الرسم العثمانيوَمَا جَعَلْنَآ أَصْحٰبَ النَّارِ إِلَّا مَلٰٓئِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰبَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِيمٰنًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰبَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهٰذَا مَثَلًا ۚ كَذٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرٰى لِلْبَشَرِ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَا جَعَلۡنَاۤ اَصۡحٰبَ النَّارِ اِلَّا مَلٰٓٮِٕكَةً ۖوَّمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ اِلَّا فِتۡنَةً لِّلَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا ۙ لِيَسۡتَيۡقِنَ الَّذِيۡنَ اُوۡتُوا الۡكِتٰبَ وَيَزۡدَادَ الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا اِيۡمَانًا وَّلَا يَرۡتَابَ الَّذِيۡنَ اُوۡتُوا الۡكِتٰبَ وَالۡمُؤۡمِنُوۡنَۙ وَلِيَقُوۡلَ الَّذِيۡنَ فِىۡ قُلُوۡبِهِمۡ مَّرَضٌ وَّالۡكٰفِرُوۡنَ مَاذَاۤ اَرَادَ اللّٰهُ بِهٰذَا مَثَلًا ؕ كَذٰلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ مَنۡ يَّشَآءُ وَيَهۡدِىۡ مَنۡ يَّشَآءُ ؕ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُوۡدَ رَبِّكَ اِلَّا هُوَ ؕ وَمَا هِىَ اِلَّا ذِكۡرٰى لِلۡبَشَرِ
تفسير ميسر:
وما جعلنا خزنة النار إلا من الملائكة الغلاظ، وما جعلنا ذلك العدد إلا اختبارًا للذين كفروا بالله؛ وليحصل اليقين للذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى بأنَّ ما جاء في القرآن عن خزنة جهنم إنما هو حق من الله تعالى، حيث وافق ذلك كتبهم، ويزداد المؤمنون تصديقًا بالله ورسوله وعملا بشرعه، ولا يشك في ذلك الذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى ولا المؤمنون بالله ورسوله؛ وليقول الذين في قلوبهم نفاق والكافرون; ما الذي أراده الله بهذا العدد المستغرب؟ بمثل ذلك الذي ذُكر يضلُّ الله من أراد إضلاله، ويهدي مَن أراد هدايته، وما يعلم عدد جنود ربك - ومنهم الملائكة- إلا الله وحده. وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس.
يقول تعالى "وما جعلنا أصحاب النار" أي خزانها "إلا ملائكة" أي زبانية غلاظا شدادا وذلك رد على مشركي قريش حين ذكروا عدد الخزنة فقال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم؟ فقال الله تعالى "وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة" أي شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون وقد قيل إن أبا الأشدين واسمه كلدة بن أسيد بن خلف قال يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجابا منه بنفسه وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه قال السهيلي وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته وقال إن صرعتني آمنت بك فصرعه صلى الله عليه وسلم مرارا فلم يؤمن قال وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب "قلت" ولا منافاة بين ما ذكراه والله أعلم. وقوله تعالى "وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا" أي إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختبارا منا للناس "ليستيقن الذين أوتوا الكتاب" أي يعلمون أن هذا الرسول حق فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله وقوله تعالى "ويزداد الذين آمنوا إيمانا" أي إلى إيمانهم بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم "ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض" أي من المنافقين "والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا" أي يقولون ما الحكمة فى ذكر هذا ههنا؟ قال الله تعالى "كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" أي من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام ويتزلزل عند آخرين وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وقوله تعالى "وما يعلم جنود ربك إلا هو" أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين ومن شايعهم من الملتين الذين سمعوا هذه الآية فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها فأفهموا صدر هذه الآية وقد كفروا بآخرها وهو قوله "وما يعلم جنود ربك إلا هو" وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم". وقال الإمام أحمد حدثنا أسود حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أصبع إلا عليه ملك ساجد لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى" فقال أبو ذر والله لوددت أنى شجرة تعضد ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث إسرائيل وقال الترمذي حديث حسن غريب ويروى عن أبي ذر موقوفا. