الرسم العثمانيأَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوٰى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنٰجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوٰنِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِىٓ أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ
الـرسـم الإمـلائـياَلَمۡ تَرَ اِلَى الَّذِيۡنَ نُهُوۡا عَنِ النَّجۡوٰى ثُمَّ يَعُوۡدُوۡنَ لِمَا نُهُوۡا عَنۡهُ وَيَتَنٰجَوۡنَ بِالۡاِثۡمِ وَالۡعُدۡوَانِ وَمَعۡصِيَتِ الرَّسُوۡلِ وَاِذَا جَآءُوۡكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ اللّٰهُۙ وَيَقُوۡلُوۡنَ فِىۡۤ اَنۡفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا اللّٰهُ بِمَا نَقُوۡلُؕ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُۚ يَصۡلَوۡنَهَاۚ فَبِئۡسَ الۡمَصِيۡرُ
تفسير ميسر:
ألم تر -أيها الرسول- إلى اليهود الذين نُهوا عن الحديث سرًّا بما يثير الشك في نفوس المؤمنين، ثم يرجعون إلى ما نُهوا عنه، ويتحدثون سرًّا بما هو إثم وعدوان ومخالفة لأمر الرسول؟ وإذا جاءك -أيها الرسول- هؤلاء اليهود لأمر من الأمور حيَّوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، فقالوا; (السام عليك) أي; الموت لك، ويقولون فيما بينهم; هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد إن كان رسولا حقًا، تكفيهم جهنم يدخلونها، ويقاسون حرها، فبئس المرجع هي.
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" قال اليهود وكذا قال مقاتل بن حيان وزاد "كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة وكانوا إذا مر بهم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره المؤمن فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى فأنزل الله تعالى "الم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني سفيان بن حمزة عن كثير عن زيد عن ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قال; كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت عنده يطرقه من الليل أمر وتبدو له حاجة فلما كانت ذات ليلة كثر أهل النوب والمحتسبون حتى كنا أندية فتحدث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما هذه النجوى ؟ ألم تنهوا عن النجوى" قلنا تبنا إلى الله يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح فرقا منه فقال "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه؟" قلنا بلى يا رسول الله ؟ قال "الشرك الخفى أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل" هذا إسناد غريب وفيه بعض الضعفاء. وقوله تعالى "ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" أي يتحدثون فيما بينهم بالإثم وهو ما يختص بهم "والعدوان" وهو ما يتعلق بغيرهم ومنه معصية الرسول ومخالفته يصرون عليها ويتواصون بها وقوله تعالى "وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسروق عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة; وعليكم السام قالت; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش" قلت ألا تسمعهم يقولون السام عليك" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو ما سمعت أقول وعليكم" فأنزل الله تعالى "وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله" وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم; عليكم السام والذام واللعنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا". وقال ابن جرير حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي فسلم عليهم فردوا عليه فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون ما قال ؟" قالوا سلم يا رسول الله قال "بل قال سام عليكم" أي تسامون دينكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه" فردوه عليه فقال نبي الله "أقلت سام عليكم" قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك" أي عليك ما قلت وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة بنحوه وقوله تعالى "ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول" أي يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام وإنما هو شتم في الباطن ومع هذا يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبيا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسره فلو كان هذا نبيا حقا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا فقال الله تعالى "حسبهم جهنم" أي جهنم كفايتهم في الدار الآخرة "يصلونها فبئس المصير" وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبدالله بن عمر أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ؟ فنزلت هذه الآية "وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير" إسناد حسن ولم يخرجوه وقال العوفي عن ابن عباس "وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله" قال كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه سام عليك قال الله تعالى "حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير" ثم قال الله تعالى مؤدبا عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين.
