وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكٰفِرِينَ دَيَّارًا
وَ قَالَ نُوۡحٌ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى الۡاَرۡضِ مِنَ الۡكٰفِرِيۡنَ دَيَّارًا
تفسير ميسر:
وقال نوح -عليه السلام- بعد يأسه من قومه; ربِّ لا تترك من الكافرين بك أحدًا حيًّا على الأرض يدور ويتحرك. إنك إن تتركهم دون إهلاك يُضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك عن طريق الحق، ولا يأت من أصلابهم وأرحامهم إلا مائل عن الحق شديد الكفر بك والعصيان لك. ربِّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا، وللمؤمنين والمؤمنات بك، ولا تزد الكافرين إلا هلاكًا وخسرانًا في الدنيا والآخرة.
الأولى; دعا عليهم حين يئس من أتباعهم إياه. وقال قتادة; دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه; "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" [هود; 36] فأجاب الله دعوته وأغرق أمته; وهذا كقول النبي صلي الله عليه وسلم; (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب وهازم الأحزاب أهزمهم وزلزلهم). وقيل; سبب دعائه أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال; (احذر هذا فإنه يضلك). فقال; يا أبت أنزلني; فأنزله فرماه فشجه; فحينئذ غضب ودعا عليهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد; إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم. وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة. وقيل; بأربعين. قال قتادة; ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية; لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم; ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب, ثم أهلكهم بالعذاب; بدليل قوله تعالى; "وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم" [الفرقان; 37]. الثانية; قال ابن العربي; "دعا نوح على الكافرين أجمعين, ودعا النبي صلي الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم. وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة, فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه; لأن مآله عندنا مجهول, وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة. وإنما خص النبي صلي الله عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما; لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم". قلت; قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة "البقرة" والحمد لله. الثالثة; قال ابن العربي; "إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة؟ قلنا قال الناس في ذلك وجهان; أحدهما; أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة; والشفاعة تكون عن رضا ورقة, فخاف أن يعاتب ويقال; دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم. الثاني; أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك; فخاف الدرك فيه يوم القيامة; كما قال موسى عليه السلام; (إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها). قال; وبهذا أقول". قلت; وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصا فقد قيل له; "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" [هود; 36]. فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك; كما دعا نبينا صلي الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال; (اللهم عليك بهم) لما أعلم عواقبهم; وعلى هذا يكون فيه معنى الأم بالدعاء. والله أعلم. أي من يسكن الديار; قاله السدي. وأصله ديوار على فيعال من دار يدور; فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى. مثل القيام; أصله قيوام. ولو كان فعالا لكان دوارا. وقال القتبي; أصله من الدار; أي نازل بالدار. يقال; ما بالدار ديار; أي أحد. وقيل; الديار صاحب الدار.