلغ غايته . والنعمة فيما وصف من هول القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى على شاب في الليل يقرأ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول ; ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; ويحك يا فتى مثلها فوالذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك .
وقوله; ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) يقول تعالى ذكره ; يطوف هؤلاء المجرمون الذين وصف صفتهم في جهنم بين أطباقها( وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) يقول; وبين ماء قد أسخن وأغلي حتى انتهى حرّه وأنى طبخه، وكل شيء قد أدرك وبلغ فقد أنى، ومنه قوله; غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ يعني; إدراكه وبلوغه، كما قال; نابغة بني ذُبيان;ويُخْــضَب لِحْيَـةٌ غـدَرَتْ وخـانَتْبــأحمَرَ مِـنْ نَجـيع الجَـوْفِ آنـي (2)يعني; مدرك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله; ( وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) يقول; انتهى حرُّه.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) يقول; غلى حتى انتهى غليه.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) قال; قد بلغ إناه.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال; الآني الذي قد انتهى حرّه.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا شبيب، عن بشر، عن عكرِمة، عن ابن عباس ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) قال; الآني ; ما اشتدّ غليانه ونضجه.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( حَمِيمٍ آنٍ ); هو الذي قد انتهى غَلْيه.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا محمد بن مروان، قال; ثنا أبو العوّام، عن قتادة ( وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) قال; أنى طبخها منذ يوم خلق الله السموات والأرض.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) يقول; حميم قد أنى طبخه منذ خلق الله السموات والأرض.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( حَمِيمٍ آنٍ ) يقول; حميم قد آن منتهى حره.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان ( حَمِيمٍ آنٍ ) قال; قد انتهى حرّه.وقال بعضهم; عنى بالآني; الحاضر.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) قال; يطوفون بينها وبين حميم حاضر، الآني ;الحاضر.-------------------الهوامش ;(2) البيت لنابغة بني ذبيان ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي 194 ) من قصيدة يهجو بها يزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي في قصة ذكرها شارحه في 193 عند بدء القصيدة، ( وانظر شرح الأعلم ، والوزير أبي بكر البطليوسي على الأشعار الستة ، والجزء الأول من خزانة الأدب الكبرى، لعبد القادر البغدادي 204 - 205 ) وقال شارح البيت; نجيع الجوف; الدم الخالص . والآنى; الشديد الحرارة، وهو الذي بلغ أناه . ا هـ . وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 173 - ب ) ; عند قوله تعالى ; ( وبين حميم آن ; بلغ أناه في شدة الحر . ا هـ .
{ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي: بين أطباق الجحيم ولهبها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي: ماء حار جدا قد انتهى حره، وزمهرير قد اشتد برده وقره،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الرحمن٥٥ :٤٤
Ar-Rahman55:44