قوله تعالى ; ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصيرفيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه قيل ; إن هذا في اليهود والمنافقين حسب ما قدمناه . وقيل ; في المسلمين . قال ابن عباس ; نزلت في اليهود والمنافقين ؛ كانوا يتناجون فيما بينهم ، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فيقول المؤمنون ; لعلهم بلغهم عن إخواننا وقرابتنا من المهاجرين والأنصار قتل أو مصيبة أو هزيمة ، ويسوءهم ذلك ، فكثرت شكواهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فنزلت . وقال مقاتل ; كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة ، فإذا مر بهم رجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شرا ، فيعرج عن طريقه ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا ؛ فنزلت . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ; كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسأل الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب ، فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك فنزلت .الثانية ; روى أبو سعيد الخدري قال ; كنا ذات ليلة نتحدث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ; ما هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى فقلنا ; تبنا إلى الله يا رسول الله ، إنا كنا في ذكر المسيخ - يعني الدجال - فرقا منه . فقال ; ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه ؟ قلنا ; بلى [ ص; 261 ] يا رسول الله ، قال ; الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل ذكره الماوردي .وقرأ حمزة وخلف ورويس عن يعقوب " وينتجون " في وزن يفتعلون وهي قراءة عبد الله وأصحابه . وقرأ الباقون " ويتناجون " في وزن يتفاعلون ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، لقوله تعالى ; إذا تناجيتم و تناجوا . النحاس ; وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد ، نحو تخاصموا واختصموا ، وتقاتلوا واقتتلوا فعلى هذا يتناجون و " ينتجون " واحد . ومعنى بالإثم والعدوان أي ; الكذب والظلم .ومعصية الرسول أي ; مخالفته . وقرأ الضحاك ومجاهد وحميد " ومعصيات الرسول " بالجمع .الثالثة ; قوله تعالى ; وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله لا خلاف بين النقلة أن المراد بها اليهود ، كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون ; السام عليك . يريدون بذلك السلام ظاهرا وهم يعنون الموت باطنا ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ; عليكم في رواية ، وفي رواية أخرى ; وعليكم . قال ابن العربي ; وهي مشكلة . وكانوا يقولون ; لو كان محمد نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري تعالى حليم لا يعاجل من سبه ، فكيف من سب نبيه . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; لا أحد أصبر على الأذى من الله ، يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم ، وفضحا لبواطنهم ، معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت عن قتادة عن أنس أن يهوديا أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه فقال ; السام عليكم . فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال ; أتدرون ما قال هذا ؟ قالوا ; الله ورسوله أعلم . قال ; قال ; " كذا ردوه علي " فردوه ، قال ; " قلت السام عليكم " قال ; نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك ; إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليك ما قلت فأنزل الله تعالى ; وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله .[ ص; 262 ] قلت ; خرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح . وثبت عن عائشة أنها قالت ; جاء أناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ; السام عليك يا أبا القاسم . فقلت ; السام عليكم وفعل الله بكم وفعل . فقال عليه السلام ; مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش فقلت ; يا رسول الله ألست ترى ما يقولون ؟ فقال ; ألست ترين أرد عليهم ما يقولون أقول وعليكم فنزلت هذه الآية بما لم يحيك به الله أي ; إن الله سلم عليك وهم يقولون السام عليك ، والسام الموت . خرجه البخاري ومسلم بمعناه . وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ; قال النبي صلى الله عليه وسلم ; إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم كذا الرواية " وعليكم " بالواو ، تكلم عليها العلماء ، لأن الواو العاطفة يقتضي التشريك فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت ، أو من سآمة ديننا وهو الملال . يقال ; سئم يسأم سآمة وسآما . فقال بعضهم ; الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر ;فلما أجزنا ساحة الحي وانتحىأي ; لما أجزنا انتحى ، فزاد الواو . وقال بعضهم ; هي للاستئناف ، كأنه قال ; والسام عليكم . وقال بعضهم ; هي على بابها من العطف ولا يضرنا ذلك ، لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . روى الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ; سلم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا ; السام عليك يا أبا القاسم ، فقال ; وعليكم فقالت عائشة وغضبت ; ألم تسمع ما قالوا ؟ قال ; بلى قد سمعت فرددت عليهم ، وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا خرجه مسلم . ورواية الواو أحسن معنى ، وإثباتها أصح رواية وأشهر .وقد اختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين ، وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة ، للأمر بذلك . وذهب مالك فيما روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب فإن رددت فقل ; عليك . وقد اختار ابن طاوس أن يقول في الرد عليهم ; علاك السلام أي ; ارتفع عنك . واختار بعض أصحابنا ; " السلام " بكسر السين ، يعني الحجارة . وما قاله مالك أولى اتباعا للسنة ، والله أعلم . وروى مسروق عن عائشة قالت ; أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود ، فقالوا ; السام عليك يا أبا القاسم ، قال ; وعليكم ، قالت عائشة ; [ ص; 263 ] قلت ; بل عليكم السام والذام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; يا عائشة لا تكوني فاحشة فقالت ; ما سمعت ما قالوا ؟ فقال ; أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا قلت ; وعليكم . وفي رواية قال ; ففطنت بهم عائشة فسبتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش والتفحش وزاد ; فأنزل الله تبارك وتعالى ; وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله إلى آخر الآية . " الذام " بتخفيف الميم هو العيب ، وفي المثل ( لا تعدم الحسناء ذاما ) أي ; عيبا ، ويهمز ولا يهمز ، يقال ; ذأمه يذأمه ، مثل ذأب يذأب ، والمفعول " مذءوم " مهموزا ، ومنه مذءوما مدحورا ويقال ; ذامه يذومه مخففا كرامه يرومه .قوله تعالى ; ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول قالوا ; لو كان محمد نبيا لعذبنا الله بما نقول فهلا يعذبنا الله . وقيل ; قالوا ; إنه يرد علينا ويقول ; وعليكم السام والسام الموت ، فلو كان نبيا لاستجيب له فينا ومتنا . وهذا موضع تعجب منهم ؛ فإنهم كانوا أهل كتاب ، وكانوا يعلمون أن الأنبياء قد يغضبون فلا يعاجل من يغضبهم بالعذاب .حسبهم جهنم يصلونها أي ; كافيهم جهنم عقابا غدا فبئس المصير أي ; المرجع .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)&; 23-238 &;يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ) من اليهود، (ثُمَّ يَعُودُونَ )، فقد نهى الله عز وجل إياهم عنها، ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ) قال; اليهود.قوله; (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) يقول جلّ ثناؤه; ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى، (وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) يقول جلّ ثناؤه; ويتناجون بما حرّم الله عليهم من الفواحش والعدوان، وذلك خلاف أمر الله، ومعصية الرسول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; (وَيَتَنَاجَوْنَ ) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين (وَيَتَنَاجَوْنَ ) على مثال يتفاعلون، وكان يحيى وحمزة والأعمش يقرءون ( وَيَنْتَجُونَ ) على مثال يفتعلون. واعتلّ الذين قرءوه (يَتَنَاجَوْنَ ) بقوله; إِذَا تَنَاجَيْتُمْ ولم يقل; إذا انتجيتم.وقوله; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى، الذين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهم، حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها، التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار، أنهم كانوا يقولون; السام عليك.ذكر الرواية الواردة بذلك;حدثنا ابن حُميد وابن وكيع قالا ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت; " جاء ناس &; 23-239 &; من اليهود إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقالوا; السام عليك يا أبا القاسم، فقلت; السام عليكم، وفعل الله بكم وفعل، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; يا عائشة إنَّ الله لا يُحِبُّ الفُحش، فقلت; يا رسول الله، ألست ترى ما يقولون؟ فقال; " ألست ترينني أرد عليهم ما يقولون؟ أقول; عليكم " وهذه الآية في ذلك نـزلت; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ).حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت; " كان اليهود يأتون النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيقولون; السام عليكم، فيقول; عليكم، قالت عائشة; السام عليكم وغضب الله، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " إنَّ الله لا يحبُّ الفاحشَ المُتَفحِّشَ"، قالت; إنهم يقولون; السام عليكم، قال; " إني أقول; عليكم "، فنـزلت; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) قال; فإن اليهود يأتون النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقولون; السام عليكم.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) قال; كانت اليهود يأتون النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقولون; السام عليكم.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) ... إلى (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) قال; كان المنافقون يقولون لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا حيوه; سام عليكم، فقال الله; (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح.&; 23-240 &;عن مجاهد، في قوله; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) قال; يقولون; سام عليكم، قال; هم أيضًا يهود.