هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
هُوَ الَّذِىۡ خَلَقَكُمۡ فَمِنۡكُمۡ كَافِرٌ وَّمِنۡكُمۡ مُّؤۡمِنٌؕ وَاللّٰهُ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ بَصِيۡرٌ
تفسير ميسر:
الله هو الذي أوجدكم من العدم، فبعضكم جاحد لألوهيته، وبعضكم مصدِّق به عامل بشرعه، وهو سبحانه بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم بها.
وقوله تعالى "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" أي هو الخالق لكم على هذه الصفة وأراد منكم ذلك فلا بد من وجود مؤمن وكافر وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال وهو شهيد على أعمال عباده وسيجزيهم بها أتم الجزاء ولهذا قال تعالى والله بما تعملون بصير.
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌقال ابن عباس ; إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا , ويعيدهم في يوم القيامة مؤمنا وكافرا .وروى أبو سعيد الخدري قال ; خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم عشية فذكر شيئا مما يكون فقال ; ( يولد الناس على طبقات شتى .يولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا .ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا .ويولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا .ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت مؤمنا ) .وقال ابن مسعود ; قال النبي صلى الله عليه وسلم ; ( خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا ) .وفي الصحيح من حديث ابن مسعود ; ( وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) .خرجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع .وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار .وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) .قال علماؤنا ; والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم ; فيجري ما علم وأراد وحكم .فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال , وقد يريده إلى وقت معلوم .وكذلك الكفر .وقيل في الكلام محذوف ; فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق ; فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه ; قاله الحسن .وقال غيره ; لا حذف فيه ; لأن المقصود ذكر الطرفين .وقال جماعة من أهل العلم ; إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا .قالوا ; وتمام الكلام " هو الذي خلقكم " .ثم وصفهم فقال ; " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " كقوله تعالى ; " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه " [ النور ; 45 ] الآية .قالوا ; فالله خلقهم ; والمشي فعلهم .واختاره الحسين بن الفضل , قال ; لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " .واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام ; ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) الحديث .وقد مضى في " الروم " مستوفى .قال الضحاك ; فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق , ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار وذويه .وقال عطاء بن أبي رباح ; فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب , ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب ; يعني في شأن الأنواء .وقال الزجاج - وهو أحسن الأقوال , والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة - ; إن الله خلق الكافر , وكفره فعل له وكسب ; مع أن الله خالق الكفر .وخلق المؤمن , وإيمانه فعل له وكسب ; مع أن الله خالق الإيمان .والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ; لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه .ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه وعلمه منه ; لأن وجود خلاف المقدور عجز , ووجود خلاف المعلوم جعل , ولا يليقان بالله تعالى .وفي هذا سلامة من الجبر والقدر ; كما قال الشاعر ; يا ناظرا في الدين ما الأمر لا قدر صح ولا جبر وقال سيلان ; قدم أعرابي البصرة فقيل له ; ما تقول في القدر ؟ فقال ; أمر تغالت فيه الظنون , واختلف فيه المختلفون ; فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه .وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌقال العلماء ; وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور .والبصير في كلام العرب ; العالم بالشيء الخبير به ; ومنه قولهم ; فلان بصير بالطب , وبصير بالفقه , وبصير بملاقاة الرجال ; قال ; فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب قال الخطابي ; البصير العالم , والبصير المبصر .وقيل ; وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى جاعل الأشياء المبصرة ذوات إبصار , أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة والقوة ; فالله بصير بعباده , أي جاعل عباده مبصرين .
يقول تعالى ذكره; الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ ) أيها الناس، وهو من ذكر اسم الله (فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول; فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه؛(وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول; ومنكم مصدّق به موقن أنه خالقه أو بارئه، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول; والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطوَ بكم.حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال; ثنا حسن بن موسى الأشيب، قال; ثنا ابن لهيعة، قال; ثنا بكر بن سوادة، عن أَبي تميم الجيشانيّ، عن أَبي ذرّ; " إن المَنِيَّ إذَا مَكث في الرحم أربعين ليلة، أتى ملك النفوس، فعرج به إلى الجبار في راحته ، فقال; أي ربّ عبدك هذا ذكر أم أنثى؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض، ثم يقول; أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق; قال; وقرأ أَبو ذرّ فاتحة التغابن خمس آيات ".
وذكر أنه خلق العباد، وجعل منهم المؤمن والكافر، فإيمانهم وكفرهم كله، بقضاء الله وقدره، وهو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة وإرادة، بها يتمكنون من كل ما يريدون من الأمر والنهي، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
(الفاء) عاطفة تفريعيّة
(منكم) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ
(كافر) ، و (منكم) الثاني خبر للمبتدأ
(مؤمن) ،
(الواو) عاطفة
(ما) حرف مصدريّ ، والمصدر المؤوّلـ (ما تعملون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بالخبر
(بصير) .
جملة: «هو الذي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «خلقكم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «منكم كافر ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة .
وجملة: «منكم مؤمن ... » لا محلّ لها معطوفة على منكم كافر.
وجملة: «اللَّه.. بصير» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «تعملون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .