لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَـًٔا أَوْ مَغٰرٰتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
لَوۡ يَجِدُوۡنَ مَلۡجَاً اَوۡ مَغٰرٰتٍ اَوۡ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوۡا اِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُوۡنَ
تفسير ميسر:
لو يجد هؤلاء المنافقون مأمنًا وحصنًا يحفظهم، أو كهفًا في جبل يؤويهم، أو نفقًا في الأرض ينجيهم منكم، لانصرفوا إليه وهم يسرعون.
" لو يجدون ملجأ " أي حصنا يتحصنون به وحرزا يتحرزون به " أو مغارات " وهي التي في الجبال " أو مدخلا " وهو السرب في الأرض والنفق قال ذلك في الثلاثة ابن عباس ومجاهد وقتادة " لولوا إليه وهم يجمحون " أي يسرعون في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضروة أحكام ولهذا لا يزالون في هم وحزن وغم لأن الإسلام وأهله لا يزال في عز ونصر ورفعة فلهذا كلما سر المسلمون ساءهم ذلك فهم يودون أن لا يخالطوا المؤمنين ولهذا قال "لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون".
قوله تعالى لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون[ ص; 93 ] قوله تعالى لو يجدون ملجأ كذا الوقف عليه . وفي الخط بألفين ; الأولى همزة ، والثانية عوض من التنوين ، وكذا رأيت جزءا . والملجأ الحصن ، عن قتادة وغيره . ابن عباس ; الحرز ، وهما سواء . يقال ; لجأت إليه لجأ " بالتحريك " وملجأ والتجأت إليه بمعنى . والموضع أيضا لجأ وملجأ . والتلجئة الإكراه . وألجأته إلى الشيء اضطررته إليه . وألجأت أمري إلى الله أسندته . وعمرو بن لجأ التميمي الشاعر عن الجوهري .أو مغارات جمع مغارة ، من غار يغير . قال الأخفش ; ويجوز أن يكون من أغار يغير ، كما قال الشاعر ;الحمد لله ممسانا ومصبحناقال ابن عباس ; المغارات الغيران والسراديب ، وهي المواضع التي يستتر فيها ، ومنه غار الماء وغارت العين .أو مدخلا مفتعل من الدخول ، أي مسلكا نختفي بالدخول فيه ، وأعاده لاختلاف اللفظ . قال النحاس ; الأصل فيه مدتخل ، قلبت التاء دالا ؛ لأن الدال مجهورة والتاء مهموسة وهما من مخرج واحد . وقيل ; الأصل فيه متدخل على متفعل ، كما في قراءة أبي ; " أو متدخلا " ومعناه دخول بعد دخول ، أي قوما يدخلون معهم . المهدوي ; متدخلا من تدخل مثل تفعل إذا تكلف الدخول . وعن أبي أيضا ; مندخلا من اندخل ، وهو شاذ ؛ لأن ثلاثيه غير متعد عند سيبويه وأصحابه . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن ; " أو مدخلا " بفتح الميم وإسكان الدال . قال الزجاج ; ويقرأ " أو مدخلا " بضم الميم وإسكان الدال . الأول من دخل يدخل . والثاني من أدخل يدخل . كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه ;مغار ابن همام على حي خثعماوروي عن قتادة وعيسى والأعمش " أو مدخلا " بتشديد الدال والخاء . والجمهور بتشديد الدال وحدها ، أي مكانا يدخلون فيه أنفسهم . فهذه ست قراءات . لولوا إليه أي لرجعوا إليه . وهم يجمحون أي يسرعون ، لا يرد وجوههم شيء . من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام . قال الشاعر ;سبوحا جموحا وإحضارها كمعمعة السعف الموقدوالمعنى ; لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين .