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا حسين بن عرفة المصري حدثنا عروة بن مروان الرقي حدثنا عبيدالله بن عمرو عن عبدالكريم بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبدالله قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا". وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا عبدالوهاب عن عطاء عن سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم "هل تسمعون ما أسمع؟" قالوا ما نسمع من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك راكع أو ساجد". وقال أيضا حدثنا محمد بن عبدالله بن قهذاذ حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي سمعت الضحاك بن مزاحم يحدث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة أنها قالت; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" وذلك قول الملائكة "وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون" وهذا مرفوع غريب جدا ثم رواه عن محمود بن آدم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال; إن من السموات سماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائم ثم قرأ "وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون" ثم قال حدثنا أحمد بن سيار حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد الدمشقي المعروف بابن أمه حدثنا المغيرة بن عمر بن عطية من بني عمرو بن عوف حدثني سليمان بن أيوب عن سالم بن عوف حدثني عطاء بن زيد بن مسعود من بني الحكم حدثني سليمان بن عمرو بن الربيع من بني سالم حدثني عبدالرحمن بن العلاء من بني ساعدة عن أبيه العلاء بن سعد وقد شهد الفتح وما بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لجلسائه "هل تسمعون ما أسمع؟" قالوا وما تسمع يا رسول الله ؟ قال "أطت السماء وحق لها أن تئط إنه ليس فيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد وقالت الملائكة "وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون" وهذا إسناد غريب جدا ثم قال حدثنا إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفروي حدثنا عبدالملك بن قدامة عن عبدالرحمن عن عبدالله بن دينار عن أبيه عن عبدالله بن عمر أن عمر جاء والصلاة قائمة ونفر ثلاثة جلوس أحدهم أبو جحش الليثي فقال قوموا فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام اثنان وأبى أبو جحش أن يقوم وقال لا أقوم حتى يأتي رجل هو أقوى مني ذراعين وأشد مني بطشا فيصرعني ثم يدس وجهي في التراب قال عمر فصرعته ودسست وجهه فى التراب فأتى عثمان بن عفان فحجزني عنه فخرج عمر مغضبا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما رأيك يا أبا حفص؟" فذكر له ما كان منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن رضي عمر رحمه والله على ذلك لوددت أنك جئتني برأس الخبيث" فقام عمر فوجه نحوه فلما أبعد ناداه فقال "اجلس حتى أخبرك بغناء الرب تبارك وتعالى عن صلاة ابن جحش وإن لله تعالى في السماء الدنيا ملائكة خشوع لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت رفعوا رءوسهم ثم قالوا ربنا ما عبدناك حق عبادتك وإن لله في السماء الثانية ملائكة سجود لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رءوسهم وقالوا سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك" فقال له عمر وما يقولون يا رسول الله ؟ فقال "أما أهل السماء الدنيا فيقولن سبحان ذي الملك والملكوت وأما أهل السماء الثانية فيقولون سبحان ذي العزة والجبروت. وأما أهل السماء الثالثة فيقولون سبحان الحي الذي لا يموت فقلها يا عمر في صلاتك فقال عمر يا رسول الله فكيف بالذي كنت علمتني وأمرتني أن أقوله في صلاتي؟ فقال "قل هذا مرة وهذا مرة" وكان الذي أمره به أن يقوله "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك جل وجهك" هذا حديث غريب جدا بل منكر نكارة شديدة وإسحاق المروزي روى عنه البخاري وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدارقطني وقال أبو حاتم الرازي كان صدوقا إلا أنه ذهب بصره فربما لقن وكتبه صحيحة وقال مرة هو مضطرب وشيخه عبدالملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي تكلم فيه أيضا والعجب من الإمام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه ولا عرف بحاله ولا تعرض لضعف بعض رجاله غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلا بنحوه ومن طريق أخرى عن الحسن البصري مرسلا قريبا منه ثم قال محمد بن نصر حدثنا محمد بن عبدالله بن قهذاذ أخبرنا النضر اخبرنا عباد بن منصور قال سمعت عدي بن أرطاة وهو يخطبنا على منبر المدائن قال سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن لله تعالى ملائكة ترعد فرائصهم من خيفته ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إلا وقعت على ملك يصلى وأن منهم ملائكة سجودا منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رءوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة وإن منهم ملائكة ركوعا لم يرفعوا رؤسهم منذ خلق الله السموات والأرض ولا يرفعونها إلى يوم القيامة فإذا رفعوا رءوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" وهذا إسناد لا بأس به وقوله تعالى "وما هى إلا ذكرى للبشر" قال مجاهد وغير واحد "وما هي" أي النار التي وصفت "إلا ذكرى للبشر".
قوله تعالى ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أي ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم ; قاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبدالله بن سلام . ويحتمل أنه يريد الكل .ويزداد الذين آمنوا إيمانا بذلك ; لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ، ثم ازدادوا إيمانا لتصديقهم [ ص; 76 ] بعدد خزنة جهنم .ولا يرتاب أي ولا يشك الذين أوتوا الكتاب أي أعطوا الكتاب والمؤمنون أي المصدقون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر .وليقول الذين في قلوبهم مرض أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة ، الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما نجم بالمدينة . وقيل ; المعنى ; أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة .والكافرون أي اليهود والنصارى ماذا أراد الله بهذا مثلا يعني بعدد خزنة جهنم . وقال الحسين بن الفضل ; السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ; فالمرض في هذه الآية الخلاف و ( الكافرون ) أي مشركو العرب . وعلى القول الأول أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض ; الشك والارتياب ; لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب ، وقوله تعالى إخبارا عنهم ; ماذا أراد الله أي ما أراد بهذا العدد الذي ذكره حديثا ، أي ما هذا من الحديث . قال الليث ; المثل الحديث ; ومنه ; مثل الجنة التي وعد المتقون أي حديثها والخبر عنها .كذلك أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم يضل الله أي يخزي ويعمي من يشاء ويهدي أي ويرشد من يشاء كإرشاد أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل ; كذلك يضل الله عن الجنة من يشاء ويهدي إليها من يشاء .وما يعلم جنود ربك إلا هو أي وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار إلا هو أي إلا الله - جل ثناؤه - وهذا جوابلأبي جهل حين قال ; أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ! وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم غنائم حنين ، فأتاه جبريل فجلس عنده ، فأتى ملك فقال ; إن ربك يأمرك بكذا وكذا ، فخشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون شيطانا ، فقال ; " يا جبريل أتعرفه " ؟ فقال ; هو ملك وما كل ملائكة ربك أعرف . وقال الأوزاعي ; قال موسى ; " يا رب من في السماء ؟ قال ملائكتي . قال كم عدتهم يا رب ؟ قال ; اثني عشر سبطا . قال ; كم عدة كل سبط ؟ قال ; عدد التراب " ذكرهما الثعلبي . وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا .[ ص; 77 ] قوله تعالى ; وما هي إلا ذكرى للبشر يعني الدلائل والحجج والقرآن . وقيل ; وما هي أي وما هذه النار التي هي سقر إلا ذكرى أي عظة للبشر أي للخلق . وقيل ; نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة .قاله الزجاج . وقيل ; أي ما هذه العدة إلا ذكرى للبشر أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار ; فالكناية على هذا في قوله تعالى ; وما هي ترجع إلى الجنود ; لأنه أقرب مذكور .
وقوله; ( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً ) يقول تعالى ذكره; وما جعلنا خزَنة النار إلا ملائكة يقول لأبي جهل في قوله لقريش; أما يستطيع كلّ عشرة منكم أن تغلب منها واحدا؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; ثنا ابن زيد، في قوله; ( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً ) قال; ما جعلناهم رجالا فيأخذ كلّ رجل رجلا كما قال هذا.وقوله; ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) يقول; وما جعلنا عدّة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مُشركي قريش.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ); إلا بلاء.وإنما جعل الله الخبر عن عدّة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا، لتكذيبهم بذلك، وقول بعضهم لأصحابه; أنا أكفيكموهم.* ذكر الخبر عمن قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني &; 24-30 &; الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( تِسْعَةَ عَشَرَ ) قال; جعلوا فتنة، قال أبو الأشدّ بن الجمحي; لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم.وقوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) يقول تعالى ذكره; ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدّة خزَنة جهنم، إذ وافق ذلك ما أنـزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ) قال; وإنها في التوراة والإنجيل تسعة عشر، فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب، ويزداد الذين آمنوا إيمانًا.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) قال; يجدونه مكتوبا عندهم عدّة خزَنة أهل النار.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) يصدّق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها، التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) قال; ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدّة خزَنة النار ما في كتبهم.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) قال; عدّة خزَنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل.وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) أنك رسول الله. &; 24-31 &;وقوله; ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ) يقول تعالى ذكره; وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدّة خزنة جهنم.وقوله; ( وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ) يقول; ولا يشك أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك، والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.وقوله; ( وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ ) يقول تعالى ذكره; وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق، والكافرون بالله من مشركي قريش ( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا )كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ); أي نفاق.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا ) يقول; حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر.وقوله; ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) يقول تعالى ذكره; كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدّة خزنة جهنم، أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوّفنا بذكر عدتهم، ويهتدي به المؤمنون، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ) مِنْ خَلْقِهِ فيخذله عن إصابة الحقّ( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) منهم، فيوفقه لإصابة الصواب ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ ) من كثرتهم ( إلا هُوَ ) يعني; الله.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ ) أي; من كثرتهم.وقوله; ( وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) يقول تعالى ذكره; وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر، وهم بنو آدم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) يعني النار.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) قال; النار.
{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم. { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب يسمى فتنة، [كما قال تعالى: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ] ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذب، ويدل على هذا ما ذكر بعده في قوله: { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها وصدقوا، ازداد إيمانهم، { وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ } أي: ليزول عنهم الريب والشك، وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب، وهي السعي في اليقين، وزيادة الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلا لهذه الفوائد الجليلة، ومميزا للكاذبين من الصادقين، ولهذا قال: { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي: شك وشبهة ونفاق. { وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } وهذا على وجه الحيرة والشك، والكفر منهم بآيات الله، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه، وإضلاله لمن يضل ولهذا قال:{ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فمن هداه الله، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه، وزيادة في إيمانه ودينه، ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة، وظلمة في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم، فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إلَّا هُوَ } فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب، { وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } أي: وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا به العبث واللعب، وإنما المقصود به أن يتذكر [به] البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه.
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية في المواضع الأربعة
(إلّا) للحصر في المواضع الأربعة
(ملائكة) مفعول به ثان منصوب، وكذلك
(فتنة) ،
(للذين) متعلّق بنعت لـ (فتنة) ،
(اللام) للتعليلـ (يستيقن) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، و (الواو) في(أوتوا) نائب الفاعل في الموضعين
(يزداد) مضارع منصوب معطوف على
(يستيقن) ..
(إيمانا) تمييز.
والمصدر المؤوّلـ (أن يستيقن ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جعلنا) الثاني.
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(يرتاب) مضارع منصوب معطوف على
(يستيقن) ،
(ليقول) مثل ليستيقن
(في قلوبهم) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ
(مرض) ،
(ماذا) اسم استفهام في محلّ نصب مفعول به عامله أراد
(بهذا) متعلّق بـ (أراد) ،
(مثلا) حال منصوب من اسم الإشارة.
والمصدر المؤوّلـ (أن يقول..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جعل) الثاني فهو معطوف على المصدر الأوّل.
(كذلك) متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يضلّ
(من) موصول في محلّ نصب مفعول به في الموضعين لفعلي الضلالة والهداية
(هو) ضمير منفصلفي محلّ رفع فاعلـ (يعلم) ،
(هي) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ خبره
(ذكرى) ،
(للبشر) متعلّق بـ (ذكرى) .
جملة: «ما جعلنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ما جعلنا
(الثانية) ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الأول.
وجملة: «يستيقن ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «أوتوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثالث.
وجملة: «يزداد ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يستيقن.
وجملة: «لا يرتاب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يستيقن.
وجملة: «أوتوا..
(الثانية) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الرابع.
وجملة: «يقول ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر الثاني.
وجملة: «في قلوبهم مرض ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الخامس.
وجملة: «أراد ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يضلّ الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يشاء ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الأول.
وجملة: «يهدي ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يضلّ.
وجملة: «يشاء
(الثانية) ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الثاني وجملة: «ما يعلم ... إلّا هو» لا محلّ لها معطوفة على جملة يضلّ الله..
وجملة: «ما هي إلّا ذكرى ... » لا محلّ لها معطوفة على جمل يضلّ الله..
- القرآن الكريم - المدثر٧٤ :٣١
Al-Muddassir74:31