الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخٰسِرِينَ
الَّذِيۡنَ كَذَّبُوۡا شُعَيۡبًا كَاَنۡ لَّمۡ يَغۡنَوۡا فِيۡهَا ۛۚ اَ لَّذِيۡنَ كَذَّبُوۡا شُعَيۡبًا كَانُوۡا هُمُ الۡخٰسِرِيۡنَ
تفسير ميسر:
الذين كذَّبوا شعيبًا كأنهم لم يقيموا في ديارهم، ولم يتمتعوا فيها، حيث استؤصلوا، فلم يبق لهم أثر، وأصابهم الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة.
قال تعالى "كأن لم يغنوا فيها" أي كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها ثم قال تعالى مقابلا لقيلهم "الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين".
قوله تعالى الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها قال الجرجاني ; قيل هذا كلام مستأنف ; أي الذين كذبوا شعيبا صاروا كأنهم لم يزالوا موتى . و يغنوا يقيموا ; يقال ; غنيت [ ص; 227 ] بالمكان إذا أقمت به . وغني القوم في دارهم أي طال مقامهم فيها . والمغنى ; المنزل ; والجمع المغاني . قال لبيد ;وغنيت ستا قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلودوقال حاتم طيئ ;غنينا زمانا بالتصعلك والغنى كما الدهر في أيامه العسر واليسركسبنا صروف الدهر لينا وغلظة وكلا سقاناه بكأسهما الدهرفما زادنا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقرالذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ابتداء خطاب ، وهو مبالغة في الذم والتوبيخ وإعادة لتعظيم الأمر وتفخيمه . ولما قالوا ; من اتبع شعيبا خاسر ، قال الله ; الخاسرون هم الذين قالوا هذا القول .
القول في تأويل قوله ; الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; فأهلك الذين كذبوا شعيبًا فلم يؤمنوا به، فأبادَهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاءً=( كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول; كأن لم ينـزلوا قطّ ولم يعيشوا بها حين هلكوا .* * *يقال; " غَنِيَ فلان بمكان كذا ، فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِيًّا " ، (24) إذا نـزل به وكان به، كما قال الشاعر. (25)وَلَقَــدْ يَغْنَــى بِهَــا جِـيرَانُكِ الْمُمْسِــكُو مِنْــكِ بِعَهْــدٍ وَوِصَـالِ (26)وقال رؤبة;وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعَا (27)إنما هو " مفعل " من " غني".* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;14866-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة.( كأن لم يغنوا فيها ) ، ; كأن لم يعيشوا، كأن لم ينعموا.14867-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال ; حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس; ( كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول ; كأن لم يعيشوا فيها.14868-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; ( كأن لم يغنوا فيها ) ، كأن لم يكونوا فيها قطُّ.* * *وقوله; ( الذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين ) ، يقول تعالى ذكره; لم يكن الذين اتَّبعوا شعيبًا الخاسرين ، بل الذين كذّبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين. (28) لأنه أخبر عنهم جل ثناؤه; أن الذين كذبوا شعيبًا قالوا للذين أرادُوا اتباعه; لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ، فكذبهم الله بما أحلَّ بهم من عاجلِ نَكاله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; ما خسر تُبَّاع شعيب، بل كانَ الذين كذبوا شعيبًا لما جاءت عقوبة الله ، هم الخاسرين ، دون الذين صدّقوا وآمنوا به.------------------الهوامش ;(24) هذا المصدر الثاني"غنيا" ليس في شيء من مراجع اللغة ، وضبطته بضم الغين وكسر النون وتشديد الياء ، على زنة"فعول" وهكذا استظهرت. ولا أدري أيصح ذلك أم لا يصح.(25) هو عبيد بن الأبرص.(26) ديوانه; 58 ، مختارات ابن الشجري 2; 37 ، والخصائص لابن جني 2; 2455 والمنصف لابن جني 1; 66 ، والخزانة 3; 237 ، وهي القصيدة الفاخرة التي لم يتجشم فيها إلا ما في نهضته ووسعه ، عن غير اغتصاب واستكراه أجاءه إليه ، فقاد القصيدة كلها على أن آخر مصراع كل بيت منها منته إلى (ال) التعريف ، كما قال ابن جني في الخصائص ، أولها;يَــا خَـلِيلَيَّ اُرْبَعَـا وَاُسْـتَخْبِرَا الْـمَـنْزِلَ الـدَّارِسَ مِـنْ أهْـلِ الحِـلالِمِثْـلَ سَـحْقِ الـبُرْدِ عَفَّـى بَعْدَكِ الـْقَطْــرُ مَغْنَــاهُ، وَتَـأَوِيبُ الشَّـمَالِوَلَقَــدْ يَغْنَــى بِــه جِـيرَانُكِ الْـمُمْسِــكُو مِنْـكِ بِأَسْـبَابِ الوِصَـالِواستمر بها على ذلك النهج. وكان في المطبوعة; "المستمسكو" ، وهو تغيير لما في المخطوطة ، وللرواية معًا. وقوله; "الممسكو" يعني"الممسكون" ، فحذف النون لطول الاسم ، لا للإضافة. وهكذا تفعل العرب أحيانا ، كما قال الأنصاري;الْحَـــافِظُو عَــوْرةَ العَشِــيرَةِ لايَــأْتِيهِمُ مِــنْ وَرَائِنَــا نَطَــفُوقول الأخطل;أَبَنــيِ كُــلَيْبٍ، إِنْ عَمَّــيَّ اللَّـذَاقَتَــلا المُلُــوكَ وَفَكَّكَـا الأَغْـلالاانظر سيبويه 1; 95 ، والمنصف 1; 67.(27) ديوانه; 87 ، ومضى منها بيت فيما سلف 2; 540 في مديح قومه بني تميم ، يقول;هَــاجَتْ، وَمِثْــلي نَوْلُـهُ أَنْ يَرْبَعَـاحَمَامَــةٌ هَــاجَتْ حَمَامًـا سُـجَّعَاأَبْكَــتْ أَبَــا الشَّـعْثَاءِ وَالسَّـمَيْدَعَاوعَهْــدُ مَغْنَــى دِمْنَــةٍ بضَلْفَعَـابَــادَتْ وَأَمْسَــى خَيْمُهـا تَذَعْذَعَـاو"أبو الشعثاء" يعني نفسه. و"ضلفع" ، اسم موضع.(28) انظر تفسير"الخسران" فيما سلف ص; 565 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.
قال تعالى ناعيا حالهم { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ْ} أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ْ} أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: { لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ}
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(كذّبوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (شعيبا) مفعول به منصوبـ (كأن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها محذوف تقديره كأنهم
(لم) حرف نفي وجزم وقلبـ (يغنوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعلـ (في) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يغنوا) ،
(الذين كذّبوا شعيبا) مثل الأولى
(كانوا) مثل أصبحوا ،
(هم) ضمير فصلـ (الخاسرين) خبر كانوا منصوب.
جملة: الذين كذّبوا ... لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: كذّبوا ... لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الأول.
وجملة: كأن لم يغنوا ... في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
وجملة: يغنوا ... في محل رفع خبر كأن المخفّفة.
وجملة: الذين كذّبوا
(الثانية) لا محلّ لها استئنافيّة مؤكّدة.
وجملة: كذّبوا
(الثانية) لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: كانوا.. الخاسرين في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) الثاني.
(الفاء) عاطفة
(تولّى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تولّى) ،
(الواو) عاطفة
(قال) فعل ماض، والفاعل هو (يا) حرف للنداء
(قوم) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف و (الياء) المحذوفة ضميرمضاف إليه
(اللام) لام القسم لقسم مقدّر
(قد) حرف تحقيق
(أبلغت) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (التاء) فاعل و (كم) ضمير مفعول به
(رسالات) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الكسرة
(ربّ) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و (الياء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(نصحت) مثل أبلغت
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (نصحت) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال عامله
(آسى) وهو مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا
(على قوم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (آسى) ،
(كافرين) نعت لقوم مجرور مثله وعلامة الجرّ الياء.
وجملة: تولّى ... لا محلّ لها معطوفة على جملة أصبحوا..
جاثمين .
وجملة: قال ... لا محلّ لها معطوفة على جملة تولّى.
وجملة النداء: يا قوم في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: قد أبلغتكم لا محلّ لها جواب القسم المقدّر.. وجملة القسم المقدّر جواب النداء.
وجملة: نصحت لا محلّ لها معطوفة على جملة أبلغت..
وجملة: آسى ... في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي، إن لم تؤمنوا فكيف آسى..