القول في تأويل قوله ; لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; لو يجد هؤلاء المنافقون " ملجأ ", يقول; عَصَرًا يعتصِرون به من حِصْن, ومَعْقِلا يعتقِلون فيه منكم =(أو مغارات)،* * *= وهي الغيران في الجبال, واحدتها; " مغارة ", وهي " مفعلة "، من; " غار الرجل في الشيء، يغور فيه "، إذا دخل, ومنه قيل، " غارت العين "، إذا دخلت في الحدقة.* * *(أو مدَّخلا)، يقول; سَرَبًا في الأرض يدخلون فيه.* * *وقال; " أو مدّخلا "، الآية, لأنه " من ادَّخَل يَدَّخِل ". (4)* * *وقوله; (لولَّوا إليه)، يقول; لأدبروا إليه، هربًا منكم (5) =(وهم يجمحون). يقول; وهم يسرعون في مَشْيِهم.* * *وقيل; إن " الجماح " مشيٌ بين المشيين، (6) ومنه قول مهلهل;لَقَـدْ جَمَحْـتُ جِمَاحًـا فِـي دِمَـائِهِمُحَـتَّى رَأَيْـتُ ذَوِي أَحْسَـابِهِمْ خَـمَدُوا (7)* * *وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة, لأنهم إنما أقاموا بين أَظْهُرِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم ولما هم عليه من الإيمان بالله وبرسوله، لأنهم كانوا في قومهم وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم, فلم يقدروا على ترك ذلك وفراقه, فصانعوا القوم بالنفاق، ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر ودعوى الإيمان, وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به والعداوة لهم. فقال الله واصِفَهم بما في ضمائرهم; (لو يجدون ملجأ أو مغاراتٍ)، الآية.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;16808- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله; (لو يجدون ملجأ)، " الملجأ " الحِرْز في الجبال, " والمغارات "، الغِيران في الجبال. وقوله; (أو مدَّخلا)، و " المدّخل "، السَّرَب.16809- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إليه وهم يجمحون)، " ملجأ ", يقول; حرزًا =(أو مغارات)، يعني الغيران =(أو مدخلا)، يقول; ذهابًا في الأرض, وهو النفق في الأرض, وهو السَّرَب.16810- وحدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا)، قال; حرزًا لهم يفرُّون إليه منكم.16811- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله; (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا)، قال; محرزًا لهم, لفرُّوا إليه منكم = وقال ابن عباس; قوله; (لو يجدون ملجأ)، حرزًا =(أو مغارات), قال; الغيران =(أو مدّخلا)، قال; نفقًا في الأرض.16812- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة; (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا)، يقول; " لو يجدون ملجأ "، حصونًا =(أو مغارات)، غِيرانًا =(أو مدخلا)، أسرابًا =(لولوا إليه وهم يجمحون).--------------------الهوامش ;(4) في المطبوعة ; " أو مدخلا الآية ، لأنه " ، وهو خطأ في الطباعة فيما أرجح ، زاد " الآية لشبهه بقوله ; " لأنه " بعده ، وخالف الطابع المصحح ، فأثبت له ما صححه ! !(5) انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى).(6) هذا نص نادر لا تجده في كتاب اللغة، فليقيد فيها هو وشاهده.(7) لم أجد هذا البيت فيما وقفت عليه من شعر مهلهل. وقوله ; " خمدا " ، أي ; سكنوا فماتوا، كما تنطفئ الجمرة.
ثم ذكر شدة جبنهم فقال: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} يلجأون إليه عندما تنزل بهم الشدائد، {أَوْ مَغَارَاتٍ} يدخلونها فيستقرون فيها {أَوْ مُدَّخَلًا} أي: محلا يدخلونه فيتحصنون فيه {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي: يسرعون ويهرعون، فليس لهم ملكة، يقتدرون بها على الثبات.
(لو) حرف شرط غير جازم
(يجدون) مضارع مرفوع.
والواو فاعلـ (ملجأ) مفعول به منصوبـ (أو) حرف عطف
(مغارات) معطوف على ملجأ منصوب مثله وعلامة النصب الكسرة، ومثله
(مدّخلا) ،
(اللام) واقعة في جواب لو (ولّوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (إلى) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (ولّوا) ،
(الواو) حاليّة
(هم) ضمير مبتدأ
(يجمحون) مثلا يجدون.
جملة: «يجدون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ولّوا ... » لا محلّ لها جواب الشرط.وجملة: «هم يجمحون» في محلّ نصب حال من فاعل ولّوا.
وجملة: «يجمحون» في محلّ رفع خبر المبتدأ هم.