وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰفِظُونَ
وَالَّذِيۡنَ هُمۡ لِفُرُوۡجِهِمۡ حٰفِظُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص، إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى، وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك، إلا المقيمين للصلاة الذين يحافظون على أدائها في جميع الأوقات، ولا يَشْغَلهم عنها شاغل، والذين في أموالهم نصيب معيَّن فرضه الله عليهم، وهو الزكاة لمن يسألهم المعونة، ولمن يتعفف عن سؤالها، والذين يؤمنون بيوم الحساب والجزاء فيستعدون له بالأعمال الصالحة، والذين هم خائفون من عذاب الله. إن عذاب ربهم لا ينبغي أن يأمنه أحد. والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرَّم الله عليهم، إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين.
قال ابن العربي; "من غريب القرآن أن هذه الآيات العشر عامة في الرجال والنساء, كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهم فإنها عامة فيهم, إلا قول "والذين هم لفروجهم حافظون" فإنما خاطب بها الرجال خاصة دون الزوجات, "إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخرى كآيات الإحصان عموما وخصوصا وغير ذلك من الأدلة. قلت; وعلى هذا التأويل في الآية فلا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعا من العلماء; لأنها غير داخلة في الآية, ولكنها لو أعتقته بعد ملكها له جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور. وروي عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا على نكاحهما. قال أبو عمر; ولا يقل هذا أحد من فقهاء الأمصار; لأن تملكها عندهم يبطل النكاح بينهما, وليس ذلك بطلاق وإنا هو فسخ للنكاح; وأنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يراجعها إلا بنكاح جديد ولو كانت في عدة منه. الخامسة; قال محمد بن الحكم; سمعت حرملة بن عبدالعزيز قال; سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة, فتلا هذه الآية "والذين هم لفروجهم حافظون" - إلى قوله - "العادون". وهذا لأنهم يكنون عن الذكر بعميرة; وفيه يقول الشاعر; إذا حللت بواد لا أنيس به فاجلد عميرة لا داء ولا حرج ويسميه أهل العراق الاستمناء, وهو استفعال من المني. وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه, ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة; أصله القصد والحجامة. وعامة العلماء على تحريمه. وقال بعض العلماء; إنه كالفاعل بنفسه, وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة, ويا ليتها لم تقل; ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها. فإن قيل; إنها خير من نكاح الأمة; قلنا; نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير من هذا, وإن كان قد قال به قائل أيضا, ولكن الاستمناء ضعيف في الدليل أو بالرجل الدنيء فكيف بالرجل الكبير.