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; (حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) قال; اليهود كانت تقول; سام عليكم.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري أن عائشة فطنت إلى قولهم، فقالت; وعليكم السامة واللعنة، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " مهلا يا عائشة إن الله يحِبُّ الرّفْقَ في الأمرِ كُلِّه "، فقالت; يا نبيّ الله ألم تسمع ما يقولون؟ قال; " أفلم تسمعي ما أردُّ عليهم؟ أقول; عليكم ".حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنّ نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهوديّ، فسلم عليهم، فردوا عليه، فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " هَلْ تَدْرُونَ ما قَال؟ " قالوا; سلم يا رسول الله، قال; " بَلْ قَالَ; سأْمٌ عليْكُمْ، أي تسأمون دينكم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " أَقُلْتَ سَأمٌ عليْكُمْ؟ قَالَ; نعم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " إذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ"; أي عليك ما قلت.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) قال; هؤلاء يهود، جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فتناجوا ساعة، ثم استأذن أحدهم، فأذن له النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال; السام عليكم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " عَلَيْكَ"، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الثَالِثُ قال ابن زيد; السام; الموت.وقوله جلّ ثناؤه; (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ) يقول جل ثناؤه; ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود; هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيعجل عقوبته لنا على ذلك، يقول الله; حَسْب &; 23-241 &; قائلي ذلك يا محمد جهنم، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة، فبئس المصير جهنم.
النجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر.فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة، وقيام بحق لله ولعباده والتقوى، وهي [هنا]: اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله، ويباعده من سخطه، والفاجر يتهاون بأمر الله، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.قال تعالى { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } أي: يسيئون الأدب معك في تحيتهم لك، { وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ } أي: يسرون في أنفسهم ما ذكره عالم الغيب والشهادة عنهم، وهو قولهم: { لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } ومعنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك، ويستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم، أن ما يقولون غير محذور، قال تعالى في بيان أنه يمهل ولا يهمل: { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي: تكفيهم جهنم التي جمعت كل شقاء وعذاب [عليهم]، تحيط بهم، ويعذبون بها { فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } وهؤلاء المذكورون إما أناس من المنافقين يظهرون الإيمان، ويخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب الذي يوهمون أنهم أرادوا به خيرا وهم كذبة في ذلك، وإما أناس من أهل الكتاب، الذين إذا سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: \"السام عليك يا محمد\" يعنون بذلك الموت.
(إلى الذين) متعلّق بـ (ترى) بمعنى تنظر، والواو في(نهوا) نائب الفاعل،
(عن النجوى) متعلّق بـ (نهوا) ،
(لما) متعلّق بـ (يعودون) ،
(عنه) متعلّق بـ (نهوا) ،
(الواو) عاطفة في المواضع الخمسة
(بالإثم) متعلّق بـ (يتناجون) ،
(حيّوك) ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، و (الواو) فاعل، و (الكاف) مفعول به
(بما) متعلّق بـ (حيّوك) ،
(به) متعلّق بـ (يحيّك) ،
(في أنفسهم) حال من فاعل يقولون أي مسرّين
(لولا) حرف تحضيض
(ما) حرف مصدريّ ،
(الفاء) استئنافيّة، والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره هي أي جهنّم.
جملة: «تر ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «نهوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «يعودون ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «نهوا
(الثانية) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «يتناجون ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يعودون.
وجملة: «جاؤوك ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «حيّوك ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «لم يحيّك به الله ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.وجملة: «يقولون ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب الشرط.
وجملة: «يعذّبنا الله ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «نقول ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
والمصدر المؤوّلـ (ما نقول..) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (يعذّبنا) .
وجملة: «حسبهم جهنّم» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يصلونها ... » في محلّ نصب حال .
وجملة: «بئس المصير» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - المجادلة٥٨ :٨
Al-Mujadalah58:8