الرسم العثمانيوَلَوْ أَلْقٰى مَعَاذِيرَهُۥ
الـرسـم الإمـلائـيوَّلَوۡ اَلۡقٰى مَعَاذِيۡرَهٗؕ
تفسير ميسر:
بل الإنسان حجة واضحة على نفسه تلزمه بما فعل أو ترك، ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه، فإنه لا ينفعه ذلك.
وقال مجاهد "ولو ألقى معاذيره" ولو جادل عنها فهو بصير عليها وقال قتادة "ولو ألقى معاذيره" ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه وقال السدى "ولو ألقى معاذيره" حجته وكذا قال ابن زيد والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير وقال قتادة عن زرارة عن ابن عباس "ولو ألقى معاذيره" يقول لو ألقى بهتانه وقال الضحاك ولو ألقى ستوره وأهل اليمن يسمون الستر العذار والصحيح قول مجاهد وأصحابه كقوله تعالى "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" وكقوله تعالى "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" وقال العوفي عن ابن عباس "ولو ألقى معاذيره" هى الإعتذار ألم تسمع أنه قال "لا ينفع الظالمين معذرتهم" وقال "وألقوا إلى الله يومئذ السلم ما كنا نعمل من سوء" وقولهم "والله ربنا ما كنا مشركين".
قوله تعالى ; ولو ألقى معاذيره ومعناه لو اعتذر بعد الإقرار لم يقبل منه . وقد اختلف العلماء فيمن رجع بعدما أقر في الحدود التي هي خالص حق الله ; فقال أكثرهم منهم الشافعي وأبو حنيفة ; يقبل رجوعه بعد الإقرار . وقال به مالك في أحد قوليه ، وقال في القول الآخر ; لا يقبل إلا أن يذكر لرجوعه وجها صحيحا .والصحيح جواز الرجوع مطلقا ; لما روى الأئمة منهم البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد المقر بالزنا مرارا أربعا كل مرة يعرض عنه ، ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال ; " أبك جنون ؟ " قال ; لا . قال ; " أحصنت ؟ " قال ; نعم . وفي حديث البخاري ; " لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " . وفي [ ص; 95 ] النسائي وأبي داود ; حتى قال له في الخامسة " أجامعتها ؟ " قال ; نعم . قال ; " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها " قال ; نعم . قال ; " كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر " . قال ; نعم . ثم قال ; " هل تدري ما الزنا " قال ; نعم ، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا . قال ; " فما تريد مني ؟ قال ; أريد أن تطهرني . قال ; فأمر به فرجم . قال الترمذي وأبو داود ; فلما وجد مس الحجارة فر يشتد ، فضربه رجل بلحي جمل ، وضربه الناس حتى مات . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; " هلا تركتموه " وقال أبو داود والنسائي ; ليتثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأما لترك حد فلا . وهذا كله طريق للرجوع وتصريح بقبوله . وفي قوله - عليه السلام - ; " لعلك قبلت أو غمزت " إشارة إلى قول مالك ; إنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجها .وهذا في الحر المالك لأمر نفسه ، فأما العبد فإن إقراره لا يخلو من أحد قسمين ; إما أن يقر على بدنه ، أو على ما في يده وذمته ; فإن أقر على ما في بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه .وقال محمد بن الحسن ; لا يقبل ذلك منه ; لأن بدنه مستغرق لحق السيد ، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه ; ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - ; من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد . المعنى أن محل العقوبة أصل الخلقة ، وهي الدمية في الآدمية ، ولا حق للسيد فيها ، وإنما حقه في الوصف والتبع ، وهي المالية الطارئة عليه ; ألا ترى أنه لو أقر بمال لم يقبل ، حتى قال أبو حنيفة ; إنه لو قال سرقت هذه السلعة أنه لم تقطع يده ويأخذها المقر له .وقال علماؤنا ; السلعة للسيد ويتبع العبد بقيمتها إذا عتق ; لأن مال العبد للسيد إجماعا ، فلا يقبل قوله فيه ولا إقراره عليه ، لا سيما [ ص; 96 ] وأبو حنيفة يقول ; إن العبد لا ملك له ولا يصح أن يملك ولا يملك ، ونحن وإن قلنا إنه يصح تملكه . ولكن جميع ما في يده لسيده بإجماع على القولين . والله أعلم .
وقوله; ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول تعالى ذكره; بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول; سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحهوالبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله; ( عَلَى نَفْسِهِ ) ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله; نفسه.وقال آخرون; بل معنى ذلك; بل الإنسان شاهد على نفسه وحده، ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرًا للإنسان، ورفع الإنسان بها.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول; الإنسان شاهد على نفسه وحده.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله; ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قال; شاهد عليها بعملها.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه؛ قال; وكان يقال; إن في الإنجيل مكتوبا; يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قال; هو شاهد على نفسه، وقرأ; اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ومن قال هذه المقالة يقول; أدخلت الهاء في قوله ( بَصِيرَةٌ ) وهي خبر للإنسان، كما يقال للرجل; أنت حجة على نفسك، وهذا قول بعض نحويِّي البصرة. وكان بعضهم يقول; أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر، كما أدخلت في راوية وعلامة.
{ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } فإنها معاذير لا تقبل، ولا تقابل ما يقرر به العبد ، فيقر به، كما قال تعالى: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } . فالعبد وإن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره، وجميع جوارحه بما كان يعمل، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه: { فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - القيامة٧٥ :١٥
Al-Qiyamah